عبد الحق المريني.. المؤرخ والمثقف والأديب .. رحيل حارس دفاتر التاريخ المغربي

برحيل عبد الحق المريني، يفقد، المغرب اليوم، أحد حراس الذاكرة المغربية الحديثة، والناطق الرسمي باسم القصر الملكي، ومدير التشريفات الملكية والأوسمة سابقا.
رحيل عبد الحق المريني، أرخى بظلال الحزن والأسى على الأوساط الثقافية والسياسية المغربية، حيث نعاه مثقفون ووزراء وشخصيات وطنية، معتبرين رحيله «خسارة وطنية كبيرة»، لما كان يمثله من رمز للوفاء للثقافة والمؤسسات المغربية.
عبد الحق المريني، الذي وافته المنية مساء أول أمس الاثنين 2 يونيو 2025، اجتمع فيه ما تفرق في غيره، بالنظر لقيمة عطائه المسترسل الذي يتجاوز ستة عقود من الإسهام العلمي والثقافي المتواصل.
يعد الفقيد المريني أحد الوجوه البارزة التي بصمت تاريخ المغرب، بعطاءاته وإسهاماته في مجالات متعددة، وصاحب أعمال مرجعية في حقل الدراسات التاريخية المعاصرة، إذ أغنى الخزانة الوطنية بسلسلة من الإصدارات العلمية الرفيعة التي لا شك وأنها تشكل قيمة مضافة لحصيلة منجز البحث التاريخي الوطني، بجدتها وبعمقها وبنفسها العلمي وبصبرها الكبير في تجميع الوثائق وفي ضبط التفاصيل وفي توضيح السياقات.
ويعد عبد الحق المريني من الشخصيات البارزة التي رافقت مراحل مهمة من تاريخ الدولة المغربية، إذ تميز بحضوره الهادئ وأسلوبه المتزن، إلى جانب مساره العلمي والثقافي الغني. فقد ظل نموذجا للمثقف والمفكر المتواضع ورجل الدولة الذي لا تغريه مظاهر المسؤولية، وفيا لقيمه الفكرية والأخلاقية ومنتجا ومتفاعلا ومنضبطا لها، حتى استحق أن يكون موضع ثقة جمهور المثقفين على اختلاف رؤاهم ومشاربهم في المغرب وخارجه.
شغل الراحل عدة مناصب رفيعة، بدءا من عمله أستاذا للغة العربية والتربية الوطنية في ستينيات القرن الماضي، ثم رئيسا لديوان نائب كاتب الدولة في التعليم التقني بين 1964 و1965. انتقل بعدها إلى العمل في دوائر الدولة العليا، حيث شغل منصب ملحق بمديرية التشريفات والأوسمة بين 1965 و1972، ثم مكلفا بمهمة بوزارة القصور الملكية حتى 1998، قبل أن يعين مديرا للتشريفات الملكية والأوسمة. وفي عام 2012، تولى منصب الناطق الرسمي باسم القصر الملكي خلفا لحسن أوريد، وبقي في المنصب حتى وفاته.
ترك المريني إرثا ثقافيا وعلميا غنيا، شمل مؤلفات بارزة مثل «الجيش المغربي عبر التاريخ» ، الذي يُعتبر مرجعًا في تاريخ المؤسسة العسكرية المغربية والذي نال عنه جائزة المغرب للكتاب عام 1968، و»شعر الجهاد في الأدب المغربي» الذي حصد جائزة عبد الله كنون عام 1997، بالإضافة إلى أعمال أخرى مثل «مدخل إلى تاريخ المغرب الحديث» و»محمد الخامس دراسات وشهادات» و»جلالة الملك الحسن الثاني الإنسان والملك ، و»نظرات في الإبداع العربي والحضارة المغربية» ، كما نشر ديوان «الحسنيات» في ثلاثة أجزاء، و»مدخل إلى طريق المغرب الحديث»، وكتاب «دليل المرأة المغربية» في ثلاثة أجزاء، و»الشاي في الأدب المغربي». كتب الراحل ونشر في مجلات وصحف بارزة مثل العلم، الشرق الأوسط، دعوة الحق، البحث العلمي، اللقاء، والفنون، وكان عضوا في اتحاد كتاب المغرب منذ سنة 1973.
إلى جانب نشاطه التأليفي، شارك المريني في العديد من المؤتمرات الفكرية والندوات الدولية، وكان يُحتفى به في المحافل الثقافية بوصفه أحد حراس الذاكرة المغربية الحديثة. وفي هذا السياق تأتي خطوة إهدائه خزانته الشخصية للمكتبة الوطنية.
خلف الراحل المريني الجنرال مولاي حفيظ العلوي وزير القصور الملكية والتشريفات والأوسمة السابق الذي توفي في العام 1989، في وظيفة ذات حساسية في النظام المؤسساتي المغربي، حيث الالتزام بقواعد البروتوكول والإلمام بحيثياته وتاريخه.
وباعتبار أن كل ما يتعلق بالبروتوكول يبتّ فيه الملك، فقد وعى المريني هذه الميزة، ما جعله يحيط بتفاصيل مهنته بالكثير من الدقة والحرص الشديدين وذلك لخصوصيات البروتوكول الملكي سواء المرتبط بمراسيم البيعة وطقوس خروج الموكب الملكي في عيدي الفطر والأضحى والاحتفال بليلة المولد النبوي أو مراسيم الدروس الحسنية واستقبال السفراء، وهو ما صرح بصدده ذات حوار: إنه»من نافلة القول، التأكيد أن مهام رجل يعمل بالبروتوكول، ناهيك عن المسؤول عنه في بلد مثل المغرب، تجعله يزن كلامه ليس فقط من ذهب بل من لسعات الحذر». وهي المهمة التي أدراها الراحل بكل حنكة وتبصر المسؤول المحيط بكل المتغيرات، سياسية كانت أم اجتماعية أم ثقافية وغيرها، وكل هذا تشربه من مرافقة سلفه الجنرال عبدالحفيظ العلوي لما يقرب من عشرين سنة، وأضاف إليها من خبرته وتمرسه واطلاعه على كل ما يتعلق بالآداب السلطانية وخصوصيات النظام والمجتمع المغربي.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 04/06/2025