عن عمر يناهز 73 سنة، توفيت مساء الجمعة 07 مارس 2025 الفنانة المغربية القديرة، نعيمة سميح، بعد صراع مرير مع المرض.
ونعى الفنان سعيد المغربي المرحومة : نعيمة سميح «الصوت الذي وجد فيه الملحنون المغاربة بعثا جديدا لتوطين الاغنية»
ما علق بذاكرتي بهذه المناسبة الأليمة التي استقبلنا فيها وفاة الفنانة نعيمة سميح التي احتلت مساحة غير يسيرة في تاريخ الأداء المغربي الرصين لغة ولحنا. استسبقت معرفتها دون أن تعلم وأعلم بمآل ما سنصبحه بعد ذلك، حيث التقينا أمام الإذاعة سنة 1972 في لقاء عابر بمعية مجموعة من الملحنين في اللجنة التي اختبرتنا. بعدها سأستلذ نضج أداءها
عندما مثلث الدار البيضاء سنة1972 في مسابقة بطولة الأغنية المغربية حيث شاركت بأغنية «الشيخ مسعود».
براعة أداءها والبحة التي يمتاز بها صوتها افرزتها في المرتبة الأولى. كم كانت سعادتي حينها عندما جمعت التلفزة المغربية بقيتي مدينتي مراكش والبيضاء في حلقة واحدة وفي نفس الليلة حيث غنيت أنا أغنية «جرح قديم» .أصبحت منذ ذلك الحين و دون ان تدرك تعلقي بها كنموذج خاص للأغنية المغربية . إنها الصوت الذي وجد فيه الملحنون المغاربة بعثا جديدا لتوطين الأغنية المغربية نظرا لبعض خصوصيات الأداء التي لا توجد في غيرها . علما أن نعيمة تعتبر على هذا المستوى طفرة نوعية و عامل محفز للملحنين لابتكار أجمل الألحان ومغربتها ( ياك آجرحي، غاب عليا هلال ، ياحبابي هذا حالي،ثم أمري لله…).
نامي إذن يا شعلة أنارت وغدت مشاعرنا و أحاسيسنا دون خجل من اختيارها مغربة الطابع المغربي الأصيل..
وكتب عبدالرحيم الراوي : وفي يوم عيد المرأة يغيب هلال نعيمة سميح
«غاب علي الهلال طال صبري والنوم يجافي» هي واحدة من القطع الغنائية الرائعة للراحلة نعيمة سميح، لعل كلماتها تنطبق على وضعها الصحي الذي تسبب لها في الكثير من الألم..
فقد طال صبرها فعلا مدة طويلة، وهي تكابد وتقاوم المرض بكبرياء، قبل أن تستسلم له صباح يوم السبت تزامنا مع عيد المرأة.
إن هذا الغياب لأيقونة الأغنية المغربية سيترك بدون شك فراغا في الوسط الفني، نظرا لمكانة الراحلة المتميزة عند الجماهير المغربية والعربية، باعتبارها واحدة من الفنانين الكبار الذين أنجبتهم الساحة الفنية في النصف الثاني من القرن العشرين، إلى جانب عدد من الأسماء المشهورة في الوطن العربي، حيث كان لها الفضل في إغناء الخزانة المغربية والعربية بمجموعة من الروائع كقطعة «ياك أجرحي» «أمري لله» «أحلى صورة» «البحارة» «على غفلة» «راح» «جاري يا جاري» وأغاني أخرى، ستجعل المطربة نعيمة سميح خالدة في ذاكرة وقلوب محبيها.
خلال مسار فني مليء بالابداع داخل وخارج الوطن، عرفت الفنانة نعيمة كيف تنسج خيوط الاحترام والمحبة الصادقة مع جمهورها، وعرفت كذلك كيف تحافظ على متانة واستمرارية تلك العلاقة لمدة عقود، وذلك بفضل شعبيتها، وبحة صوتها الساحر، وعفويتها، وابتعادها عن الأضواء المجانية وحب الظهور، وترفعها عن الخلافات والتشنجات مع زملائها الفنانين من مطربين وملحنين وكتاب كلمات..
للإشارة فإن حب تلك الجماهير العريضة للأيقونة نعيمة ليس حديث العهد، بل يعود إلى زمن السيعينات من القرن الماضي حين كانت في العشرين من عمرها، أي منذ ظهورها لأول مرة في برنامج «خميس الحظ» الذي كان ينشطه الإعلامي محمد البوعناني وكذلك في برنامج «مواهب» للفنان والإعلامي الراحل عبد النبي الجراري.
تلك البرامج كان لها الفضل في إبراز طاقات شابة ومواهب متفوقة في مجال الغناء كسميرة ينسعيد وعزيزة جلال والراحلة رجاء بلمليح، ومنذ اختفاء تلك البرامج تراجعت الأغنية المغربية ولم تعد كسابق عهدها، مما يستدعي تدخل القائمين على الشأن الفني والإعلامي للتفكير في إحداث قنوات تلفزيونية، أو على الأقل تخصيص برامح في القنوات الرسمية تذكر بما أنتجه المبدعون في وطنهم، وذلك من أجل ربط الماضي بالمستقبل وتمكين الجيل الحالي من الاطلاع على أسماء جديرة بالفخر والاعتزاز، رسمت مسارها الفني بمداد من ذهب.
وبما أن الموضوع يتعلق بشخصية طبعت الذاكرة الجماعية للمغاربة والعرب، وأمتعت الجميع بصوتها الناعم، فلابد من الاعتراف أنه كان هناك تقصير في مواكبة أخبارالفنانة الراحلة ولم يتم عرض أغانيها لا في القنوات ولا في الراديو سواء قبل أو بعد وفاتها، حتى في جنازتها لم يحضر سوى أربعة فنانين وعامل صاحب الجلالة على إقليم ابن سليمان، أما النقابة الوطنية للموسيقيين المغاربة فلم تحضر لتشييع جنازة الراحلة وكأن الأمر لا يعنيها.
رحم الله صاحبة رائعة «ياك أجرحي جريت وجريت حتا شي ما عزيتو فيك»
وداعا الأستاذة نعيمة سميح.
وكتب الفنان الشاب بلال مرفوقا بصورة معها : « إن لله وان إليه راجعون ربي يرحمك الفنانة القديرة نعيمة سميح، صراحة كانت نعم الأخت و الله ربي يرحمك في هذا الشهر الفضيل وربي يعطى الصبر والسلوان لعائلتها وأهلها «
وتعد نعيمة سميح أحد أعظم الأصوات النسائية في تاريخ الأغنية المغربية والعربية، فمسيرتها الفنية حافلة بالعطاء والإبداع، تميزت بأداء راق وأغان جميلة لامست قلوب المغاربة.
وتحظى الفنانة بتقدير وتعاطف خاصين من قبل الجمهور المغربي لكونها ظلت متمسكة بالطابع المغربي الأصيل، ولم تغرها موجة الهجرة الى الشرق العربي وهي في أوج عطائها الفني.
ويشهد مسرح الأولمبيا بباريس أن نعيمة سميح كانت ثالث مطربة عربية بعد أم كلثوم وفيروز تقف لتغني فوق ركح هذا الصرح الفني سنة 1977.
قدمت نعيمة سميح عشرات القطع الناجحة عبر مسيرة تجاوزت أربعة عقود. وقد تنوع رصيدها الفني بين أغان عاطفية ووطنية ودينية. ومن أشهرها “جاري يا جاري”، “ياك آجرحي”، “أمري لله”، “أحلى صورة”، “البحارة”، “نحمدو ربي ونشكروه”، “على غفلة”، “غاب علي الهلال”. كما لها بعض الأغاني الخليجية من بينها أغنية “واقف على بابك”.
كما حصلت نعيمة سميح عام 2007 على وسام الكفاءة الوطنية من العاهل المغربي محمد السادس تقديرا لمسارها الفني الحافل بالعطاء.
سيظل إسم نعيمة سميح محفورا في الذاكرة الفنية المغربية، فهي أيقونة فنية أصيلة، نسأل الله أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون.
شهادات في حق أيقونة الفن الطربي المغربي الفنانة نعيمة سميح

بتاريخ : 11/03/2025