صراع فرنسي من أجل رئاسة معهد العالم العربي

بعد رئاسته لمعهد العالم العربي لثلاث ولايات متتالية، اعتقد البعض أن جاك لونغ، وزير ثقافة فرنسوا ميتران، سوف يتقاعد، لكنه نفى ذلك بشكل قاطع لصحفيين سألوه حول هذا الموضوع.
وكانت “أبدا” هي الإجابة الواضحة والصارمة لجاك لونغ البالغ من العمر 83 سنة، والذي يريد الموت فوق خشبة المسرح الثقافي مثل موليير الذي توفي فوق خشبة المسرح.
تعيين رئيس لمعهد العالم العربي يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما يؤكده المجلس الأعلى للمعهد، الذي يتكون من السفراء ممثلي البلدان العربية بباريس، لكن وحتى هذا اليوم لا علم لأحد بقرار ساكن الإيليزيه، خاصة أن المرشح والمنافس هو وزير الخارجية السابق جون إيف لودريون، وهو من بين السياسيين الأوائل الذين رافقوا الرئيس الحالي في تأسيسه لحركته السياسية “الجمهورية إلى الأمام”، وتقلد مسؤولية وزارة الخارجية بعد أن تقلد مسؤولية وزارة الدفاع في عهد الرئيس السابق فرنسوا هولند، لكن لا أحد طلب من الوزير السابق سحب ترشيحه ولذلك الأمر دلالة على نوايا ساكن الإيليزيه.
قدرات وزير الخارجية السابق في المجال السياسي والعلاقات الدولية، التي نسجها أثناء تحمله للمسؤولية، يعرفها الجميع، خاصة أنه تمكن، في ولايته كوزير للدفاع والخارجية، من عقد صفقات أسلحة كبرى مع دول مثل الجمهورية المصرية والإمارات والسعودية، لكنه بالمقابل غير معروف في المجال الثقافي وليس قريبا من الفنانين والمثقفين مثل قربه من المقاولات، خصوصا تلك التي تسوق الأسلحة، في حين أن وزير الثقافة السابق عندما وصل إلى معهد العالم العربي، وجده مثل “حقل متلاشيات جميلة” قبل أن يحوله إلى ورش مستمر للثقافة المرتبطة بالعالم العربي، كما نظم العديد من المعارض الثقافية كان أبرزها حول الفن المعاصر بالمغرب، مع إحداث شهادة لتعلم اللغة العربية معترف بها دوليا مثل الشواهد التي تمنح للذين تعلموا الإنجليزية أو الألمانية.
الرئيس الحالي يشتغل، بمعية فريقه، على إطلاق متحف للفن العربي المعاصر إلى جانب عمل المعهد كمتحف لتاريخ الفن والثقافة العربية بباريس، والذي من المنتظر أن يفتتح ما بين 2025و2026 بفضل المنحة الاستثنائية لأكثر من 1700 عمل فني كبير من طرف كلود وفرانس لومان وبدعم من وزارة الثقافة.
وخلال لقاء مع الصحافة، الأسبوع الماضي، كشف جاك لونغ عن حصيلة عمله على رأس معهد العالم العربي واستغل هذا اللقاء لبعث رسائل إلى قصر الإيليزيه مفادها أنه الشخص الملائم في المكان المناسب، وهو ما ينتقده المقربون من وزير الخارجية السابق جون ايف لودريون، يتساءل أحدهم “عهدة جديدة لماذا؟”، ليضيف” لابد من تحويل معهد العالم العربي إلى وسيلة للتأثير الجيوسياسي في عالم أكثر حساسية بهذه المنطقة، وهي منطقة زارها جون ايف لودريون منذ 10 سنوات على رأس وزارات للسيادة”.
وتم تعيين جاك لونغ سنة 2013 وجددت ولايته ثلاث مرات، لكنه يطمح إلى ولاية رابعة ويريد الاستمرار مصرحا أنه “عندما يكون بمكان ما يبقى فيه دائما” ! وللدفاع عن حصيلته أصدر كتابا من حوالي 300 صفحة بعنوان «معهد العالم العربي، شغف حياة «، يتحدث فيه عن التحولات التي أحدثها في هذه المؤسسة وعن مشاريعه المستقبلية من أجل تحويل المعهد إلى معلمة ثقافية للحضارة العربية بفرنسا، رغم أن العديد من الأصوات الفرنسية تريد تحويله إلى مؤسسة متوسطية فيما يريد البعض، مثل المقربين من وزير الخارجية السابق، أن يكون له تأثير في مناطق الصين وروسيا.
منذ وصوله للمعهد استعمل جاك لونغ كل علاقاته من أجل إعادة ترميم هذه المؤسسة خاصة واجهتها، وتمكن من الحصول على تمويلات من العديد من البلدان العربية مثل قطر، العربية السعودية والإمارات، كما لم يتردد في المشاركة في برامج إعلامية بفرنسا للدفاع عن اللغة والثقافة العربيتين وتاريخهما الطويل بفرنسا، وذلك أمام سياسيين لا يخفون عداءهم لهذه الثقافة.
تكونت فكرة تأسيس معهد للعالم العربي منذ ما يقارب الأربعين عاماً، بمبادرة من الملك خالد بن عبد العزيز والرئيس فاليري جيسكار ديستان، ثم تجسدت في مشروع هندسي متميز قدمه المعماري جان نوفيل، وأشرف على إنجازه وزير الثقافة جاك لونغ، الذي كان يشرف على المشاريع الكبرى في فترة رئاسة فرانسوا ميتران. يقول حول ذلك « شاءت الفرصة السعيدة أن أكون أنا المسؤول عن البناء إلى جانب فرنسوا ميتران، وكان ذلك بمثابة شيء خارق بالنسبة لي، كنت باني هذه المؤسسة عندما كنت وزير ثقافة الرئيس فرنسوا ميتران، وكانت لي مسؤولية تحقيق المشاريع الكبرى، وقد أعطيت مسؤولية تحقيق هذا المشروع إلى معماري شاب وهو جون نوفييل أنذاك، واليوم أنا على رأس هذه المؤسسة، ومهمتي منذ وصولي إليها هي تجديدها، وتنشيطها وإعطائها نفسا جديدا.»
ويهدف مشروع جاك لونغ اليوم إلى تحويل متحف الفن والثقافة إلى أكبر قاعة للعرض بأوروبا يكون مقرها معهد العالم العربي، وهو مشروع يتوفر وزير ثقافة فرنسوا ميتران على الوسائل لتحقيقه، وهو ما سيحول المعهد إلى منافس لمتحف اللوفر في مجال الثقافة العربية الإسلامية، والذي يتوفر على شعبة للفنون الإسلامية وكذلك متحف «ميتروبوليتان»بنيويورك ومتحف البير بلندن، لكن الإيليزيه هو من سيحسم في هذه المنافسة، والعلاقات التي يتوفر عليها كل مرشح من الطرفين مع الإيليزيه ومع العالم العربي ومع قادة بلدانه ستكون هي المقياس الحاسم الذي سوف يختار من خلاله إما التمديد لجاك لونغ أو وضع جون ايف لوديان مكانه.
وفي انتظار الحسم في الترشيحات، اختار جاك لونغ السفر إلى المغرب وإلى متحف محمد السادس بالرباط، لحضور افتتاح معرض استثنائي خارج معهد العالم العربي، ستعرض فيه أعمال كبرى للمعهد بكل من بالرباط، مراكش، فاس وطنجة.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 08/02/2023