عبد الصمد الكباص: موقع الصحفي اليوم، كلغة وخطاب وتدبير وممارسة للحقيقة، اختفى

الكتّاب في العالم هم الذين أنقذوا لغة الصحافة

 

اعتبر الإعلامي والباحث في الفلسفة عبد الصمد الكباص، وهو يقارب موضوعة حضور الثقافي ومدينة مراكش في الإعلام، خلال فعاليات المنتدى الحواري الذي نظمته درا الشعر بمراكش يوم السبت 20 شتنبر الجاري حول “حضور الشعر ومراكش المكان والأثر والذاكرة في الإعلام”،اعتبر أننا ” للأسف، دخلنا زمنا إعلاميا بدون صحافة، وأن من يتحدث عن الصحافة اليوم فهو يتحدث عن زمن أغلق” وهي الخلاصة التي استمدها بعد عمليه البحثيين” الحدث والحقيقة”و “الشاشة والورق: ميديولوجيا الصورة و النص في الصحافة زمن الانتقال الرقمي”، مضيفا أن ما كان يرعى الوضع الرمزي للصحافة كممارسة للحقيقة قد انهار اليوم، كما أن الوسيط المعياري أي الصحفي المهني كرؤية، أصبح عرضة للتصفية.
وأضاف الكباص، وهو يحدد علاقة الثقافة بالإعلام اليوم في ضوءالتحولات التي عرفها الإعلام المغربي، أضاف أن النتيجة المباشرة لهذا الانهيار هي قدوم الكائن الشبكي الذي يرفض أية وصاية، بل يرفض أن يقر بوضعه كمتلقٍّ وإنما يقدم نفسه بوصفه منتجا وموجها ومساهما في الحدث العام. هذا الكائن الشبكي الذي يقيّم نفسه انطلاقا من درجة الانتباه، أي مدى ما أثاره من انتباه الآخرين وما يحصل عليه من عدد اللايكات والمشاركات.
إن خطورة هذا الكائن، حسب الكباص، تأتي من كونه ينتج محتوى بدون محتوى، لأنه كائن عائم ينتمي الى الصيرورة السائلة، أي إلى الميديوم الشامل، الميديوم الإلكتروني وهو الجانب التراجيدي الذي نحياه اليوم.
إن وجه التراجيديا اليوم في المشهد الإعلامي يتضح انطلاقا من موقع الصحفي الذي اختفى ليس في الثقافة وحدها، بل إن الأمر ينسحب على الصحافي بكل اهتماماته، الصحفي كلغة وخطاب وكتدبير وممارسة للحقيقة.
ولفهم فداحة هذا الوضع والاقتراب منه أكثر، اقترح الكباص العودة إلى الوراء حين شكلت الثقافة دائما هي الراعية الحقيقية لشرف الصحافة ونبلها ولثقلها الرمزي في المجتمع، وخير دليل على ذلك بروز أسماء الرواد من قبيل ألبير كامي، جون بول سارتر، بالإضافة إلى ميشال فوكو الذي غطى أحداث الثورة الإيرانية.
ولفت صاحب”الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط: خيبة التمثيل” أن أبرز عقول العالم، ابتداء من الحرب الثانية إلى أواخر الثمانينات كان هم كبار المثقفين وهم من كانوا يصوغون الثقل الرمزي للصحافة، مقدما المثال بالمفكر والناقد أندري مالرو.
في المغرب لم يختلف الأمر، فقد ظل دائما ذلك الاشتباك الثمين والحقيقي بين المثقف والسياسي بدليل أن الصحفيين الذين بنوا مجد الصحافة المغاربة كانوا زعماء في الحركة الوطنية عبد الله إبراهيم، علال الفاسي.
لا يميز مؤلف “الرغبة والمتعة” الحديث عن وضع الثقافة في الصحافة، عن عمقه وسياقه الحقيقي، أي الحديث أساسا عن الوضع الذي يحتفظ به المجتمع للثقافة، معتبرا أن الصحافة الثقافية هي مجرد انعكاس لهذه الوضعية، والأسوأ من ذلك أنها تعكس مدى حاجة المجتمع للثقافة. ما دفعه إلى استنتاج صادم وواقعي مفاده أننا “مجتمع يحيا بغرائزه«” .
وأضاف الكباص »أن الكتاب في العالم هم الذين أنقذوا لغة الصحافة قائلا إنه “عندما يبتعد الكتّاب عن الصحافة، تدخل في أزمة” ومتسائلا في نفس الوقت: “باستثناء الصحافة الثقافية، ما الذي كنت سأتعلمه من الصحافة؟” ليجيب بمرارة أن لم يكن ليتعلم إلا “كره مجتمعه” لأن الصحافة الحالية، بدون صحافة ثقافية، لا تتحدث إلا عن الجرائم واللصوص والفاسدين والاختلالات القيمية والأخلاقية، أي كل ما ينفر من المجتمع.، مقراأن ما مارس الغواية عليه لينتمي إلى الصحافة هو الثقافة : “نحن خريجو الملاحق الثقافية والإذاعة الوطنية”/
وفي سياق علاقة المدينة بالثقافة، أكد الكباص أنه علينا التفكير في علاقة المدينة بالثقافة والأدب والكتابة بوساطة الخطاب الإعلامي للتخفيف من الحس التراجيدي الذي نحياه داخلها، باستحضار أن … المدينة هي حصيلة صراع بين تدفقين:
تدفقات الحاجة من ناحية، وتدفقات الرغبة من جهة ثانية، مشيرا الى أنه إذا اختل هذا الصراع، فإن روح المدينة تختل لأن “وحدها الثقافة تستطيع أن تفي باستدامة هذا الصراع من خلال الإنسان”.
وخلص الكباص إلى أنه بتغييب الخطاب الثقافي من منظومة إنتاج اليومي، لن يعود هناك موقع للثقافة في حياة الناس وستفقد المدينة بكاملها روحها، لأن هذه الروح تأتي من أمرين:
1 – المدينة بدون حلم هي تركيب لأشكال معمارية مجردة من إنسانيتها.
2 -الحلم هو الذي يسعفنا على تخيل مصائر أحسن لوجودنا.
وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بإعطاء الثقافة موقعا هاما في بناء الخطاب اليومي من خلال الإعلام والصحافة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 25/09/2024