شهد شهر يونيو 2025 موجات حر غير مسبوقة في منطقة البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الغربية، حيث سجلت درجات حرارة قياسية على مستوى سطح البحر والأرض. ووفقا لتقارير منظمة ميركاتور أوشن إنترناشونال وخدمة كوبرنيكوس الأوروبية، فإن هذه الظواهر المناخية المتطرفة، التي تفاقمت بسبب التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، أثرت بشكل كبير على النظم البيئية والصحة العامة، مما يبرز الحاجة الملحة لمواجهة التحديات المناخية.
وفي هذا الإطار، أعلنت منظمة ميركاتور أوشن إنترناشونال، المشغلة لخدمة كوبرنيكوس البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي، أن البحر الأبيض المتوسط شهد في يونيو 2025 موجات حر بحرية هي الأعلى على الإطلاق خلال هذا الشهر. وبلغ متوسط درجة حرارة سطح البحر 23.86 درجة مئوية، متجاوزا الرقم القياسي السابق لشهر يونيو 2022 والذي كان 23.72 درجة مئوية. وتأثر 62% من مساحة سطح البحر بموجات حر بحرية وصلت إلى «شدة قياسية»، وهي أكبر نسبة تم تسجيلها على الإطلاق.
وشهد 88% من حوض البحر الأبيض المتوسط درجات حرارة أعلى من المتوسط، مع تركيز خاص في النصف الغربي الذي عانى من موجات حر بحرية استثنائية في شدتها ومدتها ونطاقها. وقد أرجع عالم المحيطات سيمون فان جينيب هذه الظاهرة إلى وجود «قبة حرارية» فوق أوروبا، أدت إلى غياب السحب والرياح وزيادة الإشعاع الشمسي، مما ساهم في ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير.
كما تؤثر موجات الحر البحرية على النظم البيئية بشكل كبير، حيث تؤدي إلى تدهورها وتسبب وفيات جماعية للأنواع البحرية، وتسهم في تأجيج الأعاصير والزوابع. ومع ذلك، توقعت ميركاتور انخفاضا في هذه الموجات بحلول 12 يوليو 2025، بفضل الرياح التي ستساعد في توزيع الحرارة إلى الطبقات العميقة.
وعلى صعيد اليابسة، أفادت خدمة كوبرنيكوس الأوروبية أن يونيو 2025 كان أكثر شهور يونيو حرارة على الإطلاق في أوروبا الغربية، حيث شهدت المنطقة درجات حرارة «متطرفة» نتيجة موجتي حر متتاليتين، الأولى بين 17 و22 يونيو، والثانية بدءا من 30 يونيو. وقد فاقم التغير المناخي الناجم عن استخدام مصادر الطاقة الأحفورية من شدة هذه الموجات، حيث أظهرت دراسة سريعة أجرتها جامعة إمبريال كوليدج في لندن ومؤسسات أوروبية أخرى أن الاحترار المناخي زاد من حرارة الموجة الأخيرة بما يصل إلى أربع درجات مئوية في العديد من المدن.
وقد أثرت هذه الزيادة في درجات الحرارة على حوالي 30 مليون نسمة في 12 مدينة أوروبية، بما في ذلك باريس ولندن ومدريد. وأدت إلى تفاقم الأخطار الصحية، خاصة للمسنين والمرضى والأطفال الصغار والعمال في الهواء الطلق، حيث شهدت المنطقة «ليالي مدارية» متتالية منعت الجسم من التعافي بسبب استمرار ارتفاع درجات الحرارة ليلاً.
وقدرت الدراسة السريعة أن موجة الحر تسببت في حوالي 2300 وفاة مبكرة بين 23 يونيو والثاني من يوليو في المدن التي شملتها الدراسة. وأشارت إلى أن ثلثي هذه الوفيات، أي حوالي 1500 وفاة، يمكن نسبتها إلى الدرجات الإضافية الناتجة عن التغير المناخي. وقد أجرى الباحثون محاكاة لشدة موجة الحر في عالم افتراضي خالٍ من الاستهلاك المكثف للوقود الأحفوري، وخلصوا إلى أن الحرارة كانت لتكون أقل بدرجتين إلى أربع درجات مئوية في 11 من المدن ال12 التي تمت دراستها.
وأكد بن كلارك من جامعة إمبريال كوليدج أن هذه الزيادة في الحرارة تشكل خطرا كبيرا على الفئات الضعيفة، مشيرا إلى أن موجات الحر تعتبر «قاتلاً صامتا»، حيث تحدث العديد من الوفيات في منازل أو مستشفيات بعيدا عن الأنظار. وشدد غاريفالوس كونستانتينيديس من المؤسسة ذاتها على أن زيادة بمقدار درجتين إلى أربع درجات في الحرارة قد تشكل الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لآلاف الأشخاص.
على المستوى العالمي، كان يونيو 2025 ثالث أكثر شهور يونيو حرارة على الإطلاق، بعد يونيو 2023 و2024، حيث بلغ متوسط درجة حرارة سطح المحيطات 20.75 درجة مئوية. وتأثرت خمس مساحة المحيطات العالمية بموجات حر بحرية عالية الشدة بنهاية الشهر. كما شهدت 12 دولة، تضم حوالي 790 مليون شخص، بما في ذلك اليابان والكوريتان وباكستان وطاجيكستان، أعلى درجات حرارة لشهر يونيو في تاريخها.
وتلعب المحيطات دورا حاسما في تنظيم المناخ، حيث تمتص 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الأنشطة البشرية. ومع استمرار ارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، يواصل سطح الكوكب تسجيل متوسط حرارة غير مسبوقة، مما يزيد من وتيرة وشدة الظواهر المناخية المتطرفة.
كما تشير الأحداث المناخية في يونيو 2025 إلى تفاقم تداعيات التغير المناخي على البيئة والصحة العامة. فموجات الحر البحرية في البحر الأبيض المتوسط والحرارة المتطرفة في أوروبا الغربية تبرز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومع استمرار هذه الظواهر، يصبح من الضروري تعزيز استراتيجيات التكيف والتخفيف لحماية النظم البيئية والمجتمعات من الآثار المدمرة للاحترار المناخي.
شهر يونيو يسجل موجات حر قياسية في البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الغربية

الكاتب : وكالات
بتاريخ : 10/07/2025