على خلفية الصراع بين باريس وأنقرة حول الغاز

قمة دول أوربا المتوسطية
تصعد من لهجتها تجاه تركيا

على هامش قمة دول أوربا المتوسطية المنعقدة بجزيرة كورسيكا يوم الخمس الماضي، هاجم الرئيس الفرنسي كلا من تركيا وروسيا واتهمها بالامبريالية، ودعا أوربا الى الوحدة من أجل حماية مصالحها. وقال إن «بحرنا الأبيض المتوسط اليوم مسرح لنزاعات مستمرة، في سوريا، في ليبيا (…) للعبة هيمنة تمارسها قوى تاريخية تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة كافة، والدور الروسي كما التركي يثيران قلقنا في هذا الصدد.» وهي نبرة فرنسية جديدة قوية وهجومية لم تكن تستعملها باريس مع جيرانها بالمنطقة الاوربية، وهو ما يعني تحولا في السياسة الخارجية لفرنسا التي كانت تنحو في السابق الى تفضيل لغة الحوار بدل لغة العنف والتهديد في المنطقة، كما قامت ببعث تعزيزات عسكرية الى شرق المتوسط وهددت تركيا بعقوبات أوربية.
وفي ختام قمة دول الاتحاد الأوروبي المتوسطية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الخميس، أن هذه الدول السبع تريد «حوارا بنية حسنة» مع تركيا، محذرا في الوقت نفسه أنقرة من فرض عقوبات أوروبية عليها إذا لم توقف سياسة «المواجهة» في شرق المتوسط .
ويعمل الرئيس الفرنسي على تعبئة حلفائه الأوربيين في أفق القمة التي ستجمعهم قبل نهاية الشهر الحالي في بروكسيل في جلسة غير عادية للبت في الخلافات مع تركيا. وتسعى فرنسا لإقناع المانيا وبلدان شرق أوربا بسياسة العقوبات ضد أنقرة من أجل ثنيها على الاستمرار في التنقيب على الغاز في المنطقة في ظل الخلافات بينهما حول الحدود البحرية.
وقال ماكرون في ختام قمة لرؤساء الدول والحكومات السبع استضافها في جزيرة كورسيكا الفرنسية، «نعتقد أنه إذا لم تمض تركيا قدما على طريق الحوار وتضع حد ا لأنشطتها الأحادية الجانب، فإن الاتحاد الأوروبي مستعد لوضع قائمة بإجراءات تقييدية إضافية يمكن مناقشتها في المجلس الأوروبي الذي سيجتمع يومي 24 و25 شتنبر 2020.»
وأضاف خلال تلاوته البيان الختامي للقمة السباعية (فرنسا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وقبرص ومالطا وإسبانيا والبرتغال) أنه في حال لم تمتثل أنقرة لهذه الشروط و»رفضت الاستماع إلى المنطق» فلن يكون أمام القادة الأوروبيين من «خيار آخر» سوى فرض «عقوبات كبيرة» عليها.
وشد د الرئيس الفرنسي على «الرغبة في إطلاق حوار مسؤول وإيجاد سبل للتوازن (…) من دون أي سذاجة» و»بنية حسنة.»
وإذ ندد ماكرون بـ»لعبة هيمنة تمارسها قوى تاريخية» في البحر الأبيض المتوسط وليبيا وسوريا، مسميا تركيا وكذلك أيضا روسيا، دعا في نفس الوقت إلى إحلال «سلام متوسطي».
وقال إن «بحرنا الأبيض المتوسط اليوم مسرح لنزاعات مستمرة، في سوريا، في ليبيا (…) للعبة هيمنة تمارسها قوى تاريخية تسعى إلى زعزعة استقرار المنطقة كافة، والدور الروسي كما التركي يثيران قلقنا في هذا الصدد.
ومنذ أشهر يتصاعد التوتر في شرق المتوسط، حيث ينتهج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سياسة توسعية تقع اليونان وقبرص على خط المواجهة فيها. وفرنسا هي إحدى الدول الأكثر ثباتا في دعمها لأثينا ونيقوسيا وقد ذهبت إلى حد نشر قطع عسكرية في المنطقة.
وكان ماكرون دعا قبيل انعقاد القمة دول أوروبا إلى التحدث بصوت ينم عن مزيد من «الوحدة والوضوح» تجاه تركيا التي «لم تعد شريكة « في شرق المتوسط.
وقال الرئيس الفرنسي «نحن كأوروبيين علينا أن نكون واضحين وحازمين مع حكومة الرئيس إردوغان التي تقوم اليوم بتصرفات غير مقبولة. «
ودعا ماكرون أنقرة إلى أن «توضح نواياها» معبرا في الوقت نفسه عن «رغبته العميقة في بدء حوار مثمر مجددا مع تركيا».
وأكد أن «ممارسات غير مقبولة حصلت على السواحل الليبية» تجاه فرقاطة فرنسية كانت تعمل تحت قيادة حلف شمال الأطلسي. وأضاف أن «تركيا وقعت اتفاقات غير مقبولة مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، منكرة الحقوق الشرعية لليونان»، مشيرا أيضا إلى أن تركيا تقوم بعمليات تنقيب في المنطقة القبرصية (…) تعد غير مقبولة. ورأى أن «تركيا لم تعد شريكة في هذه المنطقة.»
ولم يتأخر رد تركيا التي دانت تصريحات ماكرون «الوقحة»، متهمة الرئيس الفرنسي بأنه «يعرض للخطر» مصالح أوروبا. وقالت وزارة الخارجية التركية إن «الرئيس ماكرون أدلى مجددا بتصريحات وقحة، بفكر استعماري قديم.»
وأكدت أنقرة أن الرئيس الفرنسي «يعرض للخطر مصالح أوروبا والاتحاد الأوروبي».
وكان ماكرون أدان الأربعاء «المحاولات الامبريالية لبعض القوى الكبرى في المتوسط»، داعيا أوروبا إلى الدفاع عن «مصالحها في مجال الطاقة والجيواستراتيجية في هذه المنطقة». ونقلت مصادر في محيطه عنه قوله إن الأمر يتعلق «بالسيادة» الأوروبية.
وضمت القمة السابعة لمجموعة «ميد 7»، وهو الاجتماع غير الرسمي للدول الجنوبية في الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى ماكرون كلا من رؤساء وزراء إيطاليا جوزيبي كونتي وإسبانيا بيدرو سانشيز واليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس والبرتغال انطونيو كوستا ومالطا روبرت أبيلا والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس.
وقبل القمة حذر رئيس الوزراء اليوناني من أنه ليس أمام القادة الأوروبيين من خيار سوى فرض «عقوبات كبيرة» على تركيا إذا لم تعد إلى الحكمة في شرق المتوسط.
وقال ميتسوتاكيس في مقال نشرته صحيفة» لوموند الفرنسية «قبل نهاية الشهر سيجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في جلسة غير عادية للبت في ما يجب القيام به بعد ذلك.
وأضاف «إذا رفضت تركيا الإصغاء للمنطق حتى ذلك الحين، فلا أرى خيار ا آخر لدى زملائي القادة الأوروبيين، سوى فرض عقوبات كبيرة»، معتبرا أن «الأمر لم يعد يتعلق بالتضامن الأوروبي فقط. إنه يتعلق بالاعتراف بأن المصالح الحيوية – المصالح الأوروبية الإستراتيجية – أصبحت الآن على المحك.
وأضاف «إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد ممارسة سلطة جيوسياسية حقيقية، فلا يمكنه ببساطة استرضاء تركيا التي تنزع إلى الحرب»، مضيفا «ما زال أمام تركيا وقت لتفادي العقوبات والتراجع ورسم الطريق للخروج من هذه الأزمة. إنها تحتاج ببساطة إلى الامتناع عن أي نشاط بحري وعلمي في منطقة بحرية لم ترسم حدودها، وأن تخفف من لهجتها العدوانية».
ووفقا لقصر الإليزيه فإن «هذه المفاوضات تعذر استئنافها في نهاية غشت لأن الأتراك لم يعودوا إلى طاولة المفاوضات». وأضاف أنه يجب «العمل من أجل استئناف الوساطة الألمانية التي بدأت بين اليونان وتركيا». ويفترض أن تتناول المفاوضات خصوصا ترسيم المناطق الحصرية في شرق المتوسط.
من جهتها، تحث تركيا الاتحاد الأوروبي على البقاء «محايدا»، مؤكدة أن التهديد بفرض عقوبات «لن يساعد في حل المشكلة».


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 14/09/2020