أصدر الخبير الزراعي الدولي، الأمين العام لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي بالإمارات، الدكتور عبد الوهاب زايد، مؤخرا، كتاب “المجهول درة التمور”، وهو مؤلف علمي رفيع المستوى والأول من نوعه الذي يوثق أصل وموطن تمر المجهول التي تشتهر به جهة درعة تافيلالت.
وفي هذا الحوار يكشف الدكتور زايد لوكالة المغرب العربي للأنباء عن دوافع إصداره لهذا الكتاب وعن الحاجة الماسة إلى توثيق موطن وأصل هذه الفاكهة، بعدما أصبحت بعض المحافل تنسب أصلها وموطنها إلى هذا البلد أو ذلك.
n “المجهول درة التمور” مؤلف جديد وهو الأول من نوعه في مجال توثيق أصل هذه الفاكهة. كيف راودتكم فكرة إصدار هذا الكتاب؟
pp بكل بساطة الفكرة تدور في رأسي منذ عدة سنوات، منذ أن خطف تمر “المجهول” أنظار العالم حوله عن باقي التمور، نظرا إلى المكانة العالمية التي وصل إليها حيث تربع تمر “المجهول” على لائحة أفضل وأجود وأغلى التمور في العالم، فكثر الحديث عن اسم وأصل هذا الصنف، وكثر معه العبث في هاتين النقطتين (أصل التسمية وأصل الصنف) حتى بات يقال في بعض المحافل وينسب تمر المجهول إلى هذه الدولة أو تلك، بل بتنا نسمع في أوساط المزارعين والفنيين عددا من الأسماء التي تطلق على هذا الصنف، وحرصا مني على تأصيل هذا الصنف وجلاء الصورة المرتبطة بالمجهول، فقد عكفت على إعداد كتاب علمي رفيع المستوى بعنوان “المجهول درة التمور” وذلك لسببين الأول تثبيت حق المملكة المغربية في أصل وجذر تمر “المجهول”، والثاني هو تصحيح اسم “المجهول” باللغتين العربية والانجليزية. ولن تفوتني الفرصة أن أتقدم بخالص الشكر إلى الدكتور عبد الله وهبي الذي ساهم وراجع ونسق معي عملية إدراج محتويات الكتاب، وكل من ساهموا معي في إصدار هذا المؤلف العلمي من وزراء زراعة وخبراء ومنظمات دولية.
n هل يعد الكتاب مساهمة في دحض الشائعات التي راجت حول أصل صنف “المجهول” والنجاح الذي حققه على المستوى الإقليمي والدولي، خاصة بعدما نسبت عدد من الدول هذا الصنف لنفسها أو لغيرها بدون أي دليل علمي؟
pp نعم يعتبر هذا الكتاب بمثابة دحض علمي للشائعات التي راجت حول أصل صنف “المجهول” ورد الاعتبار لأصل الصنف الذي ينتشر بشكل عام في كافة المناطق التابعة لواحة تافيلالت بكل أطرافها التابعة لإقليم الرشيدية مثل أرفود والمعاضيط وتزيمي والنواحي وليس (بوذنيب) لوحدها، سواء كانت مراكز حضرية (مثل ارفود، بوذنيب، الراشيدية، كلميمة، بوعنان، الريصاني، تنجداد، …) أو جماعات قروية (مثل الزريقات، ريصاني، بني امحمد سجلماسة، السفالات، السيفة، الطاوس، فركلة العليا، فركلة السفلى، سيدي علي، تيغوست…) لكن منطقة (بوذنيب) بجهة درعة تافيلالت لها خصوصية وهي أن الفسائل الـ (11) التي أخذها الدكتور (والتر سوينجل) عام 1927 وأرسلها إلى أمريكا كانت بالتحديد من (بوذنيب). وهذا الكتاب موثق بدراسات وشهادات علمية من (44) خبيرا وباحثا متخصصا في نخيل تمر “المجهول” من ثلاثة عشر دولة تقوم بزراعة “المجهول” على أراضيها مثل أمريكا، إسرائيل، استراليا، جنوب افريقيا، المكسيك، الأردن، مصر، ناميبيا، وغيرها…
n ساهم في إعداد هذا المؤلف باحثون وخبراء زراعيون دوليون.. برأيكم لماذا هذا الانخراط الجماعي في إصدار الكتاب وهل السبيل في ذلك يرجع إلى إعطائه قيمة دولية؟
pp يعتبر هذا العدد الكبير من المشاركين في إعداد الكتاب مؤشر إيجابي من الناحية الكمية والنوعية، وذلك لأن لديهم نفس المعاناة كما لدينا، فجميع المشاركين في إعداد الكتاب هم من الدول المنتجة لتمر “المجهول”، وهي نفس الأسباب التي دفعت الأمانة العامة للجائزة إلى إعداد هذا الكتاب، وهي جلاء الصورة حول أصل هذا الصنف، وتصويب اسم الصنف.
والمشاركون في إعداد الكتاب هم 8 وزراء زراعة في الدول المنتجة للتمور، بالإضافة إلى 44 باحثا وعالما وخبيرا زراعيا يمثلون 13 بلدا من بينها المغرب، إلى جانب 4 منظمات دولية.
n في نظركم هل اختلاف نطق اسم “المجهول” بين المصادر الأجنبية والمصادر العربية في مختلف الدول بات مصدر قلق على سمعة ورواج هذا الصنف من التمور المغربية؟ وما هي القيمة المضافة التي سيقدمها الكتاب في هذا الأمر؟
pp يعتبر اختلاف نطق اسم “المجهول” سواء باللغة العربية أو الإنجليزية أو الفرنسية مصدر قلق على سمعة ورواج هذا الصنف، لأن توحيد الاسم يساهم بشكل طبيعي في ارتفاع مؤشر السمعة وزيادة الطلب على هذا التمر دون غيره، لكن عندما تختلف الأسماء يظن المستهلك أن كل اسم هو لصنف مختلف عن الآخر وبالتالي سيحجم عن الشراء إلا إذا صادف نفس الاسم الراسخ في ذهنه، من هنا تأتي أهمية توحيد الاسم بكل اللغات. حيث قمنا بجمع كافة الأسماء المتداولة باللغة الإنجليزية والفرنسية بطريقة خاطئة وهي على النحو التالي (Majdoul)، (Mejhol)، (Madqul)، (Majhool)، (Majhul)، (Mashghul)، (Mechghoul)، (Medjeheul)، (Medjool)، (Medjoul)، (Mejhool)، (Mejool)،… والاسم الصحيح هو (Mejhoul). وفي اللغة العربية نجد عددا من الأسماء المتداولة بطريقة خاطئة وهي على النحو التالي: (مجدول)، (مجول)، (مدجهول)، (مغهول)، (مجدهول)، (مدغول)، (مدول)، (مشغول)،… والاسم الصحيح هو (المجهول).
n دكتور عبد الوهاب زايد حدثنا عن رحلة المجهول الذي أخذ أصلا من منطقة بوذنيب بالرشيدية والنطاق الجغرافي له حول العالم؟
pp نشأ نخيل المجهول من وادي تافيلالت في المغرب، بإقليم الرشيدية. وتم تأكيد المنشأ من خلال تحليل الحمض النووي للعديد من عينات نخيل المجهول التي تم جمعها من مناطق متنوعة بما في ذلك المغرب ومصر والولايات المتحدة الأمريكية. وأظهرت هذه الدراسة التي قام بها الباحث المغربي الدكتور محمد الهميزي، أن صنف المجهول هو أحد أصناف (Landrace) من المغرب.
وخلال القرن السابع عشر، عرف المجهول بأنه تمر عالي الجودة وكانت ثماره تباع بسعر أعلى من الأصناف الأخرى في أسواق إنجلترا وإسبانيا في ذلك الوقت، كما كان معظم التمر يحضر إلى أوروبا من تافيلالت. ولسوء الحظ، فإن حدوث مرض البيوض الناجم عن فطر موجود في التربة والذي تم وصفه علميا لأول مرة في عام 1919 من قبل (Foex & Vayssière) قد دمر بشكل مكثف مزارع التمور المغربية. وكانت أصناف تمر المجهول من بين أكثر الأصناف حساسية للمرض، وبالتالي اختفت تمور المجهول الطازجة من الأسواق الأوروبية بعد انخفاض إنتاجها بشكل ملحوظ.
هناك إجماع على أن صنف المجهول نشأ في واحة تافيلالت حيث يوفر نهر زيز المياه للواحة التي تقع على ارتفاع 764 متر عن سطح البحر. وتقع في الوقت الحاضر ضمن إقليم الرشيدية، (جهة درعة- تافيلالت). وتافيلالت هي أكبر واحات المملكة ومكان لزراعة التمور القديمة، وفقا لأطلس النخيل المغربي الأخير، كما ان تافيلالت هي موطن لثلث أصناف نخيل التمر المسجلة، 151 من 453 صنفا من التمور.
وبدأت رحلة التعرف على تمر المجهول عندما انضم الدكتور والتر سوينجل إلى اللجنة الفرنسية في المغرب للتعامل مع التهديد المزعج الذي يشكله مرض البيوض على أشجار النخيل، وفي رحلة ميدانية قام بها عام 1927 إلى واحة تافيلالت، حدد سوينجل مزرعة مجهول صحية في قرية بوذنيب الصغيرة. وتم اختيار نخلة ت ظهر نموا قويا في الفسائل حيث تمت إزالة ستة أحجام قياسية وخمسة فسائل صغيرة، وتجهيزها للشحن، وتعبئتها في صندوق وشحنها إلى واشنطن العاصمة، حيث وصلت بعد حوالي خمسة أسابيع. ومن المهم ملاحظة أن جميع الفسائل الـ (11) جاءت من نفس الشجرة وبالتالي فهي متطابقة وراثيا.
وحرص مسؤولو الحجر الزراعي في الولايات المتحدة على عدم دخول محتمل لمرض البيوض إلى البلاد، وكان لابد من وضعها بالحجز الزراعي ومن ثم تبخير فسائل المجهول ثم زراعتها تحت إشرافهم في مكان بعيد لعدة سنوات، في منطقة لا توجد فيها أشجار النخيل. وتم اختيار الطرف الجنوبي من ولاية نيفادا، على طول نهر كولورادو، كموقع للحجر الصحي.
ونجت الفسائل من السفر إلى الموقع وتم زرعها بنجاح في 4 يوليو 1927.
ووافق مزارع أمريكي أصلي محلي على رعاية الفسائل وريها، مع زيارات إشرافية دورية من قبل مهندس زراعي من محطة التمور التابعة لوزارة الزراعة الأمريكية في إنديو، بكاليفورنيا. وفي وقت مبكر، ماتت (2) فسيلة ونجت الـ (9) فسائل الأخرى.
وبعد ثلاث سنوات، كان التسعة ينتجون فسائل خاصة بهم. وبعد ثماني سنوات من الحجر الصحي، تم الإعلان عن صحة جميع النباتات دون أي دليل على وجود بيوض أو أي أمراض أخرى. وبحلول ذلك الوقت، كانت الفسائل التسعة الأصلية قد أنتجت 64 فرعا إضافيا.
وفي صيف عام 1936، تم زرع جميع النباتات البالغ عددها 73 فسيلة في محطة التمور في إنديو دون خسائر.
وأتاحت محطة التمور الفسائل للمزارعين في كاليفورنيا وأريزونا ابتداء من الأربعينيات من القرن الماضي، وتوسعت مزارع المجهول باستخدام الفسائل منذ ذلك الحين.
كما رأينا أن نمو المجهول بشكل ناجح أثار الاهتمام في العديد من البلدان الأخرى، واكتسبت الولايات المتحدة سمعة كمصدر للفسائل السليمة من صنف تمر المجهول ذات الأصل المغربي.
نبذة عن المؤلف
يعد الخبير المغربي عبد الوهاب زايد، ابن مدينة فاس، قامة مغربية في سماء التميز الدولي في قطاع نخيل التمر، سطع نجمه بدولة الإمارات العربية المتحدة ودول خليجية أخرى.
وأكسبه تكوينه الأكاديمي العالي في المجال الزراعي وما راكمه من تجربة مهنية امتدت لسنوات، تقديرا واحتراما من كبريات المعاهد والمؤسسات العلمية التي تعنى بزراعة نخيل التمر.
واستطاع عبد الوهاب زايد ، بعد التحاقه للعمل بدولة الإمارات في سنة 2001 في مجال زراعة نخيل التمر، وبسنوات قليلة، أن يحقق نجاحا باهرا في تقنية الإكثار من صنف النخيل (فحل العين ) وهو فحل يتميز بإنتاجه الوفير وجودته العالية.
وللخبير الزراعي المغربي العديد من المؤلفات العلمية أهمها كتاب عن نخيل التمر صدر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) بالعربية والإنجليزية، ومعجم التقنية الحيوية في الزراعة والغذاء، كما حاز العديد من الجوائز وأوجه التكريم الأخرى ومنها جائزة (أوارد سين آر..بي) من منظمة الفاو سنة 1999 وجائزة التميز التي تمنحها المنظمة العربية للتنمية الزراعية.