شعلة ثقافية أخرى تنطفئ … الشاعر والمسرحي الحسين قمري يُودِع «هديل الروح» إلى خالقه

غادرنا إلى دار البقاء، أمس الأربعاء، الشاعر والكاتب المسرحي وعضو اتحاد كتاب المغرب، الأستاذ الحسين القمري بعد معاناة طويلة مع المرض.
زاول الراحل مهنة المحاماة منذ 1978 بمدينة الناظور، وانضم إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1976 الذي شغل كاتبا عاما لفرعه بوجدة ثم نائبا لكاتب فرع الناظور.
مثل الراحل المغرب في مؤتمر الشعر العربي في بغداد. كما كان له عمود أسبوعي بجريدة «البيان» ، كما كتب مقالات في جرائد «الاتحاد الاشتراكي» و»العلم» ومجلة» الأديب» اللبنانية.
من دواوينه الشعرية نذكر: «سنابل الزمان»، «حصاد العمر» ، «ألف باء»، «كتاب الليالي»، «هديل الروح».
بجانب دواوينه الشعرية، ألف الراحل العديد من المسرحيات وهي: سفينة نوح، بطولة العرش، مطلع النور، المتمردون، رجوع الملك محمد الخامس من المنفى، جحا يتسلم بطاقته الوطنية، عمالقة يذوبون، وقد كان من مؤسسي جمعية «المشعل المسرحي» سنة 1964 بمعية سعيد الجيراري والمرحوم عبد الله عاصم وأحمد شوقي المعاشي ومحمد القضاوي وجمعية» أهل دربالة للموسيقى والمسرح».
ساهم الراحل في تحريك الجمودالثقافي الذي طبع مدينة الناظور منذ السبعينات، كما شكل الراحل رفقة الناقدين عبد الله شريق ومحمد أقضاض ثالوثا ثقافيا بمدينة الناظور، حيث أصدورا مجلة أدبية فصلية «فضاءات مغربية» سنة 1991 كما أصدروا كتابا مشتركا بعنوان «إشكاليات وتجليات ثقافية» سنة .1994
في شهادة لشقيقه الراحل البشير قمري حول تجربته الشعرية كتب البشير:
« الحسين إبداعياً انتقل من الشعر العمودي الى كتابة «الشعر الحر» في لحظات لا أعلم كل تفاصيلها، وحده هو يستطيع أن يكشف عن ذلك، لكنه، من المؤكد، فعل ذلك منذ بدايات السبعينيات، مفتتحاً مشروعه بإصدار ديوانه الأول «ألف باء» الذي وضع غلافه الفقيد محمد منيب البوريمي، ثم توالت بعد ذلك دواوينه الأخرى. المؤكد أيضاً أنه «تحول» في تجربته الشعرية، من الميسم الرومانسي، الذاتي، النفسي، الروحي، الى الطلائعية غير بعيد عن هموم الوطن بتأثير من النضال والوعي السياسي والنقابي، غير أن شعره، عموما، يظل وفيا للمكان والالتزام بقضايا الانسان، في المغرب وفي الوطن العربي، ومن ثم يغلب على هذا الشعر نوع من القول الايديولوجي الذي يقود غالبا الى تعرية الواقع وإدانته.
في شعر الحسين القمري أيضا نزوع إلى ضرب من ضروب الصوفية خاصة عندما يلح الموت ويختفي الاهل والاقرباء والأحبة والأصدقاء، عندما يشتد الوجع والألم النفسي، عندما تدق مسامير العزلة الفقدان، عندما تنكشف أسرار العالم المرئي، واللامرئي، عندما تسقط الاقنعة وعندما وعندما….
6 – للاحتفاء بالأمكنة طقس جنائزي في شعر الحسين القمري، الناظور، وجدة، سبتة، مليلية، فاس، طنجة، مراكش، بيروت، بغداد، مدن، فضاءات تتحرك في شعر الحسين القمري كما تحركت ،تتحرك في نصوص أغلب مجايليه ممن أطلق عليهم نعت شعراء المغرب الشرقي، حسن الامراني، محمد علي الرباوي، محمد منيب البوريمي، محمد بنعمارة، محمد لقاح، الطاهر دحاني، وتحركت أحيانا في شعر آخرين كالمجاطي والكنوني والملياني، الاشعري جزئيا وغيره..
تحضر الأمكنة في شعر الحسين كما يحضر الزمن النثري، الزمن الذي تكرسه الرواية بامتياز، زمن العبور الى ميتافيزيقا الذات والوجود والكينونة، زمن اللامعنى، الزمن الذي طارد طرفة كما طارد المتنبي والشابي والسياب او درويش وسعدي يوسف. وكما يحتفي شعر الحسين بالامكنة وبالزمن، يحتفي أيضا باللغة: لغة الحسين لغة شفيفة، رقراقة، معتقة كالنبيذ، مثلما نجد لدى بنطلحة والكنوني والمجاطي، أتحدث هنا عن المعجم والتركيب والصياغة كما أتحدث عن المجازات والاستعارات والتشبيهات، وهذا ما يوفر للدارس إمكان الحديث عن تحولات اللغة الشعرية في الشعر المغربي المعاصر، لأن هذه التحولات الآن أصبحت لها قياسات اخرى.. الشعر الحالي طلق هاجس الحفر اللغوي لصالح الحفر في معمارية النص، بينما توخى تعتيق اللغة كان له ارتباط بهوية انطولوجية اخرى تقبل من خارج النص..».
الناقد عبد الرحمان بوعلي أإكد في شهادة سابقة حول الراحل أن تجربة الحسين القمري تجربة شعرية واسعة الضفاف، بعيدة العمق، تختزل في كيانها الأقانيم الثلاثة: الانسان والمجتمع والحياة، لكونه «يمتلك ثقافة واسعة ضاربة في التاريخ القديم وملقية بفروعها في العصر الراهن بكل تبدلاته وتقلباته»، مضيفا أن الراحل» إضافة الى ثقافته، كان يمثل الانسان الملتزم المثقف والمناضل الذائب في حركة المجتمع بانتمائه الاجتماعي والسياسي الى الطبقات الهشة، وكل هذا في تواضع، حيث ظل الراحل قريبا من الناس مغمورا بالتواضع الجم، ولم يأخذه بريق الشهرة حين ارتقى بالقصيدة الى مشارف الخلق والابتكار، بل ظل عازفا على الظهور ومختفيا عن الانظار ، قريبا من قلوب الناس..»…


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 20/01/2022