طاهر شاه، الكاتب البريطاني الذي فضل العيش بالبيضاء بعد أن أتعبته «رمادية» لندن 

هو الذي بحث عن «مناجم الملك سليمان»، وعن مدينة «بايتيتي» المفقودة، قبل أن يقرر الاستقرار في «دار خليفة» بمدينة الدار البيضاء. طاهر شاه، كاتب، ومخرج أفلام وثائقية بريطاني من أصول هندية – أفغانية، اختار قبل عشرين سنة الانتقال للعيش بالمغرب بعد أن أرهقته رمادية لندن حسب تعبيره.
نشأ في وسط يعشق الكتب ويهوى الثقافة بكل أنواعها، والده هو الكاتب إدريس شاه، أخته الكبرى هي صانعة الأفلام الوثائقية سائرة شاه وله أخت ثانية هي الكاتبة صافية نفيسة شاه.
في الحوار التالي الذي خص به موقع القناة الثانية، نتعرف أكثر على بدايات شاه في عالم الكتابة وصناعة الأفلام الوثائقية، وكذا عن سر حبه للثقافة المغربية:

p من هو طاهر شاه، وكيف يمكن أن تقدم نفسك للجمهور المغربي؟

n أجد أنني صعب الوصف، أو أن أضع نفسي في قالب تعريفي جاهز. إذا أردت الحديث عن أصولي العائلية، فهي تجمع بين أفغانستان، الهند وبريطانيا، ولدت وترعرعت بهذه الأخيرة. أمتهن وأعشق الكتابة، في رصيدي حتى الآن 60 كتابا، تطرقت من خلالها لمجموعة من المواضيع، السفر، الخيال، الصحافة، وقصص قصيرة.
على الصعيد الشخصي، أنا أب لطفلين رائعين، مغامر، صانع أفلام وثائقية، وعاشق لغموض هذا العالم الذي يجمعنا ويمنحنا فرصة تقاسم تفاصيل الحياة.

p متى بدأت رحلتك في عالم الكتابة؟

n أن أصبح كاتبا، كان أمرا متوقعا، لأنني أنتمي لعائلة لها اسمها في عالم الكتابة، بداية بجداي، جدتي، خالتي، عمي، وأُخْتَيَّ، والآن ابني يسير على نفس النهج. كبرت في وسط يعشق الكتب ويهوى الثقافة بكل أنواعها، بالتالي ورثت هذا الحب من عائلتي.
أتذكر أنه عندما كنت في سن السادسة من عمري تقريبا، اعتاد أبي أن يمازحني ويقول أنني خذلت العائلة لأنني لم أكتب أي كتاب بعد.
أول مواجهة لي مع الصفحة البيضاء ستكون في سن الثانية والعشرين، حيث كتبت عن رحلتي التي قمت بها إلى إفريقيا، الهند، وأمريكا اللاتينية، الكتاب كان تحت عنوان «Beyond the Devil’s Teeth».

p ما هو مصدر إلهامك عندما تجد نفسك عاجزا عن الكتابة، وما هي الأسئلة التي تطرحها على نفسك قبل البدء في كتابة مؤلف جديد؟

n قبل أزيد من ثلاثين سنة، عندما كنت جديدا في هذا المجال، بمجرد أن أحاول البدء في الكتابة أشعر بالتوتر وأن الإلهام سينفد مني، إلى درجة أن الأفكار تزدحم في ذهني. مع مرور الوقت، وبفضل سنوات التجربة، تصبح أكثر ثقة بنفسك وبقدرتك على الكتابة، وهو الأمر الذي نجده في جميع المجالات الإبداعية.
السؤال الوحيد الذي أطرحه على نفسي قبل البدء في كتابة مؤلف جديد، هو هل هذا الموضوع سيثير اهتمامي بشكل كاف خلال الأسابيع التي سأجلس فيها على كرسي مكتبي لأكتب عنه؟، إذا كان الجواب نعم، فسأشرع في الكتابة على الفور.
عادة لا أضع مخططا أو إطار عمل لكتابي، وحتى إن قمت بذلك، ففي الغالب لا اعتمد عليه.

p من هو الشخص الأكثر إعجابا بكتاباتك؟

n يمكن القول إنني محظوظ بوجود معجبين من جميع الدول، بحكم أن كتبي مترجمة إلى أزيد من 40 لغة. لكن اللحظة الفارقة في مساري هي عندما راسلني كاتب أعتبره بمثابة قدوة لي وأثنى على كتاباتي.
في نفس السياق، وقبل سنوات، قررت الجمعية المغربية البريطانية، تحت رئاسة الأميرة لالة جمالة، ترجمة كتابي «دار خليفة» إلى اللغة العربية، لقد كان شرفا عظيما لي.

p ما هو موضوع كتابك المقبل؟

n اشتغل حاليا على كتاب يضم مجموعة من القصص، الخيط الناظم بينها هو التعريف بالثقافة المغربية للأجانب.
الكثير من السياح يزورون المغرب، ثم يعودون إلى بلدانهم معتقدين أنهم قد تعرفوا على ثقافة البلد بشكل كامل، لكن في الواقع، وانطلاقا من تجربتي، أجد أنهم لم يعاينوا عن قرب مجموعة من العناصر التي تشكل جوهر الحياة المغربية وتميزها. التواصل مع السكان ومشاركتهم حياتهم وتجاربهم هو ما يساعد على الفهم الحقيقي للبلد.

p إلى جانب الكتابة، تقوم أيضا بصناعة الأفلام الوثائقية، كيف ولجت هذا المجال؟

n بدايتي في عالم صناعة الأفلام الوثائقية كانت بفضل كتاب « In Search of King Solomon›s Mines» الذي تحدثت فيه عن رحلتي في إثيوبيا، رحلة البحث عن مناجم الملك سليمان الأسطورية. بعد فترة قصيرة من انتهائي من كتابة هذا العمل، تواصلت معي القناة الرابعة في لندن، وطلبت مني العودة إلى إثيوبيا، وانجاز فيلم وثائقي حول نفس الموضوع.
بعدها مباشرة، تواصل معي طاقم تصوير وطلب مني السماح له بتوثيق رحلة بحثي عن «بايتيتي» بالغابات المطيرة، المدينة العظيمة المفقودة في الإنكا، كانت الرحلة صعبة للغاية، قضينا 16 أسبوعا وسط الأدغال، وانتهت بفيلم طويل لقناة National Geographic TV.
ستستمر تجربتي مع نفس الطاقم لكن هذه المرة في أفغانستان، حيث قمنا بإنجاز فيلم وثائقي عن الكنز المفقود لأحمد شاه الدراني ، الذي يُعتقد أن قيمته تبلغ حوالي 500 مليار دولار.

p ما هي في نظرك العناصر التي تجعل من الفيلم الوثائقي ناجحا؟

n أعتقد أن الفيلم الوثائقي الجيد يحتاج إلى شخصيات عظيمة ومواقف واقعية، أرفض أن يتم إعادة تجسيد أحداثه. بالمقابل أحب رصد الأحداث والتغيرات المفاجئة وغير المتوقعة خلال انجاز الفيلم.
إنجاز فيلم وثائقي هو عملية صعبة جدا، لكنني أعشق كثيرا جميع تفاصيل إنجاز هذا العمل الإبداعي. أتذكر في هذا السياق فيلم «‘House of the Tiger King»، الذي تطلب إنجازه سنتين. كانت رحلة صعبة، خاصة داخل غابات الأمازون المطيرة في ولاية «مادري دي ديوس» بشرق بيرو، لأن الأشجار كانت كثيفة للغاية. أصبنا جميعا بحمى الضنك – مرض ينقل بالبعوض- لدرجة أنه  أعتقدت أنني لن أخرج من الغابة على قيد الحياة.

p ما هي نصيحتك للراغبين في ولوج هذا المجال؟

n نصيحتي هي ألا تفكر كثيرا، كل ما تحتاجه أن تبدأ وفقط. أدوات التصوير أصبحت اليوم متاحة للجميع وبأسعار مناسبة، يمكن شراء كاميرا فيديو صغيرة وغير مكلفة، وابدأ في التصوير،  يمكنك مشاركة عملك على منصة يوتيوب أو على وسائل التواصل الاجتماعي، المهم هو اختيار الشخصيات المناسبة وأن تثق بنفسك.

p بعيدا عن حياتك المهنية، منذ سنوات اخترت الانتقال للعيش في المغرب، وبالضبط بمدينة الدار البيضاء، كيف جاء هذا القرار؟

n قبل عشرين سنة، كنت أعيش مع أسرتي في شقة صغيرة بالعاصمة البريطانية لندن، وكانت الرغبة في الابتعاد عن هذه المدينة الرمادية تلازمني. كنت أقارن أجواء لندن بالمغرب النابض بالحياة وأرض الألوان. من هناك جاءت فكرة الانتقال للعيش هنا.
في البداية بحثنا عن منزل في مراكش، وفاس، قبل أن ينتهي بنا المطاف إلى الاستقرار بالدار البيضاء.
أجد أن مدينة الدار البيضاء هي من وجدتني وليس العكس، والدة أحد أصدقاء الدراسة علمت أنني أفكر في الاستقرار في المغرب، فاقترحت علي زيارة منزلها، دار خليفة، بعين الدياب، منزل وقعت في حبه من أول مرة واشتريته.

p وقعت في حب هذا المنزل فاشتريته وكتبت أيضا عنه، ما سر ذلك، وما الذي جعلك تختار العيش في هذا المنزل؟

n شيدت «دار خليفة» على مساحة 6000 متر مربع، وتضم 35 غرفة. دار خليفة هي أكثر منزل سحرني على الإطلاق، عندما اشتريته كان محاطا بدور الصفيح، لم يكن هذا الأمر مصدر ازعاج بالنسبة لي، بل علمني أن الفقراء هم الأكثر عطاء وكرما.
أجد أن المنزل مثل واحة وسط صخب الدار البيضاء، بمجرد أن تدخله تشعر أن الوقت يمر ببطء وتعود وتيرة الحياة إلى ما كان عليه قبل قرون.
ما هي أكثر الأشياء التي تعجبك في المغرب؟
إذا أردت تعداد الأشياء التي أحبها في المغرب فسيتطلب مني الأمر كتابة مئات الصفحات، لكن سأختصر وأقول أنني أحب القيم الأصيلة في المجتمع المغربي، احترام كبار السن، الشرف، الواجب، حسن ضيافة الغرباء، حب الخير، إلى جانب الشعور باستمرارية هذه القيم عبر الأجيال.
أعشق كذلك المناظر الطبيعية التي تزخر بها البلاد. حقيقة، المغرب يجمع بين المؤهلات الثقافية والجغرافية.

p هل هناك أوجه تشابه بين الثقافة المغربية وثقافة بلدك الأصل؟
n كما أشرت في البداية، ولدت وترعرعت في بريطانيا، لكن أصولي أفغانية، وحرص والدي كثيرا على ألا أنسى هذا الأمر. وبحكم أنني وأختي لم نكن قادرين على السفر إلى أفغانستان عندما كنا صغارا، كان يحضرنا أبي إلى المغرب، وكان يقول إن أفغانستان والمغرب يتشابهان في بعض التقاليد والقيم، وحتى في المناظر الطبيعية كالجبال والصحراء، والموروث الثقافي.

p في ثلاث كلمات، كيف تصف حياتك في المغرب؟

n غير متوقعة، مبهرة، هنيئة.


بتاريخ : 07/09/2023