عادوا على عجل إلى مسقط الرأس بقرى تارودانت
بعد إعلان قرار فرض حالة الطوارئ الصحية بالبلاد، بداية من 20 مارس إلى غاية 20 أبريل 2020، في سياق اتخاذ تدابير احترازية متعددة الأوجه، من أجل تفادي تفشي فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، وجد المئات من المنحدرين من جماعات ترابية تابعة للنفوذ الترابي لإقليم تارودانت – على سبيل المثال فقط – المشتغلين بالمقاهي، المطاعم، «المحلبات» و«محلات خدماتية» أخرى طالها قرار الإغلاق، وجدوا أنفسهم مرغمين على شد الرحال – في سفريات قبل الأوان – صوب بلداتهم وقراهم النائية، حيث أماكن مسقط الرأس، قصد التواجد على مقربة من الأبناء والآباء والأمهات وباقي أفراد الأسرة الكبيرة، في هذه الظروف الشديدة والاستثنائية. طارئ أربك حساباتهم المعتادة، المبرمجة، أساسا، على العودة إلى مسقط الرأس خلال شهر رمضان أو أثناء عطلة عيد الأضحى المبارك.
من ضمن الجماعات القروية التي شهدت توافد عدد من أبنائها العاملين بمختلف المدن المغربية، جماعة إيماون – دائرة إيغرم، حيث استقبلت دواوير قبيلة «إداوزكري» الـ 27، العشرات ممن استعصى عليهم البقاء بمدن اشتغالهم، بعد أن أضحوا في وضعية عطالة عقب إقفال محلات «مثابرتهم اليومية» من أجل توفير دراهم معدودات يعيلون بها أسرا تئن تحت وطأة الفقر والهشاشة في هذا الدوار أو ذاك المدشر . عادوا دون ترتيبات مسبقة تتيح لهم إمكانية اقتناء بعض الحاجيات أو الأغراض ذات «الطبيعة المنزلية»، أو حتى تسلم ما لبعضهم من مستحقات و ديون لدى آخرين، تعلق الأمر بزبناء أو غيرهم.
«إ.أ»، في العقد الرابع من العمر، كان عليه تدبر أمر السفر في أقل من 48 ساعة، بعد إغلاق «المحلبة» التي يديرها، بشكل مؤقت، بأحد أحياء منطقة أناسي بالدارالبيضاء. أجرى مكالمات هاتفية مع إخوته وبعض الأقارب الموزعين على أكثر من مدينة، مخبرا إياهم بآخر المستجدات، وبأنه متوجه إلى «البلدة» على متن حافلة لنقل المسافرين، تؤمن الربط بين طاطا والبيضاء، بعد أن أفلح في اقتناء تذكرة على عجل: «لم أفكر لحظتها سوى في التواجد بالقرب من أبنائي الصغار، في ظل هذه الظرفية العصيبة»، يقول في اتصال هاتفي يوم الخميس المنصرم، مضيفا «لم أكن أتوفر حينها سوى على مبلغ 3000 درهم مخصص لأداء واجب كراء المحل في نهاية الشهر، فقررت اقتسامه مع شاب يساعدني، كي يتمكن، بدوره، من الالتحاق بوالديه المقيمين بأحد دواوير تافراوت، لأعود إلى مسقط رأسي متحوزا على مبلغ 1500 درهم فقط»؟
وعن سؤال بشأن كيفية تدبير مصاريف يوميات الأسرة في ظل هذه الظروف القاسية، أجاب محدثنا: «المهم هو سلامة الجميع، ولله سبحانه وتعالى لن يتخلى عن عباده، علما بأن أهالي هذه المنطقة اعتادوا على الحد الأدنى من مقومات العيش، معتمدين على التسلح بالصبر في تحمل العوز الذي يطوق معيشهم اليومي من كل جانب».
لا تشكل وضعية «إ.أ» استثناء داخل جغرافية جماعات قروية عديدة بإقليم تارودانت، حيث أن هناك العشرات من الذين يتجرعون مرارة الأزمة الراهنة في صمت وكبرياء، بعيدا عن أي «ضجيج إعلامي» – بشتى تمظهراته – داخل هذا الدوار أو ذاك، يعدون أيام «الحجر الصحي»، على أمل طلوع فجر يوم جديد يبشرهم بـ «زوال» أسباب الخطر، وما يعنيه من إمكانية إعادة فتح محلات «كدحهم» المغلقة.