شريط قصير خمسة مشاهد في خمس دقائق

 

 

المشهد الأول – نهار – باب المقبرة – الطقس بارد وغيوم في السماء، ثلة من الحاضرين لمراسم جنازة البطل، يقفون مصطفين أمام الباب، الكمامات بكل ألوانها على وجوه حزينة، وكاميرات تلتقط شهادات بعض الحاضرين في عين المكان.
تتحول الكاميرا بين الشهادات، ونسمع: الفيلسوف المثقف، المثقف السينمائي.. الوجه البارز، الذي لابد منه… الرجل المتعدد.. الناقد العميق.. الصادق الصدوق، عاشق للأدب والفكر، صاحب البصمات الخالدة.. المسار الموسوم بعشق الجمال… صاحب النظرة الفلسفية والرؤية السينمائية، صاحب المرجعيات المتعددة الأبعاد والمختلفة اللغات.. الأب الروحي للثقافة السينمائية.. صاحب الذوق الفني الرفيع.. المحب للحياة.. العاشق الولهان للفلسفة والصورة…
فلاش باك
المشهد الثاني: مدينة خريبكة، سماء لهيبها حار، قاعة مملوءة عن آخرها من سينمائيين وإعلاميين أفارقة، مناضلون يساريون مسؤولون في بلدانهم جنوب الصحراء.. وأمامهم البطل… يقنعهم بتوقيع البيان الختامي، وبعضهم من المترددين حول القضية التي عليها إجماع وطني.. بصوت مبحوح، وريق ناشف، وعرق يسيل فوق النظارتين.. يتكلم البطل مستعيدا قراءة التاريخ، مواصلا من أجل الاقناع.. يشرب الماء ويحرك النظارتين، ويدخن بشراهة إلى أن وصلت لحظة التوقيع بالإيجاب على البيان الختامي متبوعة بالوقوف والتصفيقات.
المشهد الثالث: مدينة باريس، معهد العالم العربي، الطابق التاسع.. جمهور غفير من المثقفين الفرنسيين والعرب، البطل يحاور الفيلسوف ريجيس دوبري حول كتابه «حياة وموت الصورة»، نهاية اللقاء، تركز الكاميرا على حرارة معانقة دوبري للبطل وهو يخاطب الحضور: أعتبر مسيو الصايل من الآن فصاعدا، صديقا عزيزا، إنه بحق مثقف عميق! وله دراية استثنائية بعوالم الصورة والفكر الفلسفي.
المشهد الرابع: تتسلسل الصور، وتتعاقب المشاهد بسرعة في الشريط: الملك محمد السادس يستقبل البطل في الديوان الملكي… البطل يشرح استراتيجية إدارة القناة الثانية أمام وجوه إعلامية وفنية وثقافية متعطشة لتغيير المناخ.. والأمل في تشجيع الإنتاجات الوطنية.. البطل يدخل بوابة المركز السينمائي المغربي واثق الخطوة يمشي.. البطل في ندوة داخلية يتحدث عن الكم الذي لابد أن ينتج عنه الكيف.. البطل بمهرجان «كان» الدولي يقنع منتجين أجانب للتصوير في أرض المملكة .. البطل واقف بابتسامته الذكية يستقبل الضيوف العالميين الكبار للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش أمام قصر المؤتمرات…
البطل يقدم الكاتب الكبير إدغار موران كرئيس لجنة تحكيم بمهرجان السينما الأفريقية بخريبكة .. البطل في طنجة يقدم الحصيلة السنوية بقاعة فندق شالة أمام حضور فيه الواقف أكثر من الجالس…
المشهد الخامس: وتتوالى لقطات المشاهد بسرعة أسرع:
البطل يحاضر أمام الطلبة بكليات الرباط والبيضاء.. ومراكش وأيت ملول.. البطل يجيب عن أسئلة المهتمين داخل قاعات مملوءة في سلا وفاس ومكناس وتطوان وبني ملال.. البطل يلقي الدرس الافتتاحي ببيت الصحافة بالبوغاز ومدرسة ليزاداك بالعاصمة .. وتتوقف سلسلة المشاهد على صور بفندق مدينة خريبكة… عقارب الساعة تجاوزت الواحدة صباحا… يقف البطل أمام عيون شبه نائمة، وأجساد أنهكها التعب، وأنهكتها الحرارة.. وتركز الكاميرا على العيون التي تستيقظ حين ينطلق البطل في الحديث عن الفكر والصورة والفلسفة والأدب والتاريخ وووو او العطف، وتموضع الكاميرا.. وعن المثقفين السينمائيين الكبار.
وينزل جنيريك النهاية بعبارة عريضة في لقطة كبرى.. نور الدين الصايل لم يكن مديرا للمركز السينمائي المغربي بل نور الدين الصايل، كان هو المركز السينمائي المغربي.
(*) شهادة في حق الراحل نورالدين الصايل خلال حفل افتتاح الدورة 11 من مهرجان الجامعة السينمائية المنظم من لدن (جواسم) بكل من الدار البيضاء والمحمدية…


الكاتب : حسن نرايس

  

بتاريخ : 26/10/2021