صور حسن حجاج تعيد استكشاف القارة

في الصور الفوتوغرافية التي ينتقي تفاصيلها بمهارة، تتجلى قدرة المصور المغربي حسن حجاج على إضفاء الدهشة على أشياء تبدو مألوفة. تتميز هذه الصور بأجوائها التزيينية الواضحة، بفعل توظيف الفنان للعناصر الشعبية كالمنسوجات والأقمشة والزخارف التراثية، وحتى العلامات التجارية. يمزج حجاج في هذه الصور بين التعبير الفني والتصميم، أو بين الطبيعة المتدفقة للإبداع والتحكم في تفاصيل المشهد. يمكن تلمس هذا الأسلوب على نحو أوضح في سلسلة صوره الفوتوغرافية التي تحمل عنوان «نجوم الروك».
ينتقي حجاج أبطال صوره تلك من بين المحيطين به من المعارف والأصدقاء، أو حتى من بين الغرباء الذين يلتقيهم في شوارع لندن ومراكش، ويتعامل معهم جميعاً كنجوم. تتحدى أعمال حجاج المفاهيم التقليدية للهوية، بتجاوزها للحدود وقدرتها على نسج الروايات المعقدة، من دون التخلي عن روح ثقافته المحلية وهويته المغربية. تحتفي صور حجاج دائماً بالثقافة الشعبية، وتمزجها بأسلوبه وخبراته الخاصة كمهاجر عاش معظم حياته عالقاً بين ثقافتين. تضافرت كل هذه السمات التي تتمتع بها تجربة حسن حجاج لإضفاء الخصوصية على أعماله، وتعزيز مكانته كأحد أبرز الفنانين المغاربة المعاصرين على الساحة الدولية.
ولد حجاج في مدينة العرائش المغربية عام 1961، وهاجر إلى لندن مع عائلته في سن الثالثة عشرة. تنقل بين مهن وأعمال مختلفة، قبل تعرفه على عالم الموضة والتصوير، وهو يقيم ويعمل حالياً بين مدينتي مراكش ولندن، وتُعرض أعماله ضمن مجموعات مؤسسات ومتاحف عالمية هامة، كالمتحف البريطاني ومتحف بروكلين ومتحف فيكتوريا وألبرت.
أعمال حسن حجاج الفوتوغرافية تمثل جانباً من المعرض الذي يستضيفه حالياً متحف تيت مودرن غاليري في لندن حتى منتصف يناير المقبل، تحت عنوان «عالم مشترك: فوتوغرافيا أفريقية معاصرة». يسلط المعرض الضوء على الطبيعة المعقدة والمتنوعة للتصوير الأفريقي المعاصر وسماته القوية واشتباكه مع الثقافة والجغرافيا والتاريخ. يأخذنا في رحلة متنوعة عبر السمات المتعددة لقارة غنية طالما عانت من التهميش بشكل مفرط، كما اختزلت لقرون داخل أطر نمطية. تتضافر الأعمال المشاركة في هذا المعرض لإعادة اكتشاف ثقافات أفريقيا، عبر مجموعة من التجارب الفنية المتنوعة التي تغطي أغلب أنحاء القارة.
يضم المعرض أعمالاً لـ36 من الفنانين الذين يعيشون داخل أفريقيا أو في الشتات، غير أنهم جميعاً يتشاركون في استلهام أعمالهم من بيئاتهم الأصلية، إلى جانب تجاوز أساليبهم لحدود التصوير التقليدي. بين هؤلاء الفنانين على سبيل المثال النيجيرية زينة سارو ويوا (1976) التي تعرض أعمالها تحت عنوان «الخوف من القناع». في هذه الأعمال التي تجمع بين الفوتوغرافيا والأداء، تدعونا ويوا إلى التفكير بشكل مختلف في الأقنعة الأفريقية، وإعادة اكتشاف رمزيتها التي تطرح تساؤلات عدة حول الهوية والجنس والسلطة.
تناقش الأعمال الأخرى المشاركة عدداً من النقاط المحورية المهمة كالروحانية والهوية والعمران والتغير المناخي، وغيرها من القضايا الملحة في عصرنا، إذ تمتزج التقاليد والحداثة بسلاسة في صياغات فوتوغرافية شبيهة بالأحلام. تكشف هذه الصور النقاب عن طبيعة الحياة في أفريقيا، من نبض المدن الأفريقية الصاخبة إلى العلاقات والمشاهد التي تعكس ثراء الثقافات الأفريقية وتنوعها.
قوة التصوير الفوتوغرافي لا تكمن في تسجيل اللحظة فحسب، بل تتجاوز هذا الفعل إلى إثارة المشاعر والحث على النقاش والدعوة إلى التساؤل والاكتشاف. انطلاقاً من هذه الرؤية، يتخطى المعرض بنهجه متعدد الأوجه الحدود التقليدية للعروض الفنية بخلقه حواراً بين الماضي والحاضر. لا ينظر هنا إلى التاريخ برؤية توثيقية، بل يتم نسجه والإشارة إليه على نحو غير مباشر وبأسلوب معاصر.
تعتمد فلسفة المعرض على كتابات المفكر الكاميروني أشيل مبيمبي (1957) الذي يدعو إلى التفكير في العالم من منظور أفريقي. يضم المعرض ثلاثة أقسام: الهوية والتقاليد، والتاريخ المضاد، والمستقبل المتخيل.
يسلط القسم الأول الضوء على الثقافات والتقاليد الأفريقية القديمة التي نجت من حقبة الاستعمار. يشيد هذا القسم كذلك بالملوك الأفارقة والآباء والأمهات الذين قاوموا محو ثقافتهم ومعتقداتهم في ظل احتلال قسّم الأراضي دون اعتبار للطبيعة القبلية والعشائرية للسكان. يشير هؤلاء المصورون إلى التراث الغني والحي لممالك أفريقيا القديمة وكيف استمرت هذه الهوية الأفريقية في التشكل من خلال موروثات وتقاليد الأجداد.
يسلط القسم الثاني من المعرض الضوء على العوالم الروحية في أفريقيا، وما تتميز به الثقافة الأفريقية من نهج توفيقي يجمع بين الممارسات الدينية المختلفة، وهي سمة غالباً ما تنتقل مع الأفارقة حتى في الشتات. يلتقط المصورون هذه السمات الروحانية بتركيزهم على الجسد والطقوس الدينية، والتي يتم التعامل معها غالباً كوسيلة للشفاء والتواصل مع أرواح الأجداد.
وبينما يركز الفصل الثاني على قدرة التصوير على تسجيل التاريخ وصناعته، يستكشف الفصل الثالث تأثير العولمة والتغير المناخي على الحياة في القارة.
في قسم التاريخ المضاد تطالع الزائر مشاهد تم صوغها كي تناقض الصور التقليدية التي أمعن المستعمر في ترسيخها بأشكال مختلفة، ومن بينها الصور الفوتوغرافية.
كانت هذه الصور التي صاغها المستعمرون يتم تداولها عبر البطاقات البريدية والصحف والمجلات في أوروبا والولايات المتحدة، بهدف إضفاء الشرعية على مهمتهم الاستعمارية بصفتهم ناشرين للحضارة. تناقض الأعمال المعروضة في هذا القسم الصور النمطية، بإتاحتها مساحة كافية لصور الاستوديو العائلية القديمة لمصورين أفارقة. تكشف لنا صور الاستوديو العائلية هذه عن حياة مفعمة بالعواطف والمشاعر والبهجة، بعيداً عن المشاهد النمطية الجامدة التي كان يروج لها المستعمر الغربي.


بتاريخ : 12/08/2023