اختتم مهرجان «موازين – إيقاعات العالم» فعاليات دورته العشرين وسط جدل غير مسبوق بين من احتفى بعروضه الفنية ومن انتقد اختلالاته التنظيمية وتناقضاته الثقافية. الدورة التي حملت وعودا كبيرة بإعادة الثقة إلى واحد من أضخم المهرجانات الموسيقية في المنطقة، انتهت على إيقاع المفارقات، نجاح جماهيري باهر لمغني الراب المغربي «إل غراندي طوطو»، وفوضى تنظيمية في حفل النجمة المصرية شيرين عبد الوهاب، واحتجاجات غاضبة لمئات المتفرجين.
لأول مرة في تاريخ «موازين»، اعتلى فنان مغربي منصة السويسي، المخصصة عادة للنجوم العالميين.
هذا الإنجاز كان من نصيب مغني الراب «إل غراندي طوطو»، الذي لم يأت إلى المنصة محمولا على شهرة افتراضية، بل على أكتاف جمهور حقيقي، متنوع الطبقات والانتماءات والمرجعيات كما يقول المحبون والمتتبعون أيضا.
الحضور الجماهيري لحفل هذا الشاب المغربي ،لفت انتباه محبوه ومعارضوه، في هذا الباب
كتب جواد شفيق على صفحته الشخصية: «ElGrande Toto و ‘شعبه’ لا يستحقان فقط الانتباه، بل الدراسة السوسيولوجية بكل أدواتها المعرفية والعلمية».
شهادته الميدانية تكشف عن مشهد سوسيولوجي غير مسبوق، يضيف جواد شفيق، آلاف الشباب والعائلات، من الفقراء والأغنياء، من أبناء الهوامش وسكان الأحياء الراقية، من المحافظين والمتبرجات، كلهم التقوا حول صوت وفكر وموقف فني شاب، ربما لا يجيد الغناء التقليدي، لكنه يتقن مخاطبة الجيل بلغته.
طوطو، الذي اشتهر بجملة «ما لاعبش»، فرض حضوره بعد مفاوضات مطولة مع إدارة المهرجان، مدعومة بأرقام مشاهداته على منصات البث. وهكذا تحول السويسي إلى نقطة التقاء لجمهور لا ينسجم مع ما يعرض عادة على منصات المهرجانات المغربية.
في المقابل، لم تسلم سهرة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب من الفوضى العارمة، رغم كونها الوجه الختامي الرسمي لهذه الدورة. آلاف المتفرجين الذين توافدوا على منصة النهضة لمتابعتها، وجدوا أنفسهم محاصرين في طوابير طويلة، تحت شمس حارقة، قبل أن يمنع العديد منهم من دخول الحفل، رغم توفرهم على تذاكر أو دعوات رسمية.
شهادات مصورة ومباشرة من عين المكان توثق مشاهد الاحتقان، وصيحات استنكار علت المكان: «هذا عيب، هذا عار، موازين في خطر!». فهل يعقل أن يتكرر مثل هذا المشهد في مهرجان راكم عقدين من الخبرة؟ وأين ذهبت وعود الاحترافية التي تسوّقها إدارة «مغرب الثقافات»؟
المفارقة الأكبر ليست فقط في التفاوت التنظيمي، بل أيضا في طريقة التعامل مع الفنانين،بينما حظيت شيرين بطائرة خاصة لنقلها من القاهرة، رغم وضعها النفسي «الحساس»، كما تقول بعض التدوينات، عانى فنانون مغاربة من التهميش والتقزيم، كما أشار ياسين كريكش التطواني في تدوينة لاذعة جاء فيها «الفنان المغربي يستقبل بـ»كار»ويكافأ بالسكوت». وأضاف: «كاظم الساهر غنى نفس الأغاني منذ ربع قرن، ويتقاضى تعويضا يناهز 70 ألف دولار، فيما يطلب من فنان مغربي أن يرضى بالفتات، أو لا يدعى أصلا!»
أما النقابة المهنية لحماية ودعم الفنان المغربي، فلم تلزم الصمت بدورها، إذ كتب أيوب ترابي، أمينها العام، تدوينة غاضبة قال فيها:
«أتمنى أن يستوعب المنظمون ماذا حدث بفعل عدم احترافيتهم في التنظيم والبرمجة، ومن هنا يبدأ التغيير. لا شيء فوق القانون، وسوف نكون متأهبين لأي مشكل شخص يريد الإطاحة بقيمة الفنان والمبدع المغربي «.
تصريح يعكس حجم التوتر بين المنظومة الفنية الرسمية، وتمثيليات الفنانين المحليين الذين يرون أن كرامتهم تستهلك موسميا دون ضمانات.
الانتقادات لم تقتصر على الجمهور، بل وصلت إلى فنانين مغاربة أنفسهم. دون بيغ لم يتردد في انتقاد المنظمين على خلفية استدعاء طوطو للسويسي، معتبرا الأمر غير منصف لفنانين يمتلكون تجربة أطول.
وفي مقارنة مؤلمة، وجد كثيرون في تجربة «موسم الرياض» نموذجا يحتذى، من حيث التنظيم واحترام الفنان المحلي ورؤية الاستثمار الثقافي. فهل آن الأوان لتتعلم «موازين» من غيرها بدل أن تكتفي بالأوهام؟
ختام موازين هذه السنة لم يكن بـ»مسك» فني، بل بنقاشات محتدمة وسجالات شعبية على مواقع التواصل، قسمت المغاربة بين مؤيد لطوطو ومعارض له، بين معجب بشيرين ومحتج على «البلوكاج» أمام منصتها.
لكن في العمق، فإن الجدل لا يتعلق بطوطو أو شيرين، بل بمفهوم العدالة الثقافية، بحق الفنان المغربي في فضاء بلده، وبسؤال قديم يتجدد، هل نحن أمام مهرجان موسيقي، أم أمام مرآة مكبرة لواقع مغربي مأزوم في الذوق، في الإدارة، وفي ترتيب أولوياته؟