عبدالرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب لجريدة «الاتحاد الاشتراكي»

الحكومة مطالبة بالتأسيس لدخول سياسي واجتماعي بمنهجية مغايرة للاستجابة لانتظارات المغاربة

إخفاق حكومي بارز في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين

 

 

بمناسبة الدخول السياسي والاجتماعي والبرلماني، أجرت جريدة  «الاتحاد الاشتراكي» هذا الحوار مع عبدالرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، ليطلع القراء والرأي العام الوطني على عدد من القضايا الأساسية المرتبطة بهذا الدخول وسياقاته العامة الوطنية والدولية. لقد لامس الحوار  رؤية الفريق الاشتراكي للدخول الاجتماعي لهذه السنة، ثم الملاحظات والانتقادات الأولية التي يمكن تسجيلها على مضامين القانون المالي لسنة 2023 من خلال المنشور التوجيهي لرئيس الحكومة بهذا الخصوص، بالإضافة إلى موقف الفريق الاشتراكي حول تنزيل وتفعيل وأجرأة  مشروع الحماية الاجتماعية على أرض الواقع، ناهيك عن النقائص والفراغات التي سجلها الفريق الاشتراكي  بخصوص التعاطي الحكومي مع المسألة الاجتماعية، ناهيك عن تقديم تقييم عن المجهودات التشريعية على المستوى الاجتماعي للحكومة والاقتراحات السياسية والقانونية للفريق في هذا الإطار.

1- كيف تنظرون كفريق اشتراكي بمجلس النواب للدخول الاجتماعي لهذه السنة؟

مما لا شك فيه أن الدخول الاجتماعي الحالي يتسم بشكل أساسي باستمرار التداعيات السلبية للتحولات السياسية الدولية والتقلبات المناخية، وخاصة على مستوى الارتفاع المتواصل في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات، إضافة إلى الارتفاع الكبير في أثمان اللوازم المدرسية. ويأتي هذا الدخول الاجتماعي بعد سنة أولى من الولاية الحكومية الحالية التي أسفرت عن إخفاق حكومي بارز في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية القدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين. ولذلك، فالحكومة مطالبة بالتأسيس لدخول سياسي واجتماعي بمنهجية مغايرة للاستجابة لانتظارات المغاربة في مجالات التعليم والصحة والتشغيل والحماية الاجتماعية وغيرها من الأولويات الاجتماعية الحقيقية.
إننا نعتقد أن الدخول الاجتماعي يحتاج إلى إجراءات فعلية لتعزيز الجبهة الداخلية وصيانة السلم الاجتماعي والحقوقي من خلال الحسم في إشكالية المحروقات ودعم المواد الاستهلاكية الأساسية ومعالجة الملفات النقابية الأساسية. كما يتطلب تفعيل الإصلاحات الأساسية التي دعا إليها جلالة الملك في المجالين الاجتماعي والاقتصادي بغاية تعزيز المكتسبات الاجتماعية، وتقوية آليات التضامن الوطني، والنهوض بالجوانب الاستثمارية. ونخص بالذكر، في هذا الإطار، مشروع القانون – الإطار المتعلق بالمنظومة الصحية، ومشروع القانون – الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار، ومراجعة مدونة الأسرة وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعية المرأة.

2- من خلال الاستعدادات الجارية لتحضير قانون المالية المقبل، ماهي ملاحظاتكم كفريق اشتراكي على هذا القانون والانتقادات الموجهة له على المستوى الاجتماعي؟

أولا لم نطلع بعد على مشروع قانون المالية لسنة 2023 الذي سيعرض على أنظار البرلمان في الدورة التشريعية المقبلة طبقا لما تنص عليه المقتضيات الدستورية. لكن اطلعنا على المنشور التوجيهي لرئيس الحكومة في هذا الشأن، وخاب أملنا فيما طرحه من إجراءات حيث لم يخرج عن لغة الشعارات في ترتيبه للأولويات التي حددها في: تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار، وتكريس العدالة المجالية، واستعادة الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات. كما أن المنشور التوجيهي لرئيس الحكومة حافظ على نفس التوجهات التي أقرها قانون المالية الجاري، ولم يأت بجديد فيما يتعلق بالإصلاحات الجوهرية التي ينتظرها المغاربة من حكومة تدعي إيمانها بالدولة الاجتماعية. وبكل وضوح كنا نتمنى أن يبادر رئيس الحكومة إلى مباشرة الإصلاحات الجوهرية، وعلى رأسها الإصلاح الجبائي الشامل لتعزيز موارد الدولة وتحقيق العدالة الجبائية إذ لا نعتقد أن التغيير ممكن في قوانين المالية بنفس الترسانة الجبائية التي أبانت عن محدوديتها وفشلها الذريع.
للأسف، المنشور التوجيهي لرئيس الحكومة لم يطبعه نفس إصلاحي جديد، بل ظل حبيس المنطق الاقتصادي المحكوم بالحفاظ على التوازنات المالية الكبرى بدل تعزيز آليات التوازنات الاجتماعية التي تقتضيها مصلحة بلادنا في الظرفية الراهنة. وهو ما يدفعنا إلى تنبيه الحكومة لتدارك هذه المنزلقات واعتماد تدابير جديدة لتقوية المنظومة الاجتماعية، وخاصة مواجهة التضخم، وحماية القدرة الشرائية للمواطن، والتفعيل الأمثل لميثاق التربية والتكوين، والتشغيل المستدام، وغيرها. ونأمل أن تكون مناسبة عرض مشروع قانون المالية لسنة 2023 على أنظار البرلمان خلال الدورة المقبلة، فرصة للحكومة لتصحيح المسار بالتفاعل الإيجابي أساس مع المعارضة البرلمانية واعتماد مقاربة تشاركية وتوافقية حقيقية من أجل مصلحة بلادنا. ومن موقعنا داخل مجلس النواب، كمعارضة مسؤولة، سنعمل في الفريق الاشتراكي على المساهمة البناءة لإقرار قانون مالية ذي نفس اجتماعي حقيقي، وسندافع عن مختلف المكتسبات الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية للمغاربة، وخاصة الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

3-يراهن المغرب على مشروع الحماية الاجتماعية، كيف تنظرون كفريق اشتراكي لتنزيل هذا المشروع وتفعيله على أرض الواقع؟

لا بد من التذكير أننا في الاتحاد الاشتراكي وفي الفريق الاشتراكي بمجلس النواب سجلنا بارتياح كبير التحول البارز الذي أحدثه جلالة الملك محمد السادس بإطلاق مشروعه الاجتماعي الضخم للحماية الاجتماعية، والذي تجاوز سقف مطالب كل الفاعلين السياسيين، وخاصة المبادرة الملكية إلى تعميم التغطية الصحية الإجبارية لفائدة22  مليون مستفيد إضافي من التأمين الأساسي على المرض لتغطية تكاليف التطبيب واقتناء الأدوية والاستشفاء والعلاج خلال سنتي 2021 و2022. لكننا للأسف، سجلنا تعثر الحكومة في مواكبة هذا الإصلاح الاجتماعي الطموح واحترام الآجال المحددة، وهو ما دفعنا غير ما مرة إلى مساءلتها عن مآل تفعيل مقتضيات الاتفاقيات الموقعة أمام جلالة الملك يوم 14 أبريل 2021، وعن إجراءاتها لتدارك التأخر في تعميم التأمين الإجباري على المرض لدى التجار والمهنيين المستقلين، والمهنيين في الصناعة التقليدية، والفلاحين.
وبهذه المناسبة، نعيد مرة أخرى دعوتنا للحكومة إلى الإسراع في تفعيل هذا الورش ومواكبته بإصلاحات تعزز حكامته المؤسساتية من خلال إعادة النظر في الهيئات المكلفة بتدبير أو رقابة التأمين والضمان الاجتماعي، وإنشاء نظام معلومياتي وطني يعتمد تعريفا اجتماعيا يسمح بتوحيد معطيات منظومة الحماية الاجتماعية. وندعوها أيضا، في إطار إعدادها لمالية 2023، إلى الرفع من الاعتمادات المالية المخصصة للصحة، وعدم الاكتفاء بزيادات متواضعة كما فعلت في قانون المالية لسنة 2022، حيث لم تتجاوز ميزانية القطاع % 7 من الميزانية العامة بدل النسبة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية والمحددة في 12 %. ولا يعقل أن يمثل الإنفاق الصحي أقل من 6 % من الناتج المحلي الإجمالي بعيدا عن المعدل العالمي المحدد في 10 %، ليتم تمويل النفقات الصحية، بشكل أساسي، من طرف الأسر بنسبة 63 %، منها 50 % بطريقة مباشرة، و24 % من الموارد الضريبية، و22 % من اشتراكات الضمان الاجتماعي. فليس من المسؤولية السياسية ولا الأخلاقية أن تترك الحكومة الأسر المغربية وحيدة في معاناتها ومواجهة مصيرها فيما يتعلق بتكاليف الرعاية الصحية، خاصة في ظل الارتفاع المهول للمواد الاستهلاكية الأساسية والمحروقات واللوازم المدرسية.

4- ماهي النقائص والفراغات التي سجلتموها كفريق اشتراكي بخصوص التعاطي الحكومي مع المسألة الاجتماعية؟

لقد عبرنا كفريق اشتراكي، منذ تقديم البرنامج الحكومي، عن استغرابنا لكيفية تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية باعتماد مرجعية سياسية رأسمالية محكومة بمنطق اقتصاد السوق وبالمقاربة الليبرالية المحافظة. ولاحظنا كيف استسلمت الحكومة أمام التوازنات المالية التقنية على حساب التوازنات الاجتماعية الإنسانية مما يؤكد غياب الوعي السياسي بأولوية البعد الاجتماعي في الأداء الاقتصادي.
ولذلك، لم تستطع الحكومة معالجة المشاكل الاجتماعية الحقيقية المتمثلة في الفقر والهشاشة والبطالة وإفلاس المقاولات الصغيرة والمتوسطة ومعاناة الطبقة المتوسطة والفلاحين الصغار ومهنيي النقل وأساتذة وأطر التعليم وغيرهم. لم تقم الحكومة للأسف بأي مجهود حقيقي لحل الإشكالات الاجتماعية التي نخشى أن يؤدي تفاقمها وعجز الحكومة لحلها إلى ما لا تحمد عقباه. وهو ما يجعلنا، كمعارضة بناءة ومسؤولة، ننبه الحكومة إلى ضرورة برمجة تدابير مالية وجبائية في قانون المالية المقبل لفائدة الفئات الاجتماعية الأكثر تضررا ومعاناة. وعلى الحكومة إذا كانت صادقة في شعارها حول تعزيز الدولة الاجتماعية، أن تلتقط إشارة جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2020 حين دعا جلالته إلى إقرار «التعاقد الوطني»، وأن تعمل بشكل مستعجل على إرساء الإصلاح الاجتماعي الحقيقي بما تتطلبه المرحلة من تعبئة جماعية وتغيير هادئ يمكن من تعزيز الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية. وهي تحديات يستحضرها الفريق الاشتراكي في صلب انشغالاته إذ ساهم في مجال الدبلوماسية البرلمانية، عبر عضواته وأعضاءه، في مختلف الأنشطة الرسمية لمجلس النواب في المؤتمرات واللقاءات العامة والموضوعاتية المتعددة الأطراف، وفي الشعب البرلمانية ومجموعات الصداقة. ونظم الفريق الاشتراكي، ضمن مبادراته الخاصة، زيارة عمل إلى منطقتي مورتي Meurthe وموزيل Moselle بجهة نانسي Nancy بفرنسا ما بين 22 يونيو و2 يوليوز 2022 وعقد لقاءات مع برلمانيين ومنتخبين محليين وفاعلين سياسيين عن الحزب الاشتراكي الفرنسي. كما استقبل الفريق الاشتراكي مجموعة من الشخصيات البرلمانية الأجنبية، وخاصة نائبة رئيس مجلس النواب بدولة المكسيك، ونائب رئيس مجلس النواب بدولة الباراغواي.

5- كيف تقيمون المجهودات التشريعية على المستوى الاجتماعي للحكومة وماهي اقتراحاتكم السياسية والقانونية في هذا الإطار؟

للأسف الشديد كان الأداء التشريعي للحكومة ضعيفا في كافة المجالات، وبالأخص في المجال الاجتماعي، ولم تستطع الكشف عن مخططها التشريعي ولا عن رؤيتها ومنهجيتها في الارتقاء بالأداء التشريعي الوطني. وهذا الأمر لم يكن معزولا، بل هو جزء من سلوك حكومي سلبي اتجاه المؤسسة التشريعية: التخلف عن الموعد الدستوري لعقد جلسة المساءلة الشهرية للسيد رئيس الحكومة في مجال السياسة العامة، عدم تجاوب الحكومة مع طلبات المعارضة للتحدث في مواضيع عامة وطارئة، غياب عدد من الوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية، اكتفاء الحكومة بتقديم عدد متواضع من الأجوبة على الأسئلة الكتابية، وغيرها.
كما أن بعض سلوكات الحكومة أثرت بشكل سلبي على جودة الأداء التشريعي، إذ عمدت تارة إلى تعطيل أشغال اللجان الدائمة وتارة أخرى إلى التسرع غير المفهوم في مناقشة مشاريع القوانين المحالة عليها في خرق واضح للمادتين 181 و182 من النظام الداخلي للمجلس. وهو ما جعلنا في الفريق الاشتراكي نتدخل مرارا لننبه إلى ضرورة الالتزام باحترام مقتضيات النظام الداخلي للمجلس، والوقوف أمام سعي الأغلبية البرلمانية بكل الوسائل إلى تمرير عدد من مشاريع القوانين دون تمكين النائبات والنواب من حقهم في مناقشتها بشكل مستفيض.
من جهة أخرى، وإن كنا نسجل التفاعل الإيجابي للحكومة مع مقترح قانون يتيم من بين مقترحات القوانين التي تقدم بها الفريق الاشتراكي، وهو مقترح القانون الذي يرمي إلى إضافة المادة 137مكررة بالقانون رقم 36.15 المتعلق بالماء، فإننا نتأسف لتجاهلها المبادرات التشريعية المهمة ولباقي مقترحات القوانين التي تقدم بها الفريق من أجل تعزيز الحصيلة التشريعية الضعيفة للحكومة خلال هذه الدورة، والتي شكلت الاتفاقيات نصفها تقريبا. نتأسف أيضا أن الحكومة لم تقرر بعد إعادة إيداع مشاريع القوانين التي سبق لها سحبها دون أدنى توضيح أو تشاور، وهي مشاريع ذات أهمية بالغة تهم مشروع القانون الجنائي، ومشروع قانون التغطية الصحية، ومشروع قانون الاحتلال المؤقت للملك العمومي للدولة ومشروع قانون المناجم.
وإضافة إلى ذلك، لاحظنا تعثرا كبيرا في الأداء التشريعي الحكومي في التعاطي مع العديد من قبيل تشغيل الشباب والنساء، وتأمين المخزون الاستراتيجي لتأمين الأمن الطاقي والمائي والدوائي والغذائي، وغيرها. وبكل تأكيد يرجع هذا التعثر إلى هجانة الهيكلة الحكومية التي سبق لنا انتقادها بمناسبة تشكيل الحكومة، مما جعل قطاعات تلتهم قطاعات أخرى حتى كدنا لا نجد لها أثرا من قبيل الرياضة ومغاربة العالم والتنمية القروية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني وغيرها. ولذلك، من الضروري على الحكومة أن تعيد النظر في طريقة اشتغالها، وأن تجعل من الدخول البرلماني المقبل محطة للانكباب الجدي من أجل الحسم التشريعي في مجموعة من النصوص التي تمثل انشغالا ملحا لكل من الدولة والمجتمع. ولا بد من العمل الجاد للرفع من إيقاع الأداء التشريعي، وعلى الحكومة أن تعمل على التفاعل الإيجابي مع المؤسسة البرلمانية والمعارضة، لمباشرة الإصلاحات الضرورية لتفعيل النموذج التنموي وتنفيذ المشاريع الاقتصادية والاجتماعية المهيكلة.
وفي هذا الصدد ندعو الحكومة إلى انتهاز مرحلة إعداد وعرض مشروع قانون المالية لسنة 2023 لتكريس منهجية تشاركية حقيقية لمختلف المكونات البرلمانية من أجل تحقيق نوع من التوافق الذي تستدعيه الظرفية الحالية. وندعو أيضا إلى الإسراع بإجراء تعديل عاجل وعميق للنظام الداخلي لمجلس النواب، بما يعالج الاختلالات المسجلة في اتجاه صون حقوق المعارضة وترسيخ التعددية السياسية كما هو منصوص عليه في الدستور.

 


الكاتب : حوار: عبدالحق الريحاني

  

بتاريخ : 06/09/2022