نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..
كان القائد عيسى بن عمر ملزما باخبار السلطان بكل ما يقع داخل أيالته ، ولذلك كان يستوضحه أحيانا ويستخبره عن كل القضايا التي تحدث، ويتلقى جوابا حولها ولم يكن السلطان يكتفي بالجواب ، كان يناقشه بناء على ما لديه من معطيات استقاها من المعلومات التي ترد من بعض مخبريه ، حيث كانت مصادر الأخبار التي اعتمدها المخزن لضبط تصرفات أعوانه متعددة ، وكان من بينها ، استعمال القواد لمراقبة بعضهم ،فالقائد عيسى بن عمر كان يراقب تصرفات قائد قبيلة الربيعة الشافعي بن الحافظي . وقد أخبر السلطان بأن الشافعي منع أحد الأشياخ من استغلال أراضيه ، فكتب له السلطان يستخبره عن صدق ذلك…(ان الخادم عيسى بن عمر أخبرنا أنك منعت الشيخ مبارك بن البحاثري من استغلال أرضه التي كان يستغلها منذ فترة أخيك وبالضبط منذ عشرين سنة مضت ، وأنت الأن تحاول منعه منها ، وعليه فنأمرك أن تبين الأسباب التي دفعت لهذا العمل ازاء الشيخ المذكور.
وبعث السلطان الى القائد عيسى بن عمر يستخبره حول أحد الأشياخ من قبيلة الربيعة أيالة الشافعي بن الحافظي ، ويأمره بتقصي الحقائق والقيام بالتحريات اللازمة لمعرفة سوابق الشيخ الجيلالي الدكالي الذي كان يقيم بأسفي ، وله ( عزيب )أيالة القائد الشافعي بن الحافظي ،والتأكد من أصله ، هل هو دكالي كما يفهم من نسبه ،أم هو عبدي ، ثم هل سبق أن تولى الشياخة بأيالة القئد بن الحافظي ، أم أيالة أخرى . ولعل الدقة المطلوبة في مثل هذه التحريات ، تؤكد أن السلطان كان حريصا على التأكد من هوية أعوان المخزن المحلي . وأحيانا كان السلطان يستوضح القائد نفسه بناء على ما لديه من معلومات ، فكتب له يستخبره حول حالة أربعة من الأعوان ، كانوا في خدمة المخزن وتم ابعادهم لأسباب مجهولة ، ولم تنطل على السلطان ادعاءات القائد وتحريفه لمجرى الأمور بعد أن تبين له خطأ ادعائه، وعدم مطابقته أقواله للحقيقة ، فأمره بضرورة ارجاعهم للخدمة المخزنية والاعتماد عليهم نظرا لأهميتهم داخل الجماعة .
(ترصد القائد لتركة أعبان السلطة).
كان السلطان المولى الحسن حريصا على رصد تركة أعوان المخزن المحلي ، وبالأخص منهم القواد ، قصد احصاء ثرواتهم ومصادرتها .وتتعدد الوثائق في هذا الباب وبالأخص منها : ( ببان تركة بعض القواد الذي اشتمل على متروك اثنين و خمسين قائدا، من بينهم ثلاثة قواد من عبدة وهم : القائد محمد بن عمر — والقائد أحمد بن العياشي — والقائد أحمد الحافظي . وهي تركات تتفاوت أهميتها حسب نوع الثروة التي راكمها القائد أثناء تولية منصب القيادة ،و لا تقتصر المتابعة بالنسبة للقواد فقط ، بل كانت تتعداها أحيانا لبعض أعوان المخزن أو من كان ينتمي الى حاشياتهم ، ويهمنا منها ما كان يتصل بالقائد عيسى بن عمر . فقد كتب اليه الحاجب أحمد بن موسى ينصحه ويحثه على الصدق لادراك غاية مراده فيقول : (و لا يخفاك أن السبب الموصل الى ادراك المأمول هو الصدق ، وبه أدأخوك رحمه الله ما أدره ، فانه لما توفي عمه رحم الله الجميع ، أحصى جميع مترروكه ، ولم يدع من لا شاذة ولا فادة ، وقدم بذلك لسيدنا ، فأدرك بذلك غايته ومراده ، وعليه فبالغ جهدك في الصدق والنصيحة بجانب سيدنا أعزه الله .
وتوحي لنا هذه الرسالة ، بأن القائد عييى بن عمر ربما تغافل عن تقيم احصاء متروك ضم أحد أفراد أسرته الى المخزن المركزي ، مما جعل أحمد بن موسى ينبه الى ضرورة الصدق في ذلك ، فهو الذي أوصل أخوه القائد محمد بن عمر الى المأمول والمبتغى . ولم يتردد القائد عيسى بن عمر في العمل بنصيحة الحاجب ، فقام باحصاء متروك ابن عمه عبد السلام بن القائد أحمد بن عيسى . وأخبر الحاجب بذلك ، فأجابه برسالة يقول فيها : وافانا كتابك مخبرا بأنك أحصيت متروك عبد السلام بن أحمد بن عيسى وفق أمرنا الشريف قيدته في الزمام الذي وجهت طي كتابك ، وصار بالبال . ولم يسجل من هذا المتروك في كناش ( بيان تركة بعض القواد) ، الا ما تركه عبد السلام من الماشية ومطامير الحبوب ..