عزاؤنا واحد في وفاة الدكتور خير الدين حسيب


تلقت القيادة الوطنية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بألم بالغ، رحيل المفكر العراقي خير الدين حسيب، المؤسس والرئيس الأسبق لمجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، والمشرف على مجلة المستقبل العربي، وأمين عام سابق لمنظمة “المؤتمر القومي العربي”،..
وبرحيل الفقيد خير الدين حسيب نفقد اليوم مثقفا عضويا وعموميا، كرس حياته واجتهاداته لتطوير الفكر العربي الوحدوي .
وولد الدكتور خير الدين حسيب عام 1929، في مدينة الموصل في العراق ونال شهادته الجامعية في بغداد، وتابع دراساته العليا في بريطانيا ونال الدكتوراه من جامعة كامبريدج في المالية العامة، ونشط في تلك الفترة بفعالية في الجمعيات الطلابية العربية حتى أصبح نائب رئيس “رابطة الطلاب العرب” في بريطانيا.
الدكتور خير الدين حسيب اختار لأطروحته موضوع “تقدير الدخل القومي العربي في العراق”، لأن الفقر في بلده قد أثر فيه، وتوقف في بداية قراءاته عند كتاب الدكتور يوسف الصايغ “الخبز مع الكرامة”، الذي صار شعار مركز دراسات الوحدة العربية الذي تولى موقع مديره العام سنة تأسيسه مع عدد من المفكرين والمثقفين عام 1975، ثم أصبح رئيساً لمجلس أمنائه.
عام 1961 اختير الدكتور خير الدين حسيب مديراً عاماً لاتحاد الصناعة، وفي العام نفسه أتيح له زيارة مصر، وبعد عودته بدأ العمل على مخطط لتشريعات اشتراكية منها “قانون تأميم البنوك” وتعديل “قانون ضريبة الدخل والتركات”، وبعد ذلك بعامين تولى وظيفة “محافظ البنك المركزي” بدرجة وزير، وأصبح رئيساً للمؤسسة الاقتصادية العامة في العراق التي أشرفت على جميع الأنشطة الاقتصادية بعد تأميم المشاريع الكبرى، وكان وراء دراسة اعتمدت كأساس في عملية تأميم النفط في العراق.
ويحسب للدكتور خير الدين حسيب دوره في إعطاء قرض لمصر بعد حرب 1967 خلال توليه المسؤولية، وربطته بالرئيس جمال عبد الناصر علاقة وطيدة، كما يحسب للدكتور خير الدين حسيب دوره ونضاله ضد سيطرة الشركات الأجنبية على نفط العراق وكبريته وثروته ومشاركته في محاربة الفساد.

ورغم انه لم يكن على خلاف فكري مع التيار الحاكم لكن هذا لم يمنع من دخوله السجن عام 1968 لمدة تسعة أشهر، متنقلا بين أربعة سجون، وذاق خلالها جميع أصناف التعذيب، لكن تصميمه وصلابته جعلته يتحمل كل الآلام.
بعد خروجه من السجن عاد إلى التدريس في جامعة بغداد، لكن أصحاب السلطة ضيقوا عليه فترك إلى بيروت عام 1974، وعمل في اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة، ثم ساهم في تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية في العام 1975، «كمركز فكر وثقافة يهدف لتعميق الوعي العربي بقضايا الأمّة العربية والتحديات التي تجابه الوحدة والنهوض»، وشغل منصب مديره العام ثم رئيس مجلس أمناء المركز إلى شتنبر 2017.
ولعل أبرز ما قام به الدكتور خير الدين حسيب خلال مسؤوليته في مركز دراسات الوحدة العربية كان تقديم مفكري المغرب العربي إلى المشرق العربي، وتقديم المراجع الثقافية والفكرية لأجيال من المثقفين والمبادرين العرب، فصدر عن المركز المئات من الكتب الهامة، ومجلة شهرية «المستقبل العربي» التي تصدر بانتظام منذ العام 1978، فلم تمنع الحروب في لبنان ولا الأوضاع العربية المتوترة من توقف إنتاج المركز، فاحتل مكانة مرموقة بين المراكز الاستشرافية والبحثية في الوطن العربي وخارجه.
همّ الوحدة العربية كان هاجس الدكتور خير الدين حسيب، فدأب على طرحه ومناقشته مع عدد من الشخصيات القومية، والتأكيد على السؤال حول الطريق إلى الحركة العربية الواحدة، وتبلورت تلك الأفكار بخطوة أولى تمثلت بإطلاق المؤتمر القومي العربي عام 1990 «كتجمع من المثقفين والممارسين العرب من مختلف الأقطار العربية ومن أجيال عدة مقتنعين بأهداف الأمّة العربية وراغبين في متابعة العمل من أجل تحقيق هذه الأهداف وإنجاز المشروع الحضاري القومي العربي وهي: الوحدة العربية والديمقراطية والتنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، والاستقلال الوطني والقومي، والتجدد الحضاري، وتحقيق التفاعل بين الوحدوين العرب».. وتولى موقع أول أمين عام للمؤتمر عام 1991، وجدّد له دورة ثانية لمدة ثلاث سنوات، ولكنه قدّم استقالته عام 1996، ثم انتخب مجدداً عام 2009، وقدم استقالته بعد عام.
كان مركز دراسات الوحدة العربية وعلى رأسه الدكتور خير الدين حسيب أحد الذين ارتبط بهم إطلاق مفهوم الكتلة التاريخية إلى جانب مفكرين غربيين وعرب كانطونيو غرامشي ومحمد عابد الجابري، فعمل الدكتور حسيب ومن موقعه كمدير عام للمركز مع المؤتمر القومي العربي على تأسيس المؤتمر القومي – الإسلامي عام 1994، كإطار لتلاقي تيارات الأمّة تعمل على ما تتفق عليه وتتحاور في ما تختلف عليه، وتتعاون لحشد طاقات الأمّة لتحقيق مشروعها الحضاري في تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة، وتحقيق الوحدة العربية، وتقوية الروابط العربية بالدائرة الإسلامية وسيادة الديمقراطية والشورى واحترام حقوق الإنسان وصولاً إلى تنمية مستقلة معتمدة على الذات ومرتكزة على العدل الاجتماعي.
الراحل الدكتور خير الدين حسيب كان همه أن يكون هناك مؤسسات عمل عربي متخصصة، فانطلقت من ندوات المركز أفكار تأسيسية للعديد من المنظمات.
فعلى هامش ندوة المركز في قبرص عام 1983، حول «أزمة الديمقراطية في الوطن العربي» انطلق المؤتمر التأسيسي للمنظمة العربية لحقوق الإنسان لتصبح منظمة مستقلة فاعلة وحاضرة في جميع المحافل المعنية بحقوق الإنسان.
كما انطلقت على هامش هذه الندوة أيضا الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية حيث بادر عدد من كبار الاقتصاديين العرب المشاركين في الندوة ودعوا لتأسيس الجمعية، وعقد اجتماعها التأسيسي في القاهرة في مارس 1982.
-وكذلك ساهم المركز في إطلاق الجمعية العربية لعلم الاجتماع عام 1985.
والمنظمة العربية للترجمة عام 1999، وذلك بعد إجراء دراسات مسحية لأوضاع الترجمة في الوطن العربي ودراسات أعدّها مركز دراسات الوحدة العربية.
والمنظمة العربية لمكافحة الفساد عام 2005، التي تأسست أثر مؤتمر عقده مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في شتنبر 2004 ناقش موضوعات الشفافية ومناهضة الفساد والحكم الصالح في الأقطار العربية.
رحم الله الفقيد وعزاؤنا واحد!


بتاريخ : 15/03/2021