يُعدّ العنف ضد النساء أحد أبرز الإشكاليات الاجتماعية والحقوقية التي تواجه المجتمعات المعاصرة، لما له من آثار نفسية وجسدية واجتماعية خطيرة تمسّ كرامة المرأة وحقوقها الأساسية. وفي السياق المغربي، ورغم التقدم الذي شهدته البلاد على مستوى التشريعات والنقاشات العمومية حول المساواة بين الجنسين، لا يزال العنف ضد النساء ظاهرة مقلقة تتخذ أشكالا متعددة، تتراوح بين العنف الجسدي واللفظي في الفضاءات العامة، مرورا بالعنف الاقتصادي داخل الأسرة، ووصولا إلى أشكال جديدة من العنف الرقمي الذي بات يتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية للنساء، لاسيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية.
في الشوارع والأماكن العامة، لا تزال الكثير من النساء يتعرضن للتحرش اليومي والنظرات المزعجة والكلمات الجارحة التي تسلبهن الإحساس بالأمان والحرية، مما يدفع العديد منهن إلى تقييد تحركاتهن وتغيير نمط حياتهن تفاديا للتعرض للإيذاء. هذه الممارسات التي تُعتبر في نظر البعض «أمورا عادية» هي في الواقع انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، تُكرّس ثقافة الهيمنة الذكورية وتطبع العنف ضد النساء بطابع اعتيادي.
ومع التحولات الرقمية المتسارعة، انتقل هذا العنف من الفضاء الواقعي إلى الفضاء الافتراضي، حيث أصبحت العديد من النساء ضحايا للتشهير، الابتزاز، التنمر الإلكتروني، والتعدي على الخصوصية من خلال نشر صور أو معلومات شخصية دون إذن. هذا الشكل من العنف الرقمي، ورغم حداثته، يُعدّ أكثر خطورة أحيانا لأنه غالبا ما يتم في فضاء مفتوح وواسع، يصعب ضبطه أو تتبعه، وتكون عواقبه النفسية والاجتماعية وخيمة.
في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى مقاربة شمولية لمناهضة العنف ضد النساء، تنطلق من تشخيص دقيق لأشكاله المتعددة، وتستند إلى آليات قانونية، تربوية، إعلامية وثقافية، لضمان مجتمع يحترم المرأة وحقوقها في كل الفضاءات، سواء المادية أو الرقمية. ومن هنا، تطرح هذه الظاهرة عدة إشكاليات تتعلق بفعالية القوانين، ونجاعة مؤسسات الحماية، ودور الإعلام والتربية في تغيير التمثلات المجتمعية حول العنف والنوع الاجتماعي.
من العنف الجسدي إلى العنف السيبراني
في وقت قطعت فيه المرأة المغربية أشواطا كبيرة في مجالات التعليم، العمل، والمشاركة السياسية، ما زال شبح العنف يطاردها في البيت، في الشارع، وأخيرا على شاشات هواتفها وحواسيبها، إذ لم يعد العنف ضد النساء يقتصر على الأذى الجسدي أو النفسي داخل الجدران الأربعة للمنزل، بل انتقل إلى الفضاء العام، ثم وجد لنفسه مرتعا جديدا وخطيرا في الفضاء الرقمي. فمن التحرش اللفظي في الشوارع، إلى التنمر الإلكتروني، والابتزاز الجنسي عبر وسائل التواصل، تجد المرأة نفسها محاصَرة في كل الاتجاهات.
وتؤكد أرقام المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة النساء اللواتي تعرضن لشكل من أشكال العنف تتجاوز 50%، بينما يشير تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى أن العنف الرقمي في تصاعد مستمر، مستهدفا بالأساس الفتيات المراهقات والنساء الناشطات في الفضاء العمومي.
ضحايا بلا حماية كافية
تقول «ن.ف»، طالبة جامعية، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، إنها تعرضت لحملة تشهير إلكترونية بعد رفضها الحديث مع أحد الأشخاص عبر وسائل التواصل. «نشر صوري بطريقة موجهة، واستعمل عبارات مهينة، وللأسف لم أستطع مقاضاته بسبب نقص الأدلة»، تضيف بنبرة متألمة. ورغم صدور قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، إلا أن تفعيل آلياته ما زال يطرح إشكالات عديدة، أبرزها ضعف التبليغ، وقلة مراكز الاستماع.
وترى كثير من الشابات والنساء بأن الفيديوهات المنتشرة، التعليقات المسيئة، والحسابات الوهمية، كلها تعتبرأسلحة جديدة تُستعمل اليوم لإسكات النساء أو ابتزازهن، وحتى الأصوات النسائية القوية، من صحافيات، فاعلات مجتمع مدني، أو حتى فنانات، لا تسلمن من «العنف الإلكتروني المنظم»، الذي يسعى إلى التشهير، الإقصاء، أو الترهيب.
نحو مجتمع خالٍ من العنف
لا يمكن لأي مجتمع أن يحمل قيم التقدم والديمقراطية أن يصم آذانه عن صرخات نصفه الأنثوي. فالمعركة ضد العنف ليست فقط قانونية، بل تربوية وثقافية بالأساس. وهنا يأتي دور الإعلام، والمدرسة، والمسجد، والأسرة في بناء وعي مجتمعي يرفض العنف، بكل أشكاله، ضد النساء. ويبقى الأمل معقودا على وعي الأجيال الجديدة، وعلى نساء لا يصمتن، وعلى رجال يؤمنون بأن المساواة لا تهدد رجولتهم، بل تثري إنسانيتهم.
يرى الكثير من المتتبعين أنه في ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة الملحّة إلى مقاربة شمولية لمناهضة العنف ضد النساء، تنطلق من تشخيص دقيق لأشكاله المتعددة، وتستند إلى آليات قانونية، تربوية، إعلامية وثقافية، لضمان مجتمع يحترم المرأة وحقوقها في كل الفضاءات، سواء المادية أو الرقمية. ومن هنا، تطرح هذه الظاهرة عدة إشكاليات تتعلق بفعالية القوانين، ونجاعة مؤسسات الحماية، ودور الإعلام والتربية في تغيير التمثلات المجتمعية حول العنف والنوع الاجتماعي..