غموض الطبيعة القانونية للمجلس يهدد استقلاليته المالية والإدارية
قدّم المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة شاملة حول مشروع القانون رقم 026.25 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، وذلك استجابة لطلب استشارة من رئيس مجلس النواب بتاريخ 16 يوليوز 2025.
وتأتي هذه المذكرة في سياق يعرف فيه المشهد الإعلامي المغربي تحولات عميقة بفعل الثورة الرقمية وتزايد الحاجة إلى مؤسسات قادرة على حماية حرية التعبير وضمان استقلالية الصحافة.
وقد استند المجلس في تحليله إلى الدستور المغربي، ولا سيما الفصول 25 و27 و28، وإلى المرجعيات الدولية، خصوصا المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى مبادئ باريس وبغداد المؤطرة لعمل الهيئات المستقلة.
المجلس شدد على خمسة مرتكزات أساسية يجب أن يقوم عليها أي إصلاح تشريعي للمجلس الوطني للصحافة كما جاء في مذكرته، أولها حرية التعبير باعتبارها ركيزة للديمقراطية، ثم الاستقلالية التي تفرض الفصل بين هيئات التنظيم والسلطات الحكومية والاقتصادية، إضافة إلى التعددية التي تضمن تمثيل مختلف الفاعلين الإعلاميين، والتمثيلية العادلة التي تراعي تنوع المجتمع وتكافؤ الفرص بين الجنسين، وأخيرا الشفافية القائمة على نشر القرارات والتقارير بما يعزز الثقة والمساءلة.
المذكرة لم تكتف بالتشديد على المبادئ، بل سجلت ملاحظات جوهرية، أبرزها غياب ديباجة تبرز انسجام النص مع الضمانات الدستورية والالتزامات الدولية، وافتقاره إلى هيكلة منطقية متسلسلة تبدأ بتعريف طبيعة المجلس واختصاصاته ثم تنتقل إلى آليات عمله، إضافة إلى الطابع التجزيئي للمشروع الذي يجعله منفصلا عن القوانين الأخرى المكونة لمدونة الصحافة مما قد يضعف من اتساق المنظومة التشريعية.
وأثار المجلس الوطني لحقوق الإنسان، غموض الطبيعة القانونية للمجلس الوطني للصحافة، بين أن يكون خاضعا للقانون العام أو الخاص، وهو ما يهدد استقلاليته المالية والإدارية، منبها إلى اختلالات في تركيبة المجلس حيث يمنح المشروع تمثيلية أكبر للناشرين على حساب الصحفيين المستقلين، مع تغييب شبه تام لتمثيل الإعلام الرقمي والمجتمع المدني.
ولم تغفل المذكرة مسألة التمثيلية الجندرية واللغوية والجهوية، إذ طالبت بضمان نسبة لا تقل عن 40% من النساء داخل المجلس، مع مراعاة التنوع اللغوي والثقافي للمغرب.
وفي ما يخص المسطرة التأديبية، شدد المجلس على غياب ضمانات كافية لحقوق الدفاع والتنصيص على جمع سلطتي التحقيق والبت في الهيئة نفسها، مما قد يخلق تضاربا في المصالح ويضعف الشفافية، داعيا إلى مراجعة هذه المسطرة بما يضمن استقلاليتها ووضوحها، مع تحديد الأفعال التي تعتبر أخطاء مهنية بشكل دقيق.
وأوصى المجلس الوطني لحقوق الإنسان بإلغاء عقوبة توقيف النشر أو حجب المواقع الإلكترونية وحصر هذه الصلاحية في يد القضاء وفق مبادئ الضرورة والتناسب، انسجاما مع الاجتهادات القضائية الدولية التي اعتبرت العقوبات الجنائية على الصحفيين إضعافا للديمقراطية.
المذكرة أشارت كذلك إلى ضرورة توفير آليات دعم نفسي وقانوني لضحايا الانتهاكات، وإحداث آلية استعجالية للتدخل في حالات خطاب الكراهية أو الدعوة إلى العنف، كما طالبت بتعزيز الاستقلالية الاقتصادية للمقاولات الصحفية عبر آليات شفافة للدعم، واعتماد ميثاق أخلاقي للإشهار يرتكز على حقوق الإنسان.
وأكدت المذكرة أن إصلاح المجلس الوطني للصحافة لا يمكن أن ينجح إلا في إطار مقاربة شاملة تشمل القوانين الثلاثة المكونة لمدونة الصحافة، مع اعتماد نقاش تشاركي يضم جميع الفاعلين، صحفيين، ناشرين، نقابات، إعلام رقمي، ومجتمع مدني. واعتبرت أن هذه التوصيات أرضية لإغناء النقاش البرلماني، مع الأمل في أن يأخذ مجلس المستشارين هذه الملاحظات بعين الاعتبار عند مناقشة النص، مشددة على أن إصلاح المجلس الوطني للصحافة يشكل فرصة تاريخية لتعزيز حرية التعبير واستقلالية الإعلام بالمغرب، غير أن نجاح هذا الورش يبقى رهينا وفق المذكرة، بوجود إرادة سياسية واضحة تضع مصلحة المجتمع وحقه في إعلام حر ومتعدد وشفاف فوق أي اعتبارات أخرى.