شرطي المنافسة مطالب بردع المخالفين وتشديد العقوبات بسبب ثبوت حالة العود
في سياق الجدل المتواصل حول الدور الذي ينبغي أن يمارسه مجلس المنافسة لردع شركات توزيع المحروقات في المغرب بسبب اتهامات صريحة بالتواطؤ والاحتكار، يبرز تقرير مجلس المنافسة للربع الثالث من سنة 2024 معطيات صادمة حول استمرار هذه الشركات في تحقيق أرباح فاحشة على حساب القدرة الشرائية للمواطنين، في حين يستمر المجلس في اصدار هذه التقارير الإنشائية التي تقدم تشخيصا للمعاملات التجارية والمداخيل الضريبية للخزينة من سوق المحروقات دون أن تجيب عن السؤال الجوهري الذي خلق من أجله مجلس المنافسة : هل الممارسات الاحتكارية والخروقات القانونية مازالت مستمرة أم لا؟ وإذا كانت كذلك فعلى المجلس أن يمارس كل سلطاته الرقابية والضبطية والزجرية لوضع حد لهذه الخروقات لا أن يستمر في إخبار المغاربة بمعطيات إحصائية وتجارية لا حاجة لهم بها.
في تصريح لصحيفة “الاتحاد الاشتراكي” اعتبر الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، أن مجلس المنافسة مطالب بالخروج من منطقة الظل التي ينزوي فيها إزاء هذا الملف، وأن يفعل صلاحياته الدستورية باعتباره “شرطي السوق” المنوط به تطبيق القانون للحد من هذه الخروقات التي اعترفت بها الشركات المتورطة في الملف والتي ما زالت إلى حدود اليوم تتمادى في تكرار نفس الممارسات تحت أعين المجلس الذي اكتفى بتغريمها لمبلغ هزيل لا يكاد يساوي 3 في المائة من الأرباح الفاحشة وغير المستحقة التي جنتها هذه الشركات من “صفقة التحرير”، والحال أنها مازالت تجني سنويا زهاء 8 ملايير درهم بسبب هذا الوضع الاحتكاري المستمر.
ويضيف اليماني “عوض أن يستمر مجلس المنافسة في إصدار تقارير لا جدوى منها ولا اختصاص له فيها، فالمطلوب منه، هو الجواب على السؤال الوحيد، ” هل ما زال الفاعلون مستمرون في مخالفة قانون المنافسة وحرية الأسعار ، أم لا ؟”, وما معنى الاستمرار في تغيير الأسعار في نفس الوقت، وتقاربها وتطابقها، رغم التحول المستمر للسوق العالمية، وفي حال الجواب بالايجاب ، فسنكون أمام حالة العود وعدم الإقلاع ، ولذلك فالأمر يتطلب تشديد العقوبات (التغريم يمكن حسب القانون أن يمتد إلى 10 % من رقم المعاملات ) واتخاذ ما يلزم من إجراءات أخرى من طرف الحكومة، من قبيل سحب المحروقات من قائمة السلع المحررة أسعارها والرجوع لتنظيمها كما كان الأمر من قبل ”
وبحسب التقرير الصادر عن مجلس المنافسة، فقد ارتفعت أرباح الشركات التسع المعنية بالغرامة التصالحية بنسبة كبيرة بعد تحرير الأسعار. فعلى سبيل المثال، انتقل هامش الربح للغازوال من 600 درهم للطن قبل التحرير إلى أكثر من 1500 درهم للطن. وقد استحوذت هذه الشركات على نحو 84% من حجم الواردات الإجمالية للغازوال والبنزين خلال الربع الثالث من 2024، ما يجعلها تسيطر فعليا على السوق الوطني.
في الجانب الآخر، ورغم انخفاض الأسعار الدولية للمحروقات خلال الفترة ذاتها بنسبة تقدر بـ 14%، لم تنعكس هذه التخفيضات بشكل ملموس على الأسعار المحلية. فعلى سبيل المثال، تراجعت التكلفة الدولية للغازوال بمقدار 0.68 درهم للتر، بينما انخفض سعر البيع النهائي في المحطات بمقدار 0.48 درهم فقط. وبالنسبة للبنزين، سجل انخفاضًا أكبر في السعر الدولي بمقدار 1.05 درهم للتر، لكن الانعكاس على السعر المحلي كان بحدود 0.74 درهم فقط. هذه الفجوة بين الأسعار الدولية والمحلية تؤكد وجود تلاعب واضح في هامش الربح.
أما من حيث واردات المحروقات، فقد زادت كمياتها بنسبة 5.1% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، لتصل إلى 1.43 مليون طن. في المقابل، انخفضت قيمتها المالية الإجمالية من 12.66 مليار درهم إلى 10.89 مليار درهم، مستفيدة بذلك من تراجع الأسعار الدولية. ورغم هذه التخفيضات، واصلت الشركات تحقيق أرباح مرتفعة بسبب ثبات نسبي في أسعار البيع.
وفي ما يتعلق بالبنية التحتية، كشف التقرير عن ارتفاع طاقة التخزين الإجمالية المتاحة على الصعيد الوطني إلى 1.56 مليون طن، بزيادة 4.2% مقارنة بالربع الثاني من السنة نفسها. كما أشار إلى ارتفاع عدد محطات الخدمة ليصل إلى 3478 محطة، تُسيطر الشركات التسع على 72.5% منها. لكن هذه الاستثمارات في البنية التحتية لم تُترجم إلى منافسة حقيقية بين الفاعلين.
الحسين اليماني يؤكد أن التغيير المطلوب يتطلب اتخاذ قرارات شجاعة وجريئة من طرف الحكومة. من بين الإجراءات التي يطالب بها، هناك إلغاء تحرير أسعار المحروقات وإعادة تنظيم السوق، وتشغيل شركة “سامير” لتكرير البترول التي قد تساهم في تقليص الاعتماد على الاستيراد وخفض الأسعار. ويضيف: “الحكومة مسؤولة عن تخفيف الضغط الضريبي على المحروقات واعتماد سياسات طاقية شاملة تُراعي الظروف الاقتصادية للمواطنين”.
إلى جانب ذلك، يظل التساؤل الأساسي الذي يطرحه العديد من المراقبين قائما: هل ستستمر هذه الشركات في التلاعب بالأسعار دون تدخل حازم من مجلس المنافسة والحكومة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فإن المغرب قد يكون بحاجة إلى ثورة في طريقة إدارة قطاع الطاقة، بما يشمل تعزيز الشفافية وزيادة الرقابة وتفعيل العقوبات على المخالفين.