« شويخ من أرض مكناس « قصيدة عمرها أكثر من 7 قرون

كتبها المتصوف الأندلسي أبو الحسن الششتري بالمغرب وتغنى بها فنانون مغاربة وعرب

 

أثارت أغنية « شويخ من أرض مكناس « تفاعلا كبيرا لدى رواد التواصل الاجتماعي في المغرب والعالم العربي، بعد أن أداها الفنان السعودي عبد المجيد عبد الله بإحدى الحفلات بدولة البحرين .
هذه الأغنية أداها العديد من الفنانين المغاربة والعرب قبل ذلك، مثل الفنان الفلسطيني محمد عساف، والفنانة الإماراتية بلقيس فتحي واللبنانية ميريام فارس والمغربيتين دنيا بطمة وأسماء لمنور، كما تم أداؤها من طرف مجموعة من الأسماء العربية الشابة في أكثر من برنامج يعنى بالمواهب.
« شويخ من أرض مكناس «، اكتسبت قيمتها أيضا من اللحن الجميل الذي ألبسه لكلماتها الموسيقار البحريني خالد الشيخ، وأداها لأول مرة في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، المطرب البحريني أحمد الجميري.
هذه القصيدة الزجلية، تعود إلى قرون خلت، حيث نظمها الشاعر الأندلسي أبو الحسن الششتري بأرض المغرب منذ أكثر من 735سنة ، لكن يقول ملحنها البحريني خالد الشيخ في أحد حواراته، ،إنه عثر عليها في مجلة كانت تصدر من مصر تحمل عنوان الثقافة الشعبية، بالإضافة إلى قصائد أخرى ضمن دراسة للدكتور علي سامي النشار، الذي يعتبر أحد كبار المفكرين الإسلاميين في القرن العشرين.
وغنى هذه الأغنية أحمد الجميري ولحنها خالد الشيخ على مقام الراست وهي الأغنية الصوفية الثالثة ، بالإضافة الى «كلما كنت بقربي»، و»مدير الراح « التي لحّنها لنفس الشاعر الششتري.
القصيدة كتبها أبو الحسن الششتري في مكناس، وهو شاعر كما تقول سيرته، مولود في إقليم غرناطة لأسرة ذات جاه وثراء. وقصة القصيدة أنه التقى بأحد شيوخ المتصوفة وهو ابن سبعين، وكان الششتري قد اعتنق طريقة شعيب أبو مدين وكان متوجها إلى أصحاب أبي مدين فقال له ابن سبعين : إذا كنت تريد الجنة فسر إليهم وإن كنت تريد رب الجنة فهلم إلي. ثم قال له : لن تدخل طريقة الصوفية إلا إذا تجردت من متاعك وثيابك ولبست ملابس قشبانية الصوفية (يريد رقعتهم البالية)، وحملت في يدك بنديرا أي الدف ودخلت بهذه الصورة وبدأت بذكر الحبيب. فصنع كما رسم له ابن سبعين وظل في السوق ثلاثة أيام يغني منشدا هذه الخواطر الصوفية.
هذه قصيدة شعبية عمرها أكثر من 735 عاما. قالها وزير يدعى (أبو الحسن الششتري)، تصوف ولأجل أن يطهر ذاته من الكبر لبس غرارة على عنقه وثوبا باليا ومشى في الأسواق متعكزا على عكاز ينشد هذه القصيدة المشهورة والتي يرددها الناس غالبا دون توقع لعمرها.
قصيدة «شويخ من أرض مكناس « التي نظمها أبو الحسن الششتري، قصيدة صوفية ،اختار كتابتها بالزجل الذي كما تقول العديد من المصادر أنه مغربي ، قبل أن ينتقل إلى دول عربية أخرى، وفي هذا الباب، يقول صفي الدين الحلي ،إن مخترعي الزجل هم أهل المغرب العربي، ثم انتقل إلى العراق وباقي الدول العربية. ويعتبر الأندلسيون السبّاقين في مجال الشعر المحكي، إلا أنّ الشعب الذي عاش في جبال لبنان، ممن عنده ثروة طبيعية ضخمة وفنون متعددة، أضاف العديد من ألوان الشِّعر الشعبي. و»لئن كان الشعر الشعبي نتيجة طبيعيّة لظهور اللّغة العاميّة، فإنّه من الثابت أنّ تطورّه في لبنان كان بتأثير الألحان السريانية الكنسية».
هذه الأغنية سلطت الضوء على قائلها، رغم قرون مرت على كتابة هذه القصيدة الزجلية.
تقول السيرة الذاتية لهذا الشاعر المتصوف،إنه أبو الحسن علي بن عبد الله النميري الششتري الأندلسي، ولد في ششتر إحدى قرى وادي آش في جنوبي الأندلس سنة 610هـ‍ تتبع في دراسة علوم الشريعة من القرآن والحديث والفقه والأصول.ثم زاد الفلسفة وعرف مسالك الصوفية ودار في فلكهم وكان يعرف بعروس الفقهاء. برع الششتري في فنون النظم المختلفة الشائعة على زمانه من القصيد والموشح والزجل واشتهر شاعرا وشاحا زجالا على طريقة القوم وذاع صيته في الشرق والغرب. بدأ حياته تاجرا جوالا وصحب أبا مدين شعيب الصوفي بن سبعين ثم أدى فريضة الحج وسكن القاهرة مدة لقي فيها أصحاب الشاذلي وزار الشام.
خَلُص بعض الباحثين إلى أن الششتري هذا كان أوَل من استعمل الزَّجل في المعاني الصوفية، كما كان محي الدين بن عربي أوَل من استعمل الموشح في ذلك. وقد أكثر الششتري التَطواف في البلاد الأندلسية، ورحل إلى المغرب واجتال أقاليمها، حتى ألقى عصا التَّجوال في دمياط من بلاد المشرق ودفن بها. وقد أولع المشارقة لهذا العهد بمقاطع من أزجاله وتغنوا بها في مجالسهم، حتى إن رائعته الشهيرة شويخ من أرض مكناس اشتهرت في أقطار المشرق بين المشارقة أكثر من حواضر المغرب .
القصيدة التي تعود إلى العصر الأندلسي، يقول فيها أبو الحسن الششتري:

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس
وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
أش عليّا يا صاحب
مِن جمِيع الخَلايقْ
إِفْعَل الخيرَ تنْجُو
واتبعْ أهلَ الحقائق
لا تقُلْ يا بني كِلْمَهْ
إِلاَّ إِنْ كنتَ صادِق
خُذ كلاَمِي في قُرْطاس
واكتُبُوا حِرْزَ عَنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
ثم قول مبين
ولا يحتاج عبارة
أشَ عَلَى حَدْ مِن حَدْ
إِفْهَمُوا ذِي الإشاره
وانْظُرُوا كِبْرَ سِنِّي
والعصا والغَزَارَه
هكذا عِشْتُ في فاسْ
وكَذاكْ هُونْ هُونِي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
وما أحْسَنْ كَلامُوا
إِذْ يَخْطُر في الأسْواق
وتَرَى أهْلَ الحوانتْ
تلْتفِتْ لو بالأعناقْ
بغرارة في عنقوا
وعكيكز وأقراق
شُوَيْخْ مَبْنِي عَلى أساس
كما أنْشَا اللهُ مَبْنِي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
لَوْ تَرَى ذا الشويَّخ
مَا أرَقُّوا بمعنى
إِلتفتْ لِي وقالْ لِي
أش نراكْ تَتْبَعْنا
أنَا نَنْصِبْ لِي زَنْبِيل
يَرْحَمُوا من رَحِمْنا
وأقامُوا بَيْن أجناسْ
ويقُول دَعْنِي دَعْنِي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
مَنْ عَمِلْ يا بْنِي طَيِّبْ
ما يُصِيب إِلاَّ طَيِّب
لِعُيوبُوا سَينْظُر
وفِعالُوا يُعَيِّب
والْمُقارِبْ بِحالِي
يَبْقَى بَرَّا مُسَيِّب
مَنْ مَعُو طِيبَةَ أنفاس
يدْرِي عُذْرَ المغنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
وكَذاكْ إِشْتِغالُو
بالصَّلاهْ على مُحَمَّد
والرِّضَا عَنْ وَزِيرو
أبي بَكْرِ الْمُمَجَّدْ
وعُمَر قائِلَ الحقِّ
وشَهِيد كُلِّ مَشْهَد
وعَلِي مُفْتِي الأرْجاس
إِذا يَضْرِبْ مايْثِني
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
يا إِلهِي رَجَوْتُك
جُدْ عَلَيَّا بِتَوْبَه
بالنَّبي قَد سألتُكْ
والكرامِ الأحِبه
الرِّجِيم قد شَغَلْني
وأنا مَعُو في نُشْبَه
قد مَلاَ قلْبي وَسْوَاس
مِمَّا هُ يَبْغِي مِنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي
تَمَّ وَصْفُ الشُّوَيِّخْ
في مَعانِي نِظامي
وإِنِّي خَوَّاص ونُقْرِي
لأهْلِ فَنِّي سَلامِي
وإِذا جَوَّزُونِي
نقُل أوَّلْ كَلامِي
شُوَيْخْ من أرضِ مِكْناس
وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي
أشْ عَلَيَّا مِن الناس
وأشْ على النَّاسِ منِّي.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 28/01/2023