شهادة الحارس الليلي

«في الليلة التي آويتُ فيها قاتلًا، أدركت أن النوم قد هجَرني إلى الأبد.»
كنتُ حارسًا ليليًا في ورشة على أطراف المدينة. أجلس على كرسي حديدي مترنّح، أراقب البوابة، وأصدّ أي غريب. الليل هناك بطيء، لا يُكسره سوى نباح كلب أو صفير قطار بعيد.
في تلك الليلة، كانت السماء معتمة، والهواء خانقًا. قرابة الثانية بعد منتصف الليل، رأيت رجلاً يركض في الطريق الترابي. لم يكن ركضه ركض هاربٍ من تعب، بل من مصير. وجهه ملوّث بالعرق والدم، ويده تشد على بطنه.
وقف عند البوابة وقال لاهثًا:
– أرجوك… افتح لي… دقيقة واحدة فقط
ترددت. قد يكون لصًا أو قاتلًا أو مجرد منكوب. لكن في عينيه كان رجاء أصدق من أن يُردّ.
فتحت له. جلس إلى الجدار، وألقى من جيبه سكينًا بعيدة عنه. وبعد دقائق وصلت الشرطة، أضواؤهم تمزق الظلام. طرقوا الباب وسألوني:
– هل مرّ أحد من هنا؟
أجبت:
– لم يمر أحد
رحلوا، وعدت إليه. كان يحدّق في السقف وقال ببرود:
– قتلته
سكتُّ. تابع:
– ضربني… أهان أمي… وفي لحظةٍ لم أفكر
لم يكن يدافع عن نفسه ولا يطلب عذرًا، كان فقط يصف.
مع الصباح، نهض وقال:
لن أنسى أنك أنقذتني… لكنك أيضًا لا تنسى أنك أنقذت قاتلًا
ومنذ ذلك اليوم يلازمني السؤال: هل صنعتُ خيرًا أم شرًا؟ لو سلّمته للشرطة لربما أُعدم بلا فرصة، ولو تركته يهرب فقد يقتل من جديد.
لكن حين أستعيد نظرة عينيه، لا أرى قاتلًا ولا بريئًا، بل إنسانًا على حافةٍ حيث يتداخل الخير والشر حتى يصيرا خيطًا واحدًا.
لم يعرف أحد ما جرى، لكن الحدث غيّر نظرتي: الطبيب الذي ينقذ حياة مريض عاجل قد يكون في الوقت ذاته جزءًا من منظومة تستغل الفقراء للحصول على المال، القسّ الذي ينصح المؤمنين بالصبر والإحسان قد يكون في الخفاء يستغل تبرعات الفقراء ليعيش حياة مترفة على حسابهم، البائع الذي يقدم عروضًا مغرية ويبدو كريماً قد يحتفظ بخدع صغيرة في الحساب أو الوزن ليزيد ربحه الشخصي.
فالخير والشر ليسا نقيضين متباعدين؛ إنهما جاران في بيت واحد، يتبادلان الغرف.
وفي ليالي الحراسة الطويلة، يلحّ السؤال عليّ:
– إذا طرق بابي قاتلٌ آخر… ماذا سأفعل؟


الكاتب : رحال كريش

  

بتاريخ : 09/12/2025