في سياق انفتاح التكوينات الجامعية على محيطها الثقافي والفكري، وفي إطار تعزيز البعد العملي والمعرفي لمسار التكوين بماستر الصحافة الثقافية، نظم طلبة هذا المسلك، تحت إشراف الأستاذ عبد العالي مستور، وتنسيق الأستاذ حسن حبيبي، لقاءً تفاعليًا مع الكاتب والشاعر والباحث الدكتور حسن نجمي، أحد الوجوه البارزة في المشهد الثقافي المغربي والعربي، وذلك يوم الاثنين 2 يونيو 2025 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة الحسن الثاني بعين الشق .
جاء هذا اللقاء في إطار مادة «مداخل للصحافة الثقافية»، ضمن وحدة «الشأن العام الثقافي: المؤسسات والفاعلون»، تحت عنوان دالّ: «بين السياسة الثقافية والحقل الثقافي العام»، وهو عنوان يختزل تداخلاً إشكاليًا معقدًا بين التخطيط المؤسساتي للثقافة، والفعل الثقافي الحر المنبثق من قاع المجتمع.
سيرة فكرية وتراكم معرفي
يحمل الدكتور حسن نجمي سيرة فكرية وإبداعية غنية، جعلت منه مرجعًا في عدد من الحقول المتقاطعة، أبرزها: الصحافة الثقافية – الشعر والرواية- الثقافة المغربية- النقد الثقافي، الأدبي والجمالي – السياسات والحقوق والحكامة الثقافية – المجتمع المدني الثقافي، وهيئات المثقفين والكُتّاب.
وقد مكّنه هذا التكوين المتعدد من إنتاج خطاب متماسك حول الثقافة بوصفها بنية رمزية، ومجالًا للصراع والتفاوض والمعنى.
أربع زوايا لإعادة النظر
في الثقافة
تمحور اللقاء التفاعلي حول أربع قضايا رئيسية شكلت أرضية خصبة للنقاش والحوار:
1 – الصحافة الثقافية في المغرب
استعرض الدكتور نجمي التحولات العميقة التي شهدتها الصحافة الثقافية، من زمن الورق إلى العصر الرقمي، مؤكدًا على تراجع المكانة الرمزية للثقافة في الإعلام العام، مقابل طغيان الترفيه والتسطيح. ودعا إلى إعادة الاعتبار للصحافي الثقافي بوصفه وسيطًا معرفيًا ومؤثرًا في تشكيل الذوق العام.
2 – الحقل الثقافي المغربي
رصد الضيف ملامح الحقل الثقافي المغربي بتعقيداته البنيوية وتعدديته اللغوية والهوياتية، مشددًا على ضرورة التفكير في نموذج ثقافي جامع، ينطلق من الخصوصية وينفتح على الكونية، مع الانتباه إلى الفجوة بين المركز والهامش، والتفاوت في الوصول إلى الخدمات والبنيات الثقافية.
3 – السياسات العمومية والحكامة الثقافية
في هذا المحور، أبرز نجمي ضعف الرؤية الاستراتيجية للسياسات العمومية في المجال الثقافي، منتقدًا غياب إطار مرجعي وطني يُعلي من شأن الثقافة كحق من حقوق المواطنة. كما شدد على أهمية إرساء مبادئ الحكامة الجيدة، كمدخل لضمان الشفافية، النجاعة، والمحاسبة في تدبير الشأن الثقافي.
4-المجتمع المدني الثقافي والمنظمات المهنية
أكد الضيف على الأدوار الحيوية التي يمكن أن تضطلع بها الجمعيات الثقافية، والهيئات المهنية للفنانين والكتاب، في الدفاع عن الحقوق الثقافية، وتأطير الفاعلين، واقتراح السياسات، مشددًا على ضرورة تجاوز النمط المناسباتي والانتقال إلى الفعل المؤسساتي المستدام.
نقاش طلابي ومسؤول
عرف اللقاء تفاعلاً مسؤولًا من طرف طلبة ماستر الصحافة الثقافية، حيث طُرحت أسئلة عميقة همّت أزمة القراءة، تهميش الثقافة في السياسات العمومية، ضعف التمويل، غياب التكوين المهني في الصحافة الثقافية، وكذا دور الإعلام في بناء الذوق الفني والثقافي الجمالية.
وقد أجاب الدكتور نجمي بأسلوب فكري رصين، جامع بين البعد النظري والتجربة الميدانية، مؤكدًا على أن التحدي الأكبر اليوم هو الوعي بوظيفة الثقافة، لا باعتبارها ترفًا، بل أداة لإنتاج المعنى، وبناء المواطن، وضمان التماسك الاجتماعي.
نحو تعاقد ثقافي جديد
جاء هذا اللقاء في لحظة تاريخية دقيقة، تُحتم إعادة طرح سؤال الثقافة داخل المشروع المجتمعي المغربي. وقد نجح في تجسيد نموذج اللقاء المعرفي الذي يتجاوز الطابع الأكاديمي الضيق، نحو بناء حوار فعّال بين الأجيال والتجارب، بين الجامعة والفاعلين، وبين النظرية والممارسة.
وبذلك، يكون لقاء الدكتور حسن نجمي قد أسهم، في حدود الزمان والمكان، في إعادة التفكير في العلاقة الممكنة بين السياسات الثقافية، الحقول الإبداعية، والمجتمع المدني الثقافي، داعيًا إلى بلورة تعاقد ثقافي جديد، يضمن للثقافة مكانتها كرافعة للتنمية، والعدالة، والمواطنة الفاعلة.
*(طالب ماستر الصحافة الثقافية)