عامان على «طوفان الأقصى»، الأسئلة العالقة .. هل تضع الحرب أوزارها وتلملم غزة المنكوبة جراحها ؟

هل يفتح أفق للسلام العادل والدائم بنيل الفلسطينيين حقوقهم الكاملة والمشروعة ؟

 

 

بحلول يومه الثلاثاء 7 أكتوبر، تكون قد مرت عامان على العملية التي أطلقتها حركة حماس وفصائل فلسطينية أخرى، والتي أطلقت عليها اسم « طوفان الأقصى» ورد عليها الاحتلال الإسرائيلي بحرب مدمرة، امتد لهيبها إلى لبنان وإيران وسوريا والعراق واليمن، ولا تزال بعض بؤرها مشتعلة إلى الآن، بكلفة بشرية ومادية غير مسبوقة.
تحل هذه الذكرى والأنظار متوجهة إلى القاهرة، التي تحتضن ابتداء من أمس، مفاوضات حول تطبيق خطة ترامب لإنهاء الحرب المدمرة على القطاع الذي مازال يئن تحت القصف وحرب التجويع. فهل سيتنفس الفلسطينيون الصعداء قريبا، وينتهي العدوان الذي لم يترك حجرا فوق حجر، وتطوى هذه الصفحة الأليمة من تاريخ القضية، وتتوجه الجهود والأنظار، إلى خوض معركة أخرى، وهذه المرة سياسيا ودبلومسيا، والاستفادة من الدعم الدولي غير المسبوق للحقوق الفلسطينية المشروعة في دولة مستقلة عاصمتها القدس، لها الحق في الوجود والعيش بسلام.

طوفان الأقصى: الشرارة

في السابع من أكتوبر 2023، شنت فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس عملية عسكرية غير مسبوقة أطلقت عليها اسم «طوفان الأقصى». كانت العملية بمثابة زلزال سياسي وعسكري، بعدما ردت إسرائيل بإعلانها حالة الحرب وبدء عدوان واسع على قطاع غزة. ومنذ ذلك التاريخ، دخلت المنطقة في دوامة من الصراعات المتشابكة امتدت إلى لبنان، سوريا، اليمن، العراق، وإيران، وصولا إلى توتر العلاقات الإقليمية والدولية. فبعد مرور عامين على العملية، ما تزال تداعياتها تهز العالم العربي والإسلامي وتفرض تحولات عميقة في موازين الصراع العربي الإسرائيلي.
فمع بزوغ فجر ذلك اليوم، أطلقت فصائل المقاومة أكثر من 5000 صاروخ على الأراضي المحتلة، بالتزامن مع توغل مقاتلين في مستوطنات غلاف غزة. كتائب القسام، الجناح المسلح لحماس، أن العملية جاءت ردا على «الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين»
في المقابل، أعلنت إسرائيل حالة الحرب، وبدأت حملة قصفٍ مكثفة على القطاع أسفرت في الأيام الأولى عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى، معظمهم من النساء والأطفال، ثم فرضت حصارا شاملا على غزة.
ولم تمر سوى أيام حتى تحولت الحرب إلى نزاع إقليمي مفتوح. فمن الشمال، فتح حزب الله جبهة دعم لغزة عبر قصف مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا والجولان المحتل. ومن الجنوب، دخل أنصار الله الحوثيون على الخطّ باستهدافهم السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، وهاجموا تل أبيب بطائرات مسيرة. وفي العراق وسوريا، صعدت المليشيات المدعومة من إيران هجماتها على القواعد الأمريكية والإسرائيلية. وهكذا تداخلت الجبهات، واتسعت الحرب لتشمل أكثر من خمس دول، وسط خشية أمريكية وإيرانية من انزلاقها إلى حرب إقليمية شاملة.

عدوان مدمر على القطاع

مع مرور الأسابيع، بدأت إسرائيل هجومًا بريا واسعا داخل قطاع غزة، تخللته مجازر مروعة ودمار شامل للبنى التحتية. ومع ذلك، فشلت في القضاء على حماس التي تبنت أسلوب حرب العصابات والأنفاق، وواصلت تنفيذ هجمات نوعية ضد القوات الإسرائيلية.
شهد عام 2024 عدة محطات حاسمة:
– هدنتان إنسانيتان سمحتا بتبادل الأسرى ودخول المساعدات.
– اغتيالات إسرائيلية متتالية طالت أبرز قادة الحركة، بينهم محمد الضيف، إسماعيل هنية في طهران، ويحيى السنوار في رفح.
– تقارير أممية تحدثت عن خطر مجاعة يهدد نصف سكان القطاع، واتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم إبادة.
لبنان: من المواجهة إلى الغزو
في أكتوبر 2023، دخل حزب الله رسميا الحرب عبر جبهة الشمال. تبادلت القوات الإسرائيلية والحزب القصف اليومي لأشهر طويلة، لتتحول الجبهة إلى أكثر الجبهات اشتعالا بعد غزة.
بلغ التصعيد ذروته في صيف 2024 حين اغتالت إسرائيل نائب الأمين العام للحزب إبراهيم عقيل، ثم نفذت غارة مدمرة في الضاحية الجنوبية أدت إلى مقتل حسن نصر الله نفسه، في حدث غير مسبوق منذ تأسيس الحزب.
ورد الحزب بإطلاق آلاف الصواريخ، إلا أن إسرائيل ردت بغزو بري لجنوب لبنان مطلع أكتوبر 2024.
استمرت الحرب شهرا دمويا انتهى باتفاق وقف إطلاق نار في نوفمبر 2024 بعد مقتل أكثر من 400 مقاتل من حزب الله وتهجير نصف مليون لبناني.
أنهى اغتيال نصر الله والحملة العسكرية الإسرائيلية مرحلة كاملة من تاريخ الحزب، وأضعف نفوذه داخل لبنان والمنطقة.

اليمن: جبهة البحر الأحمر

كان دخول أنصار الله الحوثيين الحرب نقطة تحول أخرى. فقد أعلنوا منع مرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر والبحر العربي، وشنوا هجمات متكررة على السفن التجارية والعسكرية.
في يوليو 2024، نفذ الحوثيون غارة بطائرة مسيرة على تل أبيب أسفرت عن قتلى وجرحى، ما دفع إسرائيل إلى قصف ميناء الحديدة اليمني مرتين.
ردت الولايات المتحدة وبريطانيا بقيادة حملة غارات تحت اسم «عملية رامي بوسيدون» استهدفت مواقع حوثية في صنعاء وصعدة والحديدة.
رغم الخسائر البشرية، أعلن الحوثيون مواصلة هجماتهم البحرية والجوية حتى نهاية 2025، مؤكدين مواصلة دعمهم لغزة .

سوريا والعراق: ساحات جانبية للصراع

في سوريا، كثفت إسرائيل غاراتها على مواقع إيرانية وحزب الله، مستهدفة مطاري دمشق وحلب مراراً. ومع انشغال روسيا بحرب أوكرانيا وتراجع النفوذ الإيراني، اندلعت هجمات المعارضة السورية مجددا، ما أدى إلى سقوط نظام بشار الأسد وتولي المعارضة الحكم في دمشق أواخر 2024.
أما في العراق، فقد شاركت فصائل «المقاومة الإسلامية» المدعومة من إيران في استهداف إسرائيل بطائرات مسيّرة وصواريخ بعيدة المدى، لكنها واجهت صعوبات لوجستية وضعفا في الإمكانيات، مما حد من تأثيرها الميداني.

إيران وإسرائيل: من الحرب بالوكالة إلى المواجهة المباشرة

طوال عقود، خاضت طهران وتل أبيب حربا غير مباشرة. لكن في أبريل 2024، كسرت إيران القاعدة بشنّ أول هجوم مباشر على إسرائيل أطلقت خلاله مئات الطائرات المسّرة والصواريخ الباليستية فيما عُرف بـ»عملية الوعد الصادق»
ردت إسرائيل بهجوم إلكتروني وجوي على منشآت عسكرية قرب أصفهان في يوليو 2024.
وفي أكتوبر من العام نفسه، تكرر الهجوم الإيراني بعد اغتيال هنية ونصر الله ، لتدخل العلاقات بين البلدين أخطر مراحلها منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
ورغم محاولات الوساطة الروسية والصينية، بقيت الجبهات مفتوحة، مع تأكيد الطرفين عدم رغبتهما في حرب شاملة، لكنهما واصلا حرب الاستنزاف بالمسيرات والاختراقات الإلكترونية.
وفي يونيو الماضي، شهدت أعنف هجوم في تاريخها الحديث، حين شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق، استهدفت منشآت نووية ومراكز عسكرية وعلماء ومسؤولين رفيعي المستوى. شملت الضربات مواقع في طهران وأصفهان ونطنز، وأدت إلى مقتل كبار القادة العسكريين الإيرانيين، منهم قادة الحرس الثوري وهيئة الأركان، إلى جانب عدد من أبرز العلماء النوويين..
وردت إيران بـ»عملية الوعد الصادق 3»، مطلقة صواريخ باليستية على إسرائيل، ما خلف عشرات القتلى والجرحى وأضرارا مادية كبيرة. في المقابل، واصلت إسرائيل هجماتها الجوية والسيبرانية، حيث عطّلت النظام المصرفي والبث التلفزيوني الإيراني، مما أصاب مؤسسات الدولة بالشلل وأضعف القدرة الإدارية للنظام.
الهجوم الإسرائيلي جاء بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران لم تلتزم بتعهداتها النووية، وسط تحذيرات من اقترابها من إنتاج سلاح نووي. وبعد أيام، انضمت الولايات المتحدة إلى العمليات، إذ أعلن الرئيس دونالد ترامب في 22 يونيو تنفيذ غارات مشتركة على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان باستخدام قاذفات بي-2، ما أدى إلى تدمير واسع للبنية النووية الإيرانية.
وانتهت المواجهة في 24 يونيو 2025 باتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة ترامب، بعد اثني عشر يوما من الصراع الذي أعاد رسم موازين القوى في الشرق الأوسط.

المأساة الإنسانية

خلفت هذه الحروب، سقوط الآلاف من الضحايا، لكن الوضع في قطاع غزة هز الضمير العالمي، فقد استشهد تحت نيران القصف، إلى حدود الآن، أزيد من 66 ألف وأصيب الآلاف أيضا، وتحول أغلب سكان القطاع إلى نازحين يعيشون في مخيمات مكتظة، يئنون تحت وطأة الجوع، حيث تحدثت الأمم المتحدة عن «كارثة إنسانية غير مسبوقة»
وفي يناير 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يلزم إسرائيل بمنع وقوع إبادة جماعية، وفي نوفمبر 2025، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهم جرائم حرب. لكن هذه القرارات لم تستطع وضع حد لإنهاء العدوان، لتتجه الأنظار نحو واشنطن، حيث كثفت الدول العربية والإسلامية، مدعومة بالعديد من القوى الغربية، التي سارعت إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، جهودها، وذلك لتتدخل الولايات المتحدة حتى تفرض على نتنياهو وقف العدوان.

خطة ترامب 

في خضم هذه المخاض العسير، أعلن الرئيس الأمريكي عن خطة من 20 بندا لوضع حد للحرب، وشكل قبول نتنياهو والرد الإيجابي لحماس، إيذانا بانطلاق المفاوضات التي تحتضنها القاهرة، للتوصل إلى اتفاق، حيث تتوجه الأنظار إلى العاصمة المصرية، ترقبا لإعلان وقف إطلاق النار، والشروع في تنفيذ مختلف النقاط التي سيتم التوصل إلى تفاهمات حولها.
وقد حث الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاوضين الملتئمين في مصر على «التقدم بسرعة»، مشيرا إلى «محادثات إيجابية جدا» مع حماس.
وكتب الرئيس الأميركي على شبكته للتواصل الاجتماعي تروث سوشال «عقدت محادثات إيجابية جدا مع حماس وبلدان من حول العالم (عربية ومسلمة وغيرها) في نهاية الأسبوع للإفراج عن الرهائن وإنهاء الحرب في غزة والأهم التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط طال انتظاره».
وأضاف ترامب «هذه المباحثات كانت ناجحة جدا وتتقد م بوتيرة سريعة. وسوف تجتمع الفرق التقنية مجددا الاثنين في مصر للعمل على التفاصيل الأخيرة وتوضيحها. ومن المرتقب إنجاز المرحلة الأولى هذا الأسبوع كما قيل لي وأحث الجميع على التقدم بسرعة».
بدورها أكدت حماس الأحد التزامها بالتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب والبدء بعملية تبادل «فورية» للرهائن والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
وهكذا بعد مرور عامين، يبقى الأمل قائما أن ينتهي هذا الكابوس، وأن يحل السلام أخيرا وينعم الفلسطينيون بحقهم في الحياة داخل دولة مستقلة وعاصمتها القدس.


الكاتب : الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 07/10/2025