بهدف تعزيز جاذبيتها السياحية، ستدخل الدار البيضاء نادي المدن المتوفرة على نقل سياحي سيوفر على السياح مشقة الانتقال بين المعالم السياحية المتباعدة، ففي آخر دورة استثنائية له صادق المجلس الجماعي للمدينة على اتفاقية شراكة بين وزارة الداخلية ووزارة السياحة والصناعة التقليدية (الشركة المغربية للهندسة السياحية)، وولاية جهة الدار البيضاء، ومجلس جهة الدار البيضاء، والجماعة، ومؤسسة التعاون بين الجماعات «البيضاء»، وشركة للنقل وشركة «ألزا البيضاء»، تتعلق باقتناء أربع حافلات سياحية لفائدة مؤسسة التعاون بين الجماعات.
هذا المشروع يدخل في إطار استعدادات العاصمة الاقتصادية لاستضافة فعاليات قارية ودولية، مثل كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، كما يهدف إلى تعزيز الجاذبية السياحية للمدينة وتعزيز أسطول النقل الحضري لفائدة السياح القادمين إلى العاصمة الاقتصادية.
هذا وسيتم، حسب ما جاء في الاتفاقية، اقتناء أربع حافلات سياحية بـ25 مليون درهم. ستساهم الشركة المغربية للهندسة السياحية بـ10 ملايين درهم، ومجلس جهة الدار البيضاء سطات بـ5 ملايين درهم، بينما ستساهم جماعة الدار البيضاء صاحبة المشروع بـ10 ملايين درهم.
الدار البيضاء، التي تعد من المدن التي تزخر بمؤهلات سياحية متميزة، وبذلك فهي تمزج بين التراث الثقافي والتطور الحضري، من خلال معالم سياحية شهيرة تستقطب السياح من مختلف أنحاء العالم، مثل مسجد الحسن الثاني، الذي يُعد واحدا من أكبر المساجد في العالم ويمثل تحفة معمارية تجمع بين الحداثة والمعمار المغربي الأصيل، بالإضافة إلى ذلك، هناك المدينة القديمة داخل السور التي تحتضن أسواقا تقليدية ومزارات وأضرحة وصقالة وساحات وأزقة كانت مسرحا للعديد من الأحداث عبر التاريخ خصوصا أوائل القرن العشرين، وحي الحبوس المعروف بمعماره التقليدي المغربي الأصيل وأقواسه ومكتباته ومحلاته وبازاراته التي تعرض صناعة تقليدية مغربية أصيلة، والذي يحتضن القصر الملكي والمسجد المحمدي المبني سنة 1935 ومحكمة الباشا التي بنيت بطريقة تقليدية لم يستعمل فيها الإسمنت بل تم بناؤها بتقنية حجر بحجر، وتتسم المحكمة بخصائص معمارية تقليدية مغربية أصيلة ويزين أسقفها خشب الأرز الذي تم جلبه من منطقة الأطلس المتوسط والجبس المنقوش بيد معلمين مغاربة متمكنين من صنعتهم وقطع الزليج اللامعة والملونة المرصوصة بفن وذوق وبإتقان مبهر لا يعرف أسراره سوى الصانع المغربي كما تم تصميم فنائها الداخلي بأسلوب الرياض المغربي بالرخام الأبيض والرمادي، فضلا عن أحواض النباتات التي أضفت جمالا على هذا البناء الذي يعكس بكل تجلي ووضوح المعمار والتراث المغربي الضارب في القدم.
إلى جانب ذلك، تضم المدينة معالم أخرى مميزة مثل كورنيش عين الذئاب الذي يُعد مكانا مثاليا للاستمتاع بجمال البحر ومرافق الترفيه المتنوعة، ومنتزه الجامعة العربية، الذي يُعتبر مساحة خضراء هادئة وسط صخب المدينة، وكنيسة القلب المقدس، التي تمثل واحدة من أبرز المعالم ذات الطابع المعماري المتميز في الدار البيضاء.
ولكن رغم ذلك فإنها تعاني من عدة تحديات في القطاع السياحي، من أبرزها نقص وسائل النقل المخصصة للسياح، مما يجعل استكشاف المدينة أكثر صعوبة بالنسبة للزوار، فرغم ثراء الدار البيضاء بالمعالم السياحية، فإن السياح غالبا ما يواجهون صعوبة في التنقل بين هذه المواقع نظرا لتباعدها وغياب وسائل نقل سياحية منظمة. هذا العائق يُعد تحديا كبيرا للسياح الذين قد يجدون أنفسهم مضطرين للاعتماد على وسائل نقل غير مريحة أو مكلفة، أو قد يتعرضون لبعض الحوادث المؤسفة التي لا تخدم صورة المغرب المقبل على استحقاقات عالمية.
إن توفير حافلات سياحية مخصصة سيكون حلا ناجعا لهذا الإشكال. مثل هذه الحافلات يمكن أن تقدم جولات مبرمجة تشمل أهم المعالم، مع مرشدين سياحيين يشرحون تاريخ وثقافة المدينة. هذا النموذج ناجح في العديد من المدن العالمية مثل لندن وباريس، ومدن مغربية أيضا مثل طنجة، حيث تُعتبر الحافلات السياحية جزءا أساسيا من تجربة السائح .
وكان عدد من المهنيين في القطاع السياحي خصوصا تجار منطقة الحبوس يطالبون بتوفير حافلات سياحية تسهّل وصول الزوار إلى هذه المنطقة التي تعد مركزًا للحرف التقليدية والهدايا التذكارية، ويعتبر التجار أن نقص وسائل النقل المخصصة للسياح يقلل من عدد الزوار ويؤثر سلبا على نشاطهم التجاري.
كما أن بعض المزارات السياحية مثل منتزه الجامعة العربية وكنيسة القلب المقدس تقع في أماكن متباعدة نسبيا، مما يجعل التنقل بينها مرهقا خصوصا للزوار الذين لا يعرفون البيضاء جيدا ولا يزورون المدينة في إطار زيارات سياحية منظمة المسار والوجهات تسهل برنامج اكتشافهم للمدينة.
لم تحدد الاتفاقية المذكورة مسارات هذه الحافلات ولا الأماكن التي سيتم زيارتها، ولا الأسعار التي سيتم تحديدها للاستفادة منها كما لم يتم ذكر هل هي مخصصة فقط للأجانب أم أن المغاربة هم أيضا سيستفيدون من خدماتها، وما إذا كان نفس السعر سيطبق على الزوار الأجانب والمغاربة أم أن هؤلاء سيتمتعون بسعر تفضيلي مخالف أو أقل عن ذلك المخصص للسياح الأجانب، ورغم ما سيكون لهذه الحافلات من تأثير لا يقتصر على تحسين تجربة السياح فقط، بل يمتد إلى تحفيز الاقتصاد المحلي إلا أن من شأن زيادة إقبال الزوار على المحلات التجارية والمطاعم التقليدية أن يعزز من دخل التجار كما أن تحسين النقل السياحي يمكن أن يسهم في تحسين صورة الدار البيضاء كوجهة سياحية عالمية، ويمحو شيئا فشيئا تلك الصورة عن هذه المدينة التي يظن الكثير من الناس أنها مدينة المعامل والمصانع فقط بدون مؤهلات سياحية كمدن فاس ومراكش مثلا، مما يعني أن الأمر لا يجب أن يتوقف عند توفير النقل السياحي فقط بل العمل على الترويج لهذه الخطوة من خلال وكالات الأسفار والفنادق وتوفير خرائط للمسارات المختلفة.
على غرار مدن عالمية..حافلات سياحية ستجوب قريبا شوارع الدارالبيضاء
الكاتب : خديجة مشتري
بتاريخ : 11/12/2024