«على حافة البحر» يعكس فلسفة المخرج محمد الهوري حول الهجرة غير الشرعية

 

صدر للمخرج الشاب محمد الهوري ، صاحب الفيلم القصير» إعدام ميت» المتوج في عدة مهرجانات ، عملا فنيا جديدا، أرفقه بكليب يتحدث عن نفس التيمة ويمتاز بلمسات موسيقية متنوعة وراقية أضفت على العمل نكهة خاصة و أغرت بمشاهدة هذا الفيلم القصير الجديد.
حول هذا العمل الفني للمخرج الهوري ، الذي للمناسبة ساهم في المسابقة الرسمية خلال الدورة ال22 للمهرجان الوطني بطنجة التي امتدت من 16 إلى 24 شتنبر، كان لقاء الجريدة بهذا الأخير لاستكشاف كيفية تأثيته للفيلم من ناحية التصوير والموضوع واختيار الممثلين..
و قد صرح محمد الهوري بأن عمله هو عبارة عن فيلم قصير يحمل عنوان «على حافة البحر» و يتحدث موضوعه عن «الحراكة» ومعاناة هؤلاء الذين يغامرون بحياتهم بامتطاء الامواج و يغادرون موطنهم بطريقة غير شرعية ، وهو عصارة تجارب ومشروع فكرة، كانت تراوده منذ مدة و خاصة في الفترة التي تسلسلت فيها أخبار حوادث الهجرة غير الشرعية. فضلا عن هذا فقد ركز في فيلم «على حافة البحر» على الأشخاص الذين ينتمون للبادية، عكس ما تم اعتياده في عدة أفلام، وصور تصرفات هؤلاء الذين يعيشون في القرى ولهم حلم الهجرة لتحسين أوضاعهم، حسب ظنهم.
فحلم الهجرة هذا يراود الكثيرمن شباب البادية ، ويجعل بعض الآباء يضطرون لبيع ممتلكاتهم قصد تمكينهم من السفر، معتبرين بأنهم بذلك ينقذون فلذات أكبادهم . وهي الفئة التي عانت الاكثر، حسب رأي المخرج الهوري ، لأنه تم استغلال سذاجتهم من طرف الوسطاء (أو السماسرة) الذين يأخذون النقوذ مقابل أن يبرمجوا أمر سفرهم اللاشرعي ، و أكثرهم لم يعبروا البحر حتى، وتم العثور على جثتهم في الشواطئ .
قصة الفيلم تتضمن شخصيتين رئيسيتين، شخصية خالد الشاب الذي يريد الهجرة وشخصية الجدة التي تقمصتها الفنانة المقتدرة «راوية» ، وتؤدي فيها دور سيدة مسنة ومقعدة. واختارشخصية الجدة بدل الأم، لأن للجدة ، في اعتقاده، علاقة خاصة ومتميزة بالحفيد ، وهذا ما تتطلبه حبكة الفيلم لتبين جوانبه الدرامية والإنسانية بشكل أكبر. أما عن الشخصية الثالثة في العمل الفني، فقد اختار إضافتها ليجعل بها توازنا في السيناريو، على حد قوله، هي شخصية صامتة ، وتحكي عن أب مكلوم سبق وفقد إبنه في مغامرة البحث عن «ما وراء البحر»، إلا أن أمواج البحر أعادته جثة هامدة، مما جعله يعتبر «خالد» مسؤوليته الشخصية ويرى فيه ابنه الذي أضاعه، يراقبه من بعيد بغاية ثنيه عن نواياه المميتة .
واسترسل مفسرا بأن الشخصية الثالثة في العمل، ربما تبدو غير رئيسية لكن لها أهميتها، خصوصا عندما يكون الممثل الذي اختاره ليؤديها هو من طينة محمد القلع المعروف في مجال الكوميديا عند الجمهور المغربي، لكنه اكتشفه هو في المجال الدرامي، وخاصة من خلال تعابير وجهه وعفويته في الأداء. و أردف قائلا بأن هذا يبين بأننا في بعض الأحيان لا نستفيد من مواهب بعض الفنانين ،فقط لكوننا حشرناهم في قالب معين ولم نعطهم الفرصة والمساحة المناسبتين للتعبير عن جوانب أخرى ضمن مهاراتهم.
و للخلاصة، فقصة فيلم «على حافة البحر» تحكي عن أسرة متوسطة العيش، وتتكون من جدة وحفيد شاب يحلم بالهجرة، يحدق في البحر كلما استطاع أن ينفلت من مسؤولياته اليومية والروتينية والتي تتمثل في اعتنائه بجدته المقعدة والقيام بالأعمال المنزلية داخل البيت وبالحقل، أيضا، وبالتالي تشل آماله بآفاق أخرى، وتجعل من عوالمه محدودة ورتيبة. «فخالد»، إذن، يشعر أنه مقيد و ليس له هامش من الحرية الكافية لتعمه السكينة . وفي هذا الصدد أقر محمد الهوري بأنه رغب أثناء كتابة السيناريو أن يسطر على أن الإنسان هو سجين بيئته و عبدا لمحيطه ، لأنه لا يجد بديلا عنه وسجينا له مادام لا شيء يتغير .
و حول ظروف التصوير والمدة الزمنية التي تطلبتها منه، صرح الهوري بأن العمل الفني يأخذ منه عامة سنة كاملة تقريبا من الإشتغال، وتدخل ضمنها كتابة السيناريو ، أما «على حافة البحر» ، فقد تطلب وقتا أكبر ، لأنه كما سبق وصرح هو عصارة موضوع أرقه و أخذ اهتمامه وأراد أن يخرجه في أحسن حلة. و أضاف أن «الحريك» هو فلسفة ممكن للمصور الفوتوغرافي أن يعبر عنها من خلال صورة واحدة متقنة ، و أكد بأنه من النوع الذي يحب أن تكون الصورة معبرة وهي التي تروج للفيلم، و بالنسبة للآفيش، فقد كان أمامه اختيارين: صورة البحر مع المركب، وصورة / لقطة من الفيلم وتعكس البطل يواجه البحرويتأمل فيه، واختار هاته الأخيرة لأنها بالنسبة إليه هي التي تبرز أكثر مفهوم الحافة التي يرى بأن البطل متوجه إليها.
وبالموازاة مع الأفيش، ارتآى الهوري أن يخرج «كليب» يتحدث عن نفس التيمة و يكون بمتابة «تيزر» يغري بالمشاهدة، وهو عصارة عمل مشترك مع الفنان الموسيقي ادريس الودغيري الذي ألف موسيقى تحت عنوان «طريق العبودية» Slave road
نفس التيمة التي يظهرها الفيلم القصير الذي يتحدث عن عبودية الإنسان المعاصر.
و ذكر الهوري بأنه يحب أن يوظف في أفلامه فنون أخرى ، ففي فيلم «إعدام ميت» وظف فن الرسم، وفي فيلم ‘على حافة البحر» اختار توظيف الزجل وكتب شعرا يعبر عن هاته الوضعية. كما أن الكليب خصص له سيناريو خاص به، وهو للإشارة مجرد موسيقى بدون كلام، ووظف فيه التعبير التصويري و كوريغرافيا تمزج ما بين الرقص المغربي والجنوب الإفريقي .
بالنسبة للهوري الفيلم القصير، عكس الطويل، يتطلب فكرة واحدة ، و الفكرة الأصلية لفيلم «على حافة البحر» هي موضوع الهجرة السرية ودوافعها، والمخرج تناول نوعا ما تيمة الفيلم من جانب فلسفي واجتماعي هو الدارس للسوسيولوجبا والحاصل على شهادة الإجازة بها. و من وجهة نظره تكمن الدوافع لل»الحريك»في عدم الإحساس بالحرية و كيفية التعبير عنها، أما حلم ما وراء البحر فهو قد يكون هو «الحافة» التي يسقط فيها الشخص. و استردف الهوري موضحا فكرته قائلا بأنه حاليا هناك عبودية متطورة ، و رسالته هو أن طريق الحرية هو الفن بجميع أنواعه، بنفس الشكل الذي يعتبر فيه العلم، كدراسة، هو حرية فكرية.
من جهة أخرى، صرح محمد الهوري بأنه منهمك حاليا في إعداد فيلمه الطويل الذي يتمحور موضوعه حول صراع الأجيال وصراع الثقافات واسترسل مفسرا بأنه اكتشف اهتمامه بهاته التيمة الغنية، أثناء دراسته بشعبة علم الإجتماع، مما أدى به إلى اختياره كمادة بحث نهاية السنة الثالثة التي حصل من خلالها على الإجازة .
و حول سؤال الجريدة عن المشكل الديبلوماسي ما بين المغرب وتونس ومدى تأثر المثقفين والفنانين به في نظره، خاصة كون محمد الهوري فنان يشارك في مهرجانات ويلتقي نظراءه من جنسيات مختلفة ويربط علاقات معهم ومن بينهم مغاربيين ، يرى هذا الأخير، بأن الأزمة تؤثر بطريقة غير مباشرة ، وتجعل الكل يتأسف على ما يقع، لأنها تتسبب في شرخ في الفن و في الثقافة ككل، فالفنان في آخر المطاف هو سفير، يعمل على الجمع ما بين الشعوب، وعندما تحدث أزمة يرى مجهوداته تتلاشى نوعا ما، فالفن يجمع لكن للاسف السياسة تفرق بسبب المصالح الشخصية . ومع ذلك فهو متفائل ويرى بأنه على العموم، في كل مرة تظهر ازمة ديبلوماسية، فإن الفنانين يحاولون ما أمكن التشبت بعلاقاتهم الودية.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 30/09/2022