عبد الكريم القسبيجي يحكي عن أغنية «العيون عينيا» لجيل جيلالة

يقول عبد الكريم القسبيجي عن هذه الأغنية بأنه كان على «جيل جيلالة» التي أضحت في فترة السبعينيات رمزا من رموز الفن المغربي، أن تعبر عن موقفها وأن تقول كلمتها، بخصوص القضية الوطنية، لذلك وبكل طواعية، تم النقاش بين أفراد «جيل جيلالة»حول الموضوع، خاصة وأن الحسن الثاني، رحمه الله، ألقى خطابا يدعو فيه المغاربة إلى تنظيم مسيرة للدفاع عن تراب الوطن، واسترجاع الأقاليم التي كانت محتلة.
معظم الأحزاب الوطنية الديمقراطية والمنظمات تفاعلت مع هذا القرار، وكان على المثقفين والفنانين أن ينخرطوا في هذا الفعل، من خلال تحميس الجماهير، من هذا المنطلق قررت «جيل جيلالة» أن تعد أغنية في الموضوع يعكس فيها قناعتها الوطنية، هذه الأغنية، يضيف عبد الكريم:» كتبت في وقت وجيز، ولحنت في وقت وجيز، وحتى نكون منصفين، فإن معظم أبياتها الشعرية كتبها مولاي عبد العزيز الطاهري، فيما وضع خاتمتها محمد شهرمان. أما التلحين فقد شارك فيه مولاي الطاهر، ومولاي عبد العزيز الطاهري ومحمد الدرهم، وتم التدريب عليها في ظرف 24 ساعة، بمنزل مولاي عبد العزيز الطاهري، وسجلناها في اليوم الموالي للإذاعة الوطنية لعين الشق، ولم نقصد سوق الكاسيط للربح منها، لهذا ذهبنا مباشرة إلى الإذاعة، لأن الأمر يتعلق بموقف وطني، وللعلم فإن الكورال في الإذاعة الوطنية شارك فيه، كما شارك إلى جانب «جيل جيلالة» ثلة من الأصدقاء، منهم مصطفى الناصري والزين وشهرمان ومجد وآخرون لم أعد أذكر الأسماء، وللتاريخ فإن سكينة لم تظهر معنا في التلفزة، حين أدينا الأغنية، لكنها سجلتها معنا، ذلك أننا لما ذهبنا لنسجل ولما كنا سنسجل للتلفزيون كانت سكينة قد ذهبت للمشاركة في المسيرة الخضراء بشكل فعلي، بعد الإذاعة تمت المناداة على «جيل جيلالة» إلى دار البريهي، وأضحت هذه الأغنية التي خلقت ثورة فنية في مجال الأغنية الوطنية، مرافقة دائما في كل التسجيلات التي تبث النقل المباشر لأطوار المسيرة الخضراء، وكان لها دور كبير، إلى جانب أغنيات وطنية أخرى، في تعبئة المواطنين للمشاركة والمساهمة في هذا الحدث الكبير والاستثنائي، ويذكر الجميع كيف رددها المواطنون، وحتى أن الأمير مولاي رشيد ظهر في التلفزة وهو يرددها».
ورغم أن الأغنية لقيت نجاحا منقطع النظير، إن على مستوى الموضوع أو على مستوى التعاطي الفني الخالص معها، إلا أن بعض المنظمات والهيئات لم يعجبها أن نغني هذه الأغنية، التي ظلت خالدة إلى الآن، وأصبح يرددها مشاهير الأغنية في العالم، كلما حلوا بالمغرب، وقد استغربنا كيف لهذه المنظمات، خاصة المغربية، أن تقسو علينا في أحكامها لمجرد أننا غنينا لصالح الوطن، علما بأن زعيم اليسار المغربي، السي عبد الرحيم بوعبيد، الذي يحترمه العالم بأسره، أصدقاء وخصوماً، كان أول من رفض موضوع الاستفتاء، ودخل السجن بسبب هذا الموقف؟
«عانينا كثيرا- يقول عبد الكريم – من بعض التهجمات والإشاعات، بسبب «العيون عينيا»، وأطلق علينا نعت مجموعة «المخزن»، وأصبحنا نُحَاربُ، حتى أن بعض منظمي الحفلات بالخارج، أضحوا يبعدوننا عن المشاركة في الجولات الأوربية، إذ لا ننسى أن العديد من منظمي الحفلات هناك كانوا ينتمون إما إلى منظمات يسارية، أو كانوا جزائريين وتونسيين، والمثير في الأمر أنه في تلك الفترة دعتنا الجزائر للمشاركة في مهرجان «تمكاد»، وهو مهرجان كبير لا يشارك فيه إلا كبار الفنانين، ولما وصلنا إلى هناك وجدنا أن المنظمين يشركون فرقا غنائية من البوليساريو، فأبلغنا المنظمين أننا سننسحب، ولن نشارك جنبا إلى جنب مع أعداء وحدتنا الترابية، فانزعج المنظمون، وهم يعلمون أن الجمهور معظمه قادم من أجل «جيل جيلالة»، بدأ التفاوض من طرف المنظمين الذين أوضحوا لنا أنهم العبد المأمور، ولا يمكنهم منع تلك المجموعات من الغناء، وأيضا لا يريدون أن ننسحب، وبالتالي علينا أن نجد حلا يرضي الجميع، فكان ردنا أننا سنغني في المهرجان لكن بشرط أن نغني أغنية «العيون عينيا»، التي كانت قد أزعجت السلطات الجزائرية عند صدورها، الغريب أن المنظمين لم يعترضوا، والأغرب أن الجمهور الحاضر في مهرجان ردد معنا الأغنية من ألفها إلى يائها، وأخذنا نتساءل فيما بيننا بعد انتهاء المهرجان إذا كان من يعنيهم الأمر لم يتخذوا منا موقفا، وظلوا يدعوننا لزيارة الجزائر في جميع المناسبات، فما بال تلك المنظمات التي تحاربنا وهي منظمات مغربية، هل هم جزائريون أكثر من الجزائر؟».
يواصل عبد الكريم قائلا: «… بعد صدور «العيون عينيا» بأشهر، استدعينا إلى القصر الملكي لإحياء حفل هناك رفقة مجموعة من الفنانين المغاربة، ولما تقدمنا للسلام على الملك الحسن الثاني، عبر لنا عن إعجابه بالأغنية، وقال لنا بالحرف» تبارك لله عليكم، شرفتم بلدكم، «العيون عينيا» أغنية جميلة أحبها المغاربة، وموالين الدار يرددونها» بعد هذا اللقاء أديناها أيضا في مناسبة أخرى في القصر الملكي، لكن هذه المرة في إطار ملحمة مصغرة أخرجها الأستاذ الطيب الصديقي، وشارك فيها عدد من المسرحيين الكبار ببلدنا».


الكاتب : العربي رياض

  

بتاريخ : 28/06/2019