لا تَذَر لِلعَبَثِ مصير المُحَيَّا،
لا تذر للفوضى قدر الرؤيا،
لا تغلق النوافذ وتدمن العزلة،
شتان بين العزلة والوحدة.
كن وحيدا بلا عزلة،
أضئ نور غرفتك،
لا تألف صحبة الظلال.
لاتنس… فمكتبتك لا يخنقها الغبار،
لكن يحزنها غبار الروح.

قَدْ يَلْعَنُونَ أيَّامَكَ،
قد يُؤَوِّلُونَ فَرَحًا سَهَرَكْ،
أَنَّكَ صِرْتَ سَبْيًا لِلشَّيْخُوخَة،
أَنَّكَ غَدَوْتَ عُرْيًا بِلَا كينونة…

لاتَتَأَفَّفْ،
وَأَنْتَ عَلَى رَصِيفِ الْمَقْهَى،
تُمْلِي الْكَلِمَاتِ عَلَى الْقَصِيدَةِ،
تَخْتَبِرُ صَبْرَ الْمَعَاجِمِ وَالْحَدَاثَة…
كُلَّمَا تَأَفَّفْتَ،
أَشْعَلْتَ ضَوْءً
فِي نَفَقِ ضَغِينَةٍ خَفِيَّة…

اكْتُمْ أَلَمَ الْمَفَاصِلِ،
وَأَنْتَ تَرْقَى السَّلَالِم،
اكْتُمْ وَهَنَ السَّاقِ،
اكتم غربة المذاق،
اكتم شهيتك المفتوحة،
وجمارك الأطباق.
اكتم انهيارك الحثيث،
وَأَنْت تَمْشِي حزينا…
تحمل الأَنِين الخفي بقصيدة،
تؤَجِّل اغْتِيَال الْقُلُوب،
الأَنِينُ فِي المحطات الباردة،
يُفْرِحُ صَيَّادَ الْعُيُوب،
وعقبان مقابر السقوط.

لَا تَخْتَبِرْ وَفَاءَهُم
بِالْغِيَاب وَالصَّمْت،
فَغِيَابُكَ عُرْسٌ لِغَيْرِكَ،
وَصَمْتُكَ نَشْوَةٌ
لِحَالِمٍ يَعُوزُهُ حِسُّ التَّأْوِيل…

خُذْ فِنْجَانَ قَهْوَةٍ سَوْدَاء،
وَأَمْلِ عَلَى الْعَالَم شُرُوطَكَ في البهاء…
لَا تُمْنِحِ الْعُيُونَ الْقَاتِلَةَ حق البقاء،
وَلِيمَةَ فُضُولٍ شَهِيَّة،
مِنْ أَعْطَابٍ خَفِيَّة…

لَوْ أَوْجَعَك حَوْضُ ظَهْرِكَ
وَأَنْتَ تَنْحَنِي،
لَا تَئِنَّ… لَا تصرخ،
لَاتَشْتَرِ عُكَّازًا،
يُلْهِمُ الغربان نَعْيًا قَبْلَ الأَوَان…

اكْتُمْ الأَنِينَ وَالْحَنِين،
خُذ زَمَنًا كَافِيًا
لِتَجْدِيدِ التوهج…
لَاتَدَعْهُمْ يَفْرَحُونَ
بِالنِّهَايَاتِ الباكِرَة،
دَعْهُمْ تَحْتَ مَظَلَّاتٍ
يَنْتَظِرُونَ خريف السنين…

دَعْهُمْ يُغَيِّرُونَ
بِذلَاتِهِمُ السَّوْدَاء،
يَمْشُونَ فِي جَنَازَاتٍ تَجْرِيبِيَّة…
يموتون غيظا،
من غيض أمانيهم المبعثرة.

احْلِقْ وَجْهَكَ كُلَّ صَبَاح،
لَاتَطْلُبْ مِنَ الْمرْآةِ
تَرْمِيمَ التجاعيد والتعويذات
هِيَ مُحَايِدَةٌ بَارِدَة…
رَمِّمْ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ،
اشْتَرِ عِطْرًا بَارِيسِيًّا،
رُشَّ الطَّرِيقَ…والقرطاس.

لَا تُسَامِحْ،
وَلَوْ بِابْتِسَامَةٍ،
أَعْدَاءَ كَالْخَفِيِّينْ…
اشْتَرِ قَمِيصًا جَدِيدًا كُلَّ حِين،
خُذْ حَمَّامًا
حَتَّى تَغْسِلَ ثِقْل السِّنِين،
فعطر الشيخوخة من زهر الليمون،
يقتل التافهين.

اقْرَأْ جَرِيدَةً وَرَقِيَّة،
فَالْوَرَقُ وَلِيمَةٌ عَقْلِيَّة،
لَا يُعَوِّضُهَا خَبَرٌ سَرِيع.

الدار البيضاء: 12.08.2023