عبد الدين حمروش.. الكاتب المتعدد

 

قد لا تكفي هذه الورقة المتواضعة والوقفة العجلى للإحاطة بشخص وشخصية الشاعر المثقف، والجامعي المقتدر، الكاتب عبد الدين حمروش، شخص قدم من دروب الحياة البيضاوية، التي نعرفها حق المعرفة، دروب خضنا في ثراها جميعا، ومارسنا عليها شغبنا الأثير على امتداد مراحل الطفولة والشباب، وما زلنا ونحن في كهولتنا نستمتع ببعض ما تبقى في أنفسنا منه، نمارسه بعيدا عن رقابة الأنا الأعلى المخاصم لمتع الحياة، ما ظهر منها وما بطن.
حين تقف متأملا في شخص عبد الدين حمروش، الرجل المتعدد، الذي يمكن أن يصدق عليه بالضد المثل الشائع، فيتم تحويره إلى «سبع صنايع والرزق ما ضايع» يمكن أن يستغرقك مجال واحد فقط، فتتيه في سراديبه المتشعبة. فحين تتحدث مثلا عن الشاعر، فأنت هنا في حضرة القصيدة الجميلة، التي تتقافز صورها الشعرية كسناجب محفزة بيوم ربيعي دافئ، أو فراشات مزركشة تتناثر على امتداد روض بهيج عاطر، وهي علاوة على ذلك مسلحة بالمعرفة النظرية والتطبيقية معا. فلسنا إزاء شاعر ينثر في باحة البهاء عطر القصيد ليضمخ أجواءنا بعبيره الفواح فحسب، وإنما نحن كذلك أمام ناقد متميز، أشرف ويشرف على بحوث جامعية لنيل شهادات عليا، تتيح لأصحابها مكانة مرموقة في مجال المعرفة الأكاديمية. كما أن حمروشنا متابع جيد للساحة الشعرية المغربية والعربية، وحين ينبري للكتابة عن ديوان ما أو شاعر، تكون الفرصة سانحة للاستمتاع باستنباطه للمعاني الكامنة، من خلال كشف مواطن الجمال في النص، بل أكثر من ذلك تكون فرصة مواتية للاستزادة من ثقافة الشعر.
وغني عن البيان أنه ليس كل قارئ للشعر ناقدا جيدا له، فدون ذلك امتلاك ذاكرة الشعر والشعراء، وهذا بالضبط ما يميز الناقد الجهبذ عبد الدين حمروش، ففي قراءته للنصوص يحيلك بألمعية على مرجعيات إبداعية ضاربة في القدم، لم تسمع بها من قبل، كما يتخذ من كل كلمة في النص مرآة عاكسة لكلمات وعبارات، بل لنصوص تشكل خلفيات النص الثقافية والشعرية العميقة، ضمن ثقافة موسوعية تميز الناقد عبد الدين حمروش وتتيح له ممارسة لعبة التأويل في أقصى مدى لها.
في وقفتنا هذه عند حمروشنا ، يمكن أن أعرج كذلك على السياسي في شخصيته المتعددة، ويكفي هنا أن أسجل أن الرجل ظل يمارس السياسة في عمقها النبيل، متشبثا بالمبادئ، غير متهافت على المصالح، منتصرا لحقوق شعبنا في الديمقراطية الحقة والتوزيع العادل للثروة، والانحياز للقيم الوطنية والإنسانية النبيلة.
أما الجانب الذي يهمني أكثر في شخصية سي حمروش، والذي كنت شاهدا عليه، وشهد معي على ذلك أغلب مثقفي بلدنا الحبيب، وهو العمل الجمعوي الثقافي، الذي مارسه ويمارسه سي حمروش بكثير من النقاء والفعالية. وما دامت المناسبة شرطا كما يقول الفقهاء، وما دمنا في لقاء تؤطره جمعية مناضلة في العمل الثقافي، يشرف عليها الشاعر محمد اللغافي، وهو الشاعر المناضل الذي أعطى الكثير للساحة الثقافية دون أن ينال ما يستحقه من مكانة واهتمام، رغم أن مكانته في قلوبنا مضيئة وشاسعة بلا حدود، لكل ذلك سأركز تحديدا على اشتغال حمروش داخل اتحاد كتاب المغرب. وبصراحة، أعتبر، شخصيا، العزيز سي حمروش «غنيمة»، ظفرت بها بعد تجميد عضويتي في المكتب التنفيذي لاتحاد كتاب المغرب، لأسباب لم تعد خافية على أحد، فهو الوحيد الذي ظل تواصلي الأخوي معه قائما بكثير من الصدق والمحبة، وزاد احترامي له حين أعلن جهارا نهارا عن مواقفه النبيلة، وانخرط بلا هوادة في محاربة الفساد داخل دواليب الاتحاد، فقد كان ولا يزال مدافعا شرسا عن المال العام والتخليق، ومنافحا عن الصورة المثالية التي يجب أن يقدمها الاتحاد للمجتمع، باعتباره منظمة حداثية وديمقراطية، تنتصر للفعل الثقافي الجاد والنقد العقلاني البناء، الذي يساهم في بناء القيم النبيلة، التي من أجلها نحن منخرطون في الفعل الثقافي، وبسببها لا نزال ملتفين حول الأدب بشتى أجناسه الأدبية. وما يظهر لعموم المتابعين من نضاله على هذا المستوى ليس سوى النزر اليسير، وما خفي من مجهوداته أكبر وأعظم، يخوض غمارها بتفان، مضحيا في سبيل ذلك بوقته وراحته وصحته، محاولا بكثير من المثابرة والصبر، رفقة ثلة من زملائه، إعادة الحياة إلى جثتنا الهامدة اتحاد كتاب المغرب، إيمانا منهم بحق الكتاب الشباب في أن يرثوا بيتا رمزيا يجمعهم، ويحقق بعض طموحاتهم.
دمت أيها الإنسان الرائع أخا كريما، وشاعرا جميلا، وسياسيا نبيلا، ومثقفا عضويا، ودامت لنا محبتك وأخوتك وإخلاصك لأصدقائك الذي قل نظيره، في عصر أصبح التنكر لكل جميل، سمته البارزة وتجارته النافقة.
وكل تكريم وأنتم بألف خير ومحبة وتقدير.

*قدمت هذه الورقة خلال اللقاء الاحتفائي بالكاتب والشاعر عبد الدين حمروش الذي نظمته جامعة المبدعين المغاربة يوم السبت 25 نونبر الجاري بالمكتبة الوسائطية، التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني.


الكاتب : مصطفى لغتيري

  

بتاريخ : 28/11/2023