صندوق النقد الدولي: المغرب في نادي الاقتصادات الصاعدة الأكثر مديونية.. الدين العمومي قفز إلى 74.8% من الناتج الإجمالي وسيواصل الصعود حتى 2029

حذر صندوق النقد الدولي من ارتفاع مقلق في مستويات الدين العمومي بالمغرب، واضعا المملكة ضمن خانة الاقتصادات الصاعدة التي تسير في اتجاه تصاعدي مستمر على مستوى المديونية، في وقت تتقلص فيه الهوامش المالية وتتزايد كلفة التمويل الخارجي والداخلي.
وتظهر الأرقام التي أوردها الصندوق ضمن النسخة الأخيرة من تقرير «الراصد المالي- FISCAL MONITOR» أن الدين العمومي الخام في المغرب يتوقع أن ينتقل من 70,3% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2024 إلى 74,8% سنة 2025، مع تسجيل مسار تصاعدي قد يصل إلى حدود 80% في أفق 2029، وهو ما يفوق بكثير المعدل المسجل لدى الدول الصاعدة المتوسطة الدخل، حيث يرتقب أن تستقر المديونية عند 64,8% خلال الفترة نفسها.
وينتظر أيضا أن يرتفع صافي الدين العمومي – أي بعد خصم الأصول المالية للدولة – إلى 66,3% من الناتج الداخلي سنة 2025، بعدما سجل 62,7% سنة 2023، ما يعكس هشاشة متزايدة في قدرة المالية العمومية على امتصاص الصدمات أو تلبية الحاجيات التمويلية الداخلية دون اللجوء إلى مزيد من الاستدانة.
وفي ما يخص التوازنات المالية، يتوقع الصندوق أن يستمر العجز البنيوي في التفاقم، إذ سيظل فوق عتبة 5,5% من الناتج المحلي على مدى سنتين متتاليتين (2024–2025)، وهو ما يضع المغرب فوق المتوسط المسجل في باقي البلدان المنتمية لنفس الفئة، ويؤكد محدودية أثر السياسات الحالية في استعادة التوازن المالي أو تخفيض العجز بشكل هيكلي.
ولا يخفي التقرير قلقه من غياب إصلاحات ضريبية أو مالية كفيلة بتصحيح هذا المسار، لا سيما في ظل استمرار أعباء الإنفاق العمومي، وتباطؤ وتيرة التحصيل الضريبي، وتزايد التزامات الدولة الاجتماعية والتنموية. ويطرح هذا الوضع تساؤلات جدية حول نجاعة السياسات العمومية المتبعة، خاصة أمام استمرار الاعتماد المكثف على الاقتراض الداخلي والخارجي دون تحقيق تحول حقيقي على مستوى النمو أو سوق الشغل.
وتندرج هذه المعطيات ضمن سياق دولي أكثر هشاشة، حيث تؤكد تقديرات المؤسسة المالية الدولية أن الدين العمومي يسجل مستويات أعلى مما قبل الجائحة في ثلث بلدان العالم، التي تمثل ما يزيد عن 80% من الناتج الإجمالي العالمي، مشيرة إلى أن أعباء الدين تتفاقم في أكثر من ثلثي البلدان التي شملتها الدراسة منذ سنة 2020، ما يضع المالية العامة تحت ضغط غير مسبوق.
ويحذر الصندوق من أن تزايد الغموض العالمي، خصوصا في ما يتعلق بالسياسات التجارية والتمويل الدولي، يجعل من الضروري اعتماد سياسات مالية أكثر صلابة، لا سيما في البلدان المؤثرة على الاتجاهات الاقتصادية العالمية بسبب وزنها المالي، لكنه يشدد في الآن ذاته على أن البلدان الصاعدة والنامية مدعوة بدورها إلى ضبط أوضاعها المالية ضمن أطر متوسطة المدى ذات مصداقية.
وتوصي المؤسسة المالية الدولية بضرورة خفض الدين العمومي تدريجيا، وبناء احتياطيات مالية تتيح مواجهة الصدمات المحتملة، وتحقيق توازن دقيق بين احتياجات الإنفاق الاستثماري وضرورة الحفاظ على الاستقرار الماكرو-مالي. كما تدعو إلى إصلاح الأنظمة الجبائية بشكل يضمن العدالة، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة الإنفاق، خاصة في القطاعات ذات المردودية الاقتصادية والاجتماعية.
وفي ظل استمرار الضغوط التمويلية وتراجع آفاق الدعم الدولي، تؤكد خلاصات التقرير أن الحكومات مدعوة إلى «بناء الثقة، وفرض ضرائب عادلة، والإنفاق بحكمة»، وهي ثلاثية تعتبر اليوم بمثابة الحد الأدنى لتفادي المزيد من الهشاشة المالية، خاصة في البلدان التي تواجه، كما هو حال المغرب، مسارات مديونية متصاعدة وعجزا هيكليا في الموازنة.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 17/06/2025