«حُــدَاةُ الـظلال.. رُعــاةُ الــمـرايـا» لمحمد بودويك

عن منشورات دار التوحيدي للنشر والتوزيع في الرباط، صدر للشاعر والناقد المغربي محمد بودويك، كتاب نقدي جديد بعنوان: «حداة الظلال.. رعاة المرايا» ينسلك ضمن مجال وأفق اشتغال الناقد الذي سبق وأصدر كتابين نقديين يخصان الشعر والشعراء، وهما: «خيط أريان «، و «نادِهِ بما يشتهي، نادِه كما تشتهي: في ضيافة الشعر المغربي المعاصر «.
يتكون كتاب ( حداة الظلال.. رعاة المرايا ) من شقين أو بابين عريضين: أ: عتبات، و ب: مؤانسات. لندعْ صاحب الكتاب يقدم الكتاب بوجازة، قائلا: « فأما المؤانسات فخوض ودراسة وتطبيق، بمعنى ما، على جملة من الممارسات النصية التي حازت وتحوز، في تقديري، الشعريةَ بما هي أُسُّ ونسغُ الجمالية الثاوية المستكنة في النصوص الراعية لها والساهرة على حياتها ونبضها وعنفوانها. تلك الشعرية التي تنهض باللغة كآنق وأجمل ما يكون، محتفية بالتخييل والتركيب والبناء والتصوير، مسبوكا سبكا رفيعا، ومصوغا صوغا ريِّقاً وبديعا. ما يعني أن الدوال اللسانية والتصويرية والإيقاعية البانية للنصوص من تخييل وتركيب وبنْيَنَة صرفية، وتوازٍ، وتكرار مقصود ومحسوب، ولغة مصفاة ومشذبة، ومفارقة مدهشة، تحققت وتمرأت في النصوص إياها، ما جعلها غازية مغرية، جاذبة وساحرة، سواء عَمَّها الفرح والانشراح، أو طَمَّها الألم والجراح. وقد قاربت ـ بالإيجاز والتفصيل حسب مقتضى الحال والمقام ـ شعراء مغاربة وعرباً وأجانبَ ممَّنْ قدَّرْتُ أنهم حققوا للشعر دنيا ثرية رحيبة وغَنّاءَ. وممن طالهم أو كاد الإهمال والإعراض، والإبعاد المقصود، أو زعزعوا وخلخلوا « الثوابت الأخلاقية والدينية «، وضعضعوا المسكوك اللغوي والدلالي، والأسلبة البالية والموطوءة. شعراء شكلوا نزوعاتٍ وانماطاً وطرائقَ، واختلافات مُبْهرةً، وصاروا ـ جماعات أو فرادى ـ نماذجَ عليا بالإمكان لمسُ تأثيرها في غير واحد من الشعراء هنا وهناك، مما يجعلنا نعتبر أنها نفخت في « ذريتها «، والملسوعين بنَحْل جمالياتها، جذوةً وامضةً، وجمرةَ متوقدةً لا يزال لهيبها متواصلا وساريا، بشكل أو بآخر، في كثير من المتون الشعرية، والمدونات الإبداعية. وهو ما عنيناه بعنونتنا للكتاب ب: ( حداة الظلال.. رعاة المرايا ).
فلا أحد يفلت من الظلال، ظلال الغير والآخر السالف والمعاصر، وظلال الميتافيزيقا الخفية والمهيمنة إبستيميا، الموجهة روحيا ووجوديا. ولا أحد في طوقه وبمُكْنَته تكسير المرائي ( المرايا ) العملاقة، المرايا الهائلة: الشموس الزجاجية التي تتتابع على صفحاتها الأعصرُ، والمراحل والمحطات، وتنعكس على أُدُمِها، منجزات واجتراحات الآباء.
إن تقييم الأدب، والشعر منه بخاصة بناء واعتماداً على العوامل الجمالية والمقومات الفنية وحدها ـ في نظرنا ـ غيرُ كافٍ، ولا يرضي ماهية الشعر ولا عمقه، ولا جوهره الذي يستند إلى المعرفة المذخورة، والمرجعيات الناجزة الكبرى، والرؤى الفلسفية، والمنظورات الحسية والحدسية، والمواقف الوقتية والاستشرافية.
أما المهاد، أيْ العتبات التي أرجأت الكلام عنها، فأفردتها ـ بالأساس ـ للنظر في الشعر بخاصة، والأدب والإبداع بعامة. إنها تترجم رأيي ومنظوري كممسوس بالشعر والإبداع، وك « متورط « في ممارستهما نصيا، فضلا عن اختياري مجال النقد والدراسة كمضمارين ومدخلين لا مناص منهما لتصليب عود أدواتي القرائية منهجيا ونقديا ومعرفيا بما يوَسِّعُ فهمي للشعر والأدب والفن، ويُفَتِّحُ حَدَقَات قلمي، وبما يسعفني ويساعدني على التقاط « لؤلؤة المستحيل « من مكمنها، وما يوصلني إلى الاقتراب من روح ونبض النصوص البديعة الوثّابة، والفارهة الجذّابةِ.


بتاريخ : 26/05/2023