صحابة اتهموا بالكفر وعلماء بالزندقة 10

علي بن أبي طالب عن الخليفة عثمان: «لا أقول إنه قتل مظلوما ولا أقول إنه قتل ظالما»

يتوقف هشام جعيط في كتاب «الفتنة» عند المطاعن التي أدت إلى مقتل عثمان: «عاود الرأي العام قراءة كل خلافة عثمان، واستذكر أخطاءه وفرزها واحدةً واحدةً إلى أن جعل منها مجموعة مطاعن متراكمة لكن دون أن يتوصل أبداً إلى إعطائها تعبيراً مجرداً يختصرها بسمة واحدة.. إنه متهم بالقطع مع سيرة النبي والخليفتين الأولين، بمخالفة شريعة الإسلام وأحكامه الضمنية. وقد جرى تنسيق هذه المطاعن من قبل دعاية ماهرة، فعمت الشائعة في الأمصار، واستحوذت بوجه خاص على الكوفة ومصر، لتصل عام 35 هج/655-656 م إلى هجوم على المدينة وإلى مقتل عثمان نفسه، الذي كان إعداماً حقيقياً.. وبوجه عام يمكن إرجاع القضية إلى صراع بين تجديد لنشاط روابط الدم، وعودة لأعراف الجاهلية وتقاليدها.. وبين ولادة وعي إسلامي يتغذى من ثلاثة مصادر: القرآن ومغامرة الإسلام التاريخية ومعايير حكم أبي بكر وعمر..».
العودة إلى أعراف الجاهلية للانقضاض على السلطة من طرف بني أمية الذين كان ينتمي إليهم عثمان، أدى إلى احتشاد النقمة عليهم في نفوس القيم التي كرسها الإسلام، وجعل من الإيمان معيارا لا يُعلى عليه في قياس الانتماء للإسلام. ففي الكوفة اعترض الناس على عاملها سعيد بن العاص (كان من الذين أوكلت إليهم مهمة جمع القرآن إلى جانب زيد بن ثابت، وعبد الرحمن بن حارث بن هشام، وعبد لله بن الزبير..)، واتهموه بتبذير أموال المسلمين، وطالبوا بعزله، وكان مالك الأشتر (كان دائم النصح لعثمان إما بالتوبة أو التنازل أو القتل) متزعما للتمرد عليه، مما أدى بعثمان الانقلاب إلى الرضوخ وتعيين بدله أبا موسى الأشعري وفقا لرغبة الكوفيين.
ومن هنا تكرست سلطة دينية تضع نفسها أسمى شرعية من السلطة القائمة، وهي سلطة ما سمي بـ»أهل الحل والعقد» أو «الخاصة»، مما جعل ممثليها، مع التهميش الذي طالهم، إلى تأجيج نفوس العامة وإيغال صدورهم على سياسة عثمان الذي «غير» في الدين وخرج عن سالفيه، كما كانوا يقولون. ومن ذلك ما فعله «حكيم بن جبلة وحرقوص بن زهير اللذين كانا يحرضان الناس في البصرة على عثمان، مستندين في ذلك على مخالفته لسنّة النبيّ وأبي بكر وعمر، وكان هناك أيضا عبد الرحمن بن عديس من قبيلة بلى، وكنانة بن بشر التجيبي وورقاء الخزاعي وعمر بن بديل من كندة» (الفتنة، ص127).
لقد قتل عثمان بطريقة وحشية لا تليق بتاريخه ومواقفه وتضحياته في الفترة السابقة من تاريخ الدعوة الإسلامية، فهو صحابي مقرب من النبي، ومن المبشرين بالجنة، ولم تكن فرضية القتل مطروحة على مستوى التعاطي الديني مع ما اتهم عثمان بارتكابه، إذ لا يمكن قتل المسلم إلا في ثلاث حالات: القتل، الارتداد والزنى. وقد تم الزحف المنظم على المدينة، والمؤلف من ثلاث فرق، من مصر والكوفة والبصرة، عدد كل منها 600 شخص تقريبا (الطبري، ص348). وقد ضرب المتمردون حصارا على بيت عثمان فقطعوا عنه الماء والمواد الغذائية. دامت المرحلة الأولى ثلاثين يوما والثانية أربعين يوما (الطبري، ج3، ص358). قبل ذلك كان عثمان قد منع إمامة الصلاة وطرد شرّ طردة من المسجد رميا بالحجارة (الطبري، ص364). يبين هذا المشهد كيف أن الصحابة تركوا عثمان يواجه مصيره لوحده (الفتنة، ص133). سيرسل علي ابنه البكر للدفاع عن دار عثمان، كما أنه سيرسل قِرَب الماء إلى الخليفة، والزبير سيرسل ابنه أيضا (أنساب الأشراف، ص71). أما طلحة، فكان يساعد المتمردين ويشارك في الحصار أو يدفع إليه بني عشيرته (أنساب الأشراف، ص68-71). ودام الحصار أربعين يوما، ثم انتقل المتمردون إلى الفعل، فبدؤوا بحرق باب البيت فاشتعلت النيران في كل الأبواب، وكانت الأحداث بطيئة وتدريجية. فجأة ينسحب المدافعون عن الدار ورغم ذلك لم يدخل القتلة من الباب بل قفزوا إلى دور مجاورة فدخلوا غرفة عثمان وطعنوه عدة طعنات. لم يحاول المقاومة وأقلع عن الدفاع عن نفسه وقدم نفسه كضحية مستعدة للموت (أنساب الأشراف، ص72-73).
بعد القتل دفن عثمان سرا، ليلا، وتحت ضغوط، حيث رفض المتمردون دفنه لكن تهديد إحدى بنات عمه، أم حبيبة، أرملة النبيّ وأمّ المؤمنين، بفضح ستر رسول لله وعرضه أمام الجميع عجل بدفنه، فنقل ليلا ورجلاه متدليتان وسط حقد واستهزاء. لقد كان قتلا من أجل الإصلاح، العدالة، رفع الظلم، واتباع السنة النبوية.
لقد كان قتل عثمان، يقول مصطفى العارف، «بمثابة الضربة التي قصمت ظهر المسلمين، لم يكن اغتيالا عاديا بل حدثا رمزيا ذا دلالة كبيرة حيث تلا ذلك حروب لا حدّ لها، أهمّها حرب الجمل وصفين، هذه الحروب التي كان على رأسها أكبر الشخصيات، علي ابن عمّ النبيّ وصهره، طلحة والزبير وهما من الصحبة الرفيعة للنبي، عائشة التي كانت لها مكانة رفيعة عند النبي، ثم معاوية، الكاتب السابق للوحي، ابن أبي سفيان ومن النسب الأموي الرفيع. كان الأمر بمثابة صراع غير مباشر على السلطة، طمع غير مصرح به. فبعد وفاة النبي وجد المسلمون أنفسهم تائهين، فأنقذ أبو بكر الموقف وبعده عمر، لكن بعد عمر أصبح الكل تقريبا على قدم المساواة للانقضاض على السلطة.. هكذا كانت الأمور، على الأقل من الناحية النفسية».


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 07/06/2017