ضمن البرنامج الثقافي لعيد الكتاب بتطوان تسريد الهامش في رواية «تيزيران» لأمامة قزيز

 

على هامش عيد الكتاب المنظم بمدينة تطوان ، وضمن برنامجه الثقافي، احتضن فضاء ساحة العمالة بالحي الإداري، تقديم رواية بعنوان «تيزيران (وهم العذرية ) للمؤلفة أمامة قزيز .انطلقت الجلسة التي أدارتها الشاعرة إيمان الخطابي بقراءة من قبل الدكتور يوسف الفهري ناقد وأستاذ باحث بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان الذي قدم تحليلا مفصلا لحيثيات الرواية التي أتت، حسب الفهري، بعد مسير من الإبداع الشعري والسردي والتشكيلي، ولا يمكن فصل هذه التجربة باعتبارها متواليات إبداعية تشكل لوحة تتلون بألوان العواصف والنسائم، وأنغام الناي والحناجر، وهي ترسم وتنشد مواويل الحياة المجترحة من عمق هذه التجربة التي اختارت الرواية كشكل للتعبير، بما تتيحه هذه الإمكانية من اكتشاف ـ بمفهوم كونديرا ـ الذي يرى :»أن كافة الثيمات الوجودية الكبرى التي يحللها هيدجر في « الكينونة والزمان» . وقبل أن يغوص في عمق و دلالات الرواية، طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: ما رمزية «تيزيران» في الرواية؟ ما رمزية «العذرية» في الرواية؟ وهل التمرد على العذرية انتحار ؟
هل اختيار الشخصيات المأزومة والمحبطة والخنوعة في الرواية أدى وظيفته ؟أم هو وعي البطلة بكون النسوية، ليست انتصارا للمرأة ضد الرجل، وتبني طروحات «مقاربة النوع» وتمكين المرأة؟ وأن التمييز بين وظائفهما ثقافي ليس إلا؟
إن هذه الأسئلة في نظر الناقد الفهري وغيرها هو ما يجعل متعة القراءة والتلقي، تتعمق بتعمق القضايا وتنامي الأحداث والشخصيات، وهو ما يجعل اختيار موضوعة «الهامش» اختيارا من اختيارات القبض على خيوط الخطاطة السردية للرواية.
الفهري أوضح أن «العذرية» أرخت برمزيتها وحمولتها القيمية الاجتماعية والدينية وبعدها السيكولوجي، بظلالها على الرواية. في ارتباطها بموضوعة «الجنس» حتى بمفهومه الإيروتيكي، كما حاولت الرواية الوقوف عبر التصوير المشهدي للعملية الجنسية، سواء على مستوى الإحساس الغريزي باللذة والشبقية، أو على مستوى الألم. وأضاف الأستاذ الفهري أن الرواية استطاعت أن تطرح موضوعة العذرية/ البكارة، كإشكال عانت منه حتى البطلة الأنثى، فبعد أن كانت مخلصة لخطيبها، ولمشروع زواجها، الذي هدمته الخيانة، ارتمت «نضال» في سرير يخلصها من عقدة «العذرية» في علاقة عابرة، مع رجل لا تعرفه، قبل وبعد تلك الليلة. إلا أن نضال عاشت تمزقا، بالرغم من بوحها وجرأتها. فبعد أن واجهها ثابت بسؤاله، وكأنه يبحث عن براءته: «لم تخبريني أنك عذراء!
ليخلص الأستاذ الفهري إلى ملاحظات أساسية من ذلك أن رواية «تيزيران، شكلت وهم العذرية» لأمامة قزيز، منعطفا مهما في الكتابة السردية لدى الرواية، للتعبير عن رؤى حداثية تقدمية ينظر من خلالها إلى المجتمع التقليدي/ الذكوري، وبذلك تعرّي مكبوتات وأعطاب المجتمع المغربي/ بالبادية والمناطق المهمشة، وهي بذلك تسرد الهامش، بتناقضاته: الفقر/ الغنى، الاقتصاد الهش/ والاقتصاد غير المهيكل، الحرية والعبودية، التعدد/ واللا تعدد، العنف / اللا عنف، العقل / اللاعقلانية، الدين / التمثل الديني، الذكورة/ الأنوثة، العلاقة الرضائية / الاغتصاب، الشرف/ اللاشرف، الجنس كمتعة/ والجنس كاستعباد وألم، إنها تحاول الترافع عن قوة الشرعية وليس شرعية القوة، وتترافع عن نسوية، تبحث عن وضع كريم للمرأة داخل المجتمع. وهي بذلك تطرح كل الثيمات كإشكال لا يحل إلا عبر بوليفينية، وحوارية، يمكن أن تتعدى الحوارية الشخصيات، والحوارات الخارجية والداخلية، إلى المتلقي، الذي سيدخل غمار القراءة، بحمولة أيديولوجية وتمثلات، تحاور أفكار ومواقف الشخصية الرئيسة، «نضال»، تجاه التعدد، والجنس، والعلاقة الرضائية، والدين والقدر، والمساواة… إن الرواية تنسج عبر السرد الهادئ والصاخب الهائج، خيوط الحكايات، والأحداث، والفضاء، بريشة فنانة تشكيلية، لا ترى العالم الروائي إلا عبر الصور والمشاهد.
بعد ذلك تناولت صاحبة رواية «تيزيران ،وهم العذرية « أمامة قزيز التي اعتبرت الرواية ليست تمثيلا جنسيا بقدر ما إن للمشاهد الجنسية وظيفة سردية داخل المتن الحكائي. وهذا أمر استدعته طبيعة الرواية ذات المنحى النسوي الحقوقي، فنضال بطلة المتن تؤجل مزاولة مهنة المحاماة في سبيل التفرغ لمهمة جمعوية حقوقية تطلبت منها الاقتراب ورصد أنماط عيش النساء في الأوساط القروية النائية، قصد إضفاء الطابع الميداني والمصداقية على تقارير الجمعية، وللترافع حول حقوق النساء بالمنصات الوطنية والدولية.
وأكدت أمامة قزيز في معرض حديثها عن إحدى شخصيات الرواية أن نضال كشخصية نامية متطورة ترصد الاختلالات في وسط اجتماعي مغلق ذي سلطة ذكورية خانقة، وانطلاقا من مهمتها كأستاذة لمحاربة الأمية تسجل عدة حوادث اغتصاب وزنا المحارم والتعدد الزوجي، وكذا تعاين المفارقة التي وقعت فيها جراء مساعدة السعدية في منع زوجها من التعدد وفي نفس الوقت تساعد ( هذا الزوج) من أجل تسجيل ابنته من المرأة الأخرى (ضرة السعدية) في كناش الحالة المدنية. وكذا بين رفضها المطلق للتعدد الزوجي وتقبلها له في حالة ياقوتة التي عانت منذ صغرها من اغتصاب أخيها. إلى أن تنجح في تأسيس تعاونية تعتبر كبذرة وعي أولى لأولئك النسوة لإعادة الاعتبار لذواتهن، الشيء الذي يضايق رجال القرية فيفكر الشيخ العربي في التخلص من أستاذة محو الأمية ( نضال) عبر دس كمية من مخدر (الحشيش) بين اغراضها والتسبب في حبسها. لكن الحادثة تتحول الى رأي عام يؤدي من خلالها المحقق ثابت دورا مهما في مساعدة نضال على استرجاع حريتها.
وخلصت أمامة إلى أن للرواية سرديتين متوازيتين، الأولى سردية حركية تهم الأحداث والثانية سردية خاصة بالساكنات (وصف الطبيعة وجبل تيزيران وحيواناته البرية)، كلها عناصر جامدة أو غير عاقلة تنهال سرديتها الوصفية كشهود عيان على الأحداث الزاخرة في القرية النائية.


الكاتب : مكتب تطوان : عبد المالك الحطري

  

بتاريخ : 30/12/2024