شفيق الزكاري يحمل وجع الجمال ويعيش داخل اللوحة

(1)

ثمة من يرسم منطلقا من فكرة لوحة، ومن يرسم مسترشدا بأفق مشروع. الأول يذهب إلى اللون متقدا بجمر الانطلاق، والثاني يلوذ بالقماش مسكونا بحلم الامتداد.
شفيق الزكاري
مشروع فني
لا لوحة منفردة.
كل تجربة لديه تعضد أخرى وتتخطاها في ٱن، أي تنطلق من توترات سؤالها لتضاعف من منسوب سؤال دهشتها، تتخذها سبيلا للضلوع في إنجاب متواصل للمنفلت، للمتشكك، وكذا المنبعث توا في زمنه الخاص.
ولا نجاة
من اقتراف جريرة
تحويل الجزئي إلى كلي.

(2)

تعددت توجهاته الفنية، بيد أنها ظلت مخلصة لرؤية غميسة، تنظر إلى فضاء اللوحة باعتباره بعدا جماليا ثرا لا هو ممسك بوصل، ولا هو أمام قطيعة.
وبقي هو يواصل، دون هوادة، بحثه الدؤوب، بحثه المغامر، عن تجريب دال على تفرده، يجرده من العابر، ويزمله بشهوة
المقيم في غير المنبثق.
لذا، لم ينحصر
في بعد واحد يتيم،
بل عانق رحيب الرحيب،
وتمسك بمهارته
في اقتراف غبطة ذاك المجهول.

(3)

شفيق يحمل وجع الجمال، يعيش داخل اللوحة، كل الأمكنة تثير فيه حركية اللون، وبوارق الأبعاد، وله الأزمنة كلها، يلج عرامها برؤاه المغايرة، وينخرط في زوابعها.
حين جالسته في فندق أمنية بويرطو بطنجة، تبدى لي فنانا يتوكأ على رؤى فنية تجبّ ما قبلها، يحمل فداحة التشكيل في الصلب والترائب، وينظر إلى بعيد البعيد.
ودوما يتحدث
بلغة ملبدة بغيوم الألوان،
تبشر بتشكيل وشيك.
على رسلها تمضي الجلسة معه، لا يعتورها أي تحفظ، لأنه يهب ألفته، يمنح وده، من الوهلة الأولى، تماما مثل لوحاته التي تخاطب فيك غير المدرك، حتى وهي تأتيك من رؤية المحايث كي تطوح بك في شبوب الٱتي.

(4)

اللون كلمة، الخط صورة، والفرشاة حيز ماثل بين كلمة ترسم أرخبيلات لونها، وصورة تجهش ببراري خطها. وما من لوحة أمام اليد المبدعة سوى قماش على هيئة جسد.
وحي ينزل على حبري كلما وقف / اشتعل بصري أمام أعمال أبدعتها اليد السخية لشفيق الزكاري.
في كل وقوف أجدني في مواجهة لوحات تقيم في متوالية من الأبعاد لها جماع الشسوع. تستهدي برحيب محتواها كي تنجب أفق سرها المغاير. تنأى عن تخومها لتتدانى من ثراء الأقاصي. تتمرد على شكلها لتتجاوزه.
هنا ألوان
تحيل على رحم فكرتها،
ظلال أنجبها وعي جمالي متوثب،
وقماش أوسع من مساحته
حد التناسل خارج ذاته،
داخل تحولات المتلقي.

(5)

حين أقرأ نتاجه النقدي، الذي يقارب واقع الفن البصري من شتى تحققاته، أجدني إزاء كتابات متفردة، تمتح من ينابيع نضاحة، تذهب إلى القصي، تتملى الغور، وتتقرى كل أبعادها عبر شغف ذكي بملاحقة التجريب.
مقارباته الجمالية، التي تبدعها رؤيته النقدية، متسقة تماما مع نتاجه التشكيلي، الذي تخلقه يده الواهبة. من هنا يصح التوكيد أن «دقة خطابه النقدي ورصانته»، كما قال إبراهيم الحيسن، ليس سوى جزء يتعاطى مع وثوق كله، ومفرد لا يشي إلا بوارف جمعه.
«أدخل في عملية
الاشتغال الكلي على الفن».

(6)

تجسير التواصل عبر مضمرات الجسد، وتحويل أقانيمه إلى لون، ظل، وإشارة، والوصول بأسراره الخبيئة نحو إشكالية ضاجة بمكر السؤال، تحيل على أزمنة نائية.
دوما شدني اشتغال هذا الفنان المتعدد على الجسد، ورؤاه التي يؤسس لها عبر التشريح، حيث تصبح الأبعاد والأوزان والمساحات مدارا للبحث في مسكوت الجسد.
«نظرتي إلى الجسد
هي نظرة تواصلية مع الآخر،
من خلال فكرة معينة».
هكذا يؤكد شكل مقاربته للتعاطي الجسدي، الذي يبني كل أفقه الرمزي / الدلالي على خطاب فني تواصلي منبعث من رغائب غائرة في فضاء القماش.

(7)

دونما أي ادعاء، وفي صمت الكبار وخيارهم، يشتغل شفيق ويحقق ذاته فنيا، في منأى عن صخب الصراع الذي يسيطر على المشهد التشكيلي المغربي.
وشفيق، بهذا الصنيع، ينمي فينا التوكيد بأنه كان يصدر عن قناعة فنية راسخة، وجبلة إنسانية متجذرة، حين قال ذات يقين لا ريب فيه:
«الفنان غير معني
سوى بتطوير رؤيته الفنية،
وتجويد نتاجه الجمالي».


الكاتب : حسن بيريش

  

بتاريخ : 31/10/2022