عــوامــل الــنــجــاح المــدرســي

النجاح المدرسي يعد من المرامي الأساس للمدرسة،ومن الغايات المصرح بها التي يراهن عليها المشتغلون بحقل التربية والتكوين،لأن النجاح هو مؤشر على حسن سير المرفق التربوي،وقد أصبح هذا المفهوم يحظى باهتمام المشتغلين انطلاقا من مقاربات معرفة متنوعة.

 

 

يهتم بالنجاح المدرسي علماء الاجتماع حينما يقاربون أدوار المدرسة ونسق القيم الاجتماعية التي تسود المدرسة وعلاقات الفصل والوصل بين مجتمع المدرسة الصغير والمجتمع الكبير الذي يحتضنها،كما اتضح اهتمام علماء الاجتماع بالنجاع المدرسي من خلال اشتغالهم على نسق القيم التي تروجها المدرسة أو تلك التي تعمل على إعادة تشكيلها،كما انتقل الاشتغال على النجاح المدرسي من زاوية سيكولوجية انطلاقا من استشكال العلاقات البينية بين الأفراد داخل المدرسة ونسق الحالات النفسية التي تسود الوسط المدرسي كالعنف مثلا،واسترسل الأمر ليصل تشخيص الأعطاب النفسية التي تعاني منها المدرسة من قبيل الحديث عن الحالات المرضية السيكوباتية التي تنجلي في العلاقات بين الأفراد سواء في اتجاه السلوكات السوية أو غير السوية على اعتبار أن المقاربة النفسية تفكك السلوك البشري في تجلياته النفسية بغض النظر عن تمظهره كسلوك سوي أو غير سوي.ومن حهة أخرى حظي موضوع النجاح المدرسي باهتمام من طرف مقاربات أخرى كمقاربته من زاوية نسقية تحلل مختلف الأبعاد التي تتصل بالنجاح المدرسي كسيرورة متصلة
من العمليات تتبادل التأثير والتأثر وتراعي المدخلات والعمليات والمخرجات. في حين اتجهت مقاربات
الجودة الشاملة على أن النجاح المدرسي يتحدد بناء على تجويد الخدمات المقدمة للزبون/المتعلم والعمل على التحسين المستمر للخدمات.
إن تعدد المقاربات التي اتصلت بمفهوم النحاج المدرسي ينتج عنها اختلاف بين في تحديد هذا المفهوم بسبب تباين المنطلقات النظرية التي تستند لها كل مقاربة،فصاحب المنطلق الاجتماعي سيرى النجاح المدرسي من زاوية الوظائف الاجتماعية للمدرسة ومدى تفاعلها مع المحيط وقدرة المدرسة على الاستفادة من المحيط والتأثير فيه، أما صاحب الزاوية النفسية فمؤشر النجاح المدرسي قدرة المدرسة على تحصين المتعلم من الناحية النفسية ومنحه إمكانات بناء شخصية متوازنة نفسيا ،في حين يركز أنصار المقاربة النسقية أن النجاح المدرسي يقاس انطلاقا من القدرة على احترام العمليات والسيرورات والمخرجات النهائية مع الانضباط لروح النسق،والنتيجة التي نخلص لها صعوبة وضع تعريف واحد للنجاح المدرسي ويتضح ذلك من خلال ذكر التعريفات التالية:
فتعريف لاروس:» النجاح يعني الفوز والوصول لنتائج مرضية وجيدة» أما موسوعة علم النفس « النجاح يشير إلى وضعية الشخص الذي وصل إلى هدف كان قد حدده من قبل أو لتحقيق مهمة لمؤسسة ما « أما جاماتي « التلميذ الناجح هو ذاك الذي يحصل في الوقت المحدد على المعلومات الجيدة والمهارات العملية المقدمة في المؤسسة التربوية تطبيقا للبرامج الدراسية المعمول بها»بينما ذهب بادي 2012 إلى أن النجاح المدرسي « يتم عبر الحصول على مجموعة من النقط في كل مادة دراسية للمرور إلى مستوى أعلى ويكون في النهاية بالحصول على شهادة نهاية الدراسة»
من خلال إيراد هذه التعريفات نستنتج أن النجاح المدرسي يلامس الجوانب المرتبطة بالتحصيل المعرفي والعملي للمتعلم وفق مرحلة دراسية محددة تكون لها مخرجات محددة،وترتبط دائما بالتغيير والانتقال من وضعية الانطلاق ــــ ما قبل اكتساب المهارات والمعارف المقدمة في المدرسة ــــ إلى وضعية الوصول ـ التمكن من المعارف والمهارات والحصول على شهادة التأهيل،وهذا يعني أن النجاح المدرسي يقاس بدرجة تأهيل المتعلم للاندماج اجتماعيا واكتساب المعارف نظريا والتمرس بالمهارات عمليا،ومن جهة أخرى تفيدنا هذه التعاريف في الكشف عن النسق النظري الذي الذي يحكمها ويشكل خلفية لها وكأني بتعريف لاروس ينطلق من المقاربة بالنتائج لأنه يعتبر النجاح الوصول لنتائج جيدة ومرضية، في حين موسوعة علم النفس تنطلق من مركزية المتعلم ومدى تحقيق الرضا عن الوضعية التي وصل لها وهو رضى نفسي بالضرورة،أما تعريف جاماتي فتحكمه خلفية نسقية لأنه استحضر البعد العملياتي والمعرفي والمهاري والمؤسساتي والتنظيمي،أما تعريف بادي فهو ينهل من خلفية نفعية براجماتية لأنه يعتبر النجاح تحصيل مجموعة من النقط للتأهيل للحصول على شهادة. وعليه فالنجاح المدرسي يتطلب تحديد نقطة الانطلاق والوصول والوسائل والآليات التي تساعد على تحقيقه وجرد المتدخلون ومدى تأثيرهم سلبا وإيجابا في تحقيقه،وكل حديث عن النجاح المدرسي دون استحضار هذه العناصر المتدخلة سيكون مجرد ملامسة للموضوع من الخارج دون الغوص فيه من داخل البنيات المتحكمة فيه.
من وراء كل ظاهرة عوامل قد تكون مباشرة تسهم في تغيير وتثوير النسق وقد تكون غير مباشرة لها آثار جانبية على الظاهرة دون أن يعني ذلك أنها لا تؤثر على النسق بمرور الزمن،ويقصد بالعوامل كل عنصر خارجي أو داخلي عن الظاهرة له ارتباط بالمجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو النفسي ويؤثر على التفاعلات التي تطرأ على الظاهرة، وتتوقف المعالجة الشمولية لكل ظاهرة على الفهم الجيد للعوامل التي تتحكم فيها ،فعلى قدر ضبطها وتصنيفها إلى عوامل مباشرة وغير مباشرة أو درجة تأثيرها يسهل معالجة الظاهرة، وهذا ينطبق على عوامل النجاح المدرسي إذ لا يمكن فصله عن العوامل المرتبطة بالمحيط والأسرة والتفاعلات الاجتماعية والثقافية داخل بنية الأسر والدينامية التي يعرفها المجتمع سواء في اتجاه ترسيخ القيم الإيجابية أو تواتر القيم السلبية مما يؤثر على تحقيق النجاح المدرسي.ومما يؤكد ذلك أن الميثاق الوظني للتربية والتكوين أفرز مجالا من مجالات التجديد للمحيط الاقتصادي حيث عنون هذا المجال « بنشر التعليم وربطه بالمحيط الاقتصادي» مما يؤشر على مركزية المحيط في النحاح المدرسي سواء المحيط الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي،بل خصص أكثر حينما ركز في الدعامة الثالثة ضمن هذا المجال على « السعي لإحداث تلاؤم بين النظام التربوي والمحيط الاقتصادي» كما استفاض الميثاق في الحديث عن دور المحيط في الدعامة السالفة من خلال دعوته « انفتاح مؤسسات التربية والتكوين على المؤسسات العمومية والخاصة والتي من شأنها دعم الجانب التطبيقي في التعليم وتنويع الوسائل والدعامات الديداكتيكية ،وتنظيم تمارين تطبيقية توافق المستوى العمري للمتعلمين»1وهذا يدل أن الميثاق كانا سباقا لاكتشاف دور عامل المحيط في تحقيق النجاح المدرسي،
أما الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ 2030 فقد استحضرت كذلك عوامل النجاح المدرسي بكثير من التفصيل خصوصا عامل المحيط الاجتماعي ويظهر ذلك منذ الرافعة الثالثة التي تدعو « لتمييز إيجابي لفائدة الأوساط القروية وشبه الحضرية والمناطق ذات الخصاص» وفي الرافعة السادسة عشر التي تدعو « لملاءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البلاد ومهن المستقبل والتمكين من الاندماج»ومن خلال هاتين الدعامتين يتضح أن للمحيط الاجتماعي والاقتصادي دورا طلائعيا في التأثير على النجاح المدرسي.أما في التدابير ذات الأولوية فيتجلى استحضار عنصر المحيط في تحقيق النجاح المدرسي من خلال المحور الرابع المعنون «بالكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي لأنه نص على تأهيل مؤسسات التفتح التي تشمل الأنشطة الثقافية والفنية والرياضية واللغات والانخراط في تفعيل روح المبادرة والحس المقاولاتي،كما نص المحور الثامن من هذه التدابير على تخليق المدرسة بالاشتغال على القيم والنزاهة وهذا يستضمر البعد القيمي والأخلاقي ودور الأسر ووسائل الإعلام وكل ماله صلة بالمدرسة2ويتجلى استحضار عامل المحيط أيضا في حافطة المشاريع المندمجة لتنزيل الرؤية الاستراتيجية في المشروع المندمج رقم 15 بعنوان « تعزيز تعبئة الفاعلين والشركاء حول المدرسة المغربية وهو متصل بمجال التدخل الثالث المرتبط بالحكامة والتعبئة،وقد وضعت الوزارة آليات للتتبع والتنفيد3
تأسيسا على ما سلف بيانه نقارب موضوع النجاح المدرسي انطلاقا من مقاربة نسقية شمولية تعتبر النجاح المدرسي محصلة لتضافر مجموعة من العوامل والمحددات يكون لها كبير الأثر سلبا وإيجابا على مؤشرات النجاح،إذا لانتصور تحقيق النجاح المدرسي بدون استحضار بعد الماكرو والميكرو،لأن المقاربة المجهرية (الميكرو) للنجاح تقف عند القسم وتفاعلاته وما يحدث فيه من تأثير وتأثر يشمل المدرس والمتعلم والبرامج والمناهج والتوجيهات التربوية وبالتالي تفي بالغرض في وصف ما هو كائن،أما المقاربة الكلية فتفي بغرض التفسير والتأويل عن طريق البحث مخرجات القسم في المدرسة والأسرة والمحيط. فنكون بذلك أوفياء لثنائية الفهم والتفسير،في المرحلة الأولى نشغل الوصف وفي الثانية نشغل التأويل قصد اقتراح الإجراءات العملية لمعالجة الظاهرة.

المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – جهة سوس ماسة*
مسلك تكوين الإدارة التربوية


الكاتب : المحجوب أمان

  

بتاريخ : 04/10/2017