على هامش البرمجة الميزانياتية للسنوات 2027-2025 .. 950 مليار درهم مديونية و8.5 مليون مغربي خارج التغطية الصحية

في خضم استمرار الحكومة في تقديم وعودها بتحقيق التوازنات المالية، يتضح أن السياسة الميزانياتية المتبعة لم تفلح بعد في كبح جماح المديونية التي تثقل كاهل المالية العمومية، وتضيق الخناق على إمكانيات تمويل البرامج الاجتماعية. فبحسب ما أكدته وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح، أمام لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، فإن الهدف من البرمجة الميزانياتية للسنوات 2025-2027 هو تقليص عجز الميزانية وضمان استدامة الدين. غير أن الواقع يعكس صورة مختلفة، حيث ارتفع حجم المديونية العمومية إلى أكثر من 950 مليار درهم، أي ما يمثل أكثر من 70% من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم يتجاوز السقف الذي وضعته الحكومة نفسها.
ويبدو التركيز على ضبط المالية العمومية دون إصلاح حقيقي لهيكلة النفقات العمومية مقاربة غير مجدية، خاصة في ظل سياسة التقشف التي تمس القطاعات الاجتماعية الحساسة، وعلى رأسها قطاع الصحة. فالحكومة تدعي نجاحها في تحقيق هوامش مالية بفضل ما تسميه «عقلنة» البرامج الاجتماعية، بينما تكشف التقارير أن هذه «العقلنة» جاءت على حساب تقليص الخدمات الأساسية للفئات الأكثر هشاشة. ووفقا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن العجز التقني في تغطية الاشتراكات للتعويضات الصحية بلغ 72% لدى فئة العمال غير الأجراء، و21% بالنسبة للمؤمنين في القطاع العام، مما يهدد الاستدامة المالية للنظام.
أما فيما يخص تصريحات المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حسن بوبريك، التي أشاد فيها بارتفاع عدد المستفيدين إلى 24.7 مليون شخص، فإنها تخفي وراءها مجموعة من الاختلالات التي رصدها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقريره الأخير. إذ أن ما يفوق 8.5 مليون شخص لا يزالون خارج دائرة الاستفادة الفعلية، بسبب عدم تسجيلهم في النظام أو لوجودهم في وضعية «حقوق مغلقة» نتيجة تعثر تحصيل مساهماتهم أو مشاكل بيروقراطية في معالجة ملفاتهم. كما أن 50% من المصاريف الطبية لا تزال تقع على عاتق الأسر المغربية، وهو رقم بعيد كل البعد عن النسبة الموصى بها عالميًا والتي لا تتجاوز 25%.
من جهة أخرى، يدعي بوبريك أن وتيرة معالجة الملفات تطورت بشكل كبير، حيث بلغ متوسط الأداء 9 أيام خلال 2024، إلا أن هذا الرقم لا يعكس واقع الاكتظاظ والضغط الذي تعاني منه مصالح الصندوق، ولا يعالج الإشكالات الجوهرية المتعلقة بجودة الخدمات الصحية المتاحة للمستفيدين، خاصة في ظل ضعف العرض الصحي العمومي الذي يدفع المواطنين نحو القطاع الخاص بأسعار مرتفعة تفوق بكثير الإمكانيات المالية للأسر. كما أن الصندوق لا يزال يعاني من مشاكل في الحكامة، حيث لم يتم بعد دمج جميع الفئات المهنية في نظام موحد، ما يؤدي إلى تفاوتات كبيرة في مستويات التغطية.
التغطية الصحية الشاملة التي يُفترض أنها إحدى ركائز الحماية الاجتماعية لا تزال تعاني من غياب رؤية متكاملة، إذ أن التمويل المعتمد يظل هشًا، كما أن الإصلاحات القانونية التي طالت الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لم تواكبها إجراءات كفيلة بضمان استدامة المنظومة. ووفقا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن 11% من المستفيدين المسجلين في النظام يوجدون في وضعية «حقوق مغلقة»، مما يحرمهم فعليا من أي تعويضات أو خدمات.
وفي الوقت الذي تروج فيه الحكومة لاستراتيجية التمويل القائمة على «إصلاح صندوق المقاصة وتوجيه الموارد نحو الفئات المحتاجة»، يتضح أن هذه السياسة لم تحقق نتائج ملموسة على مستوى تحسين الخدمات الصحية أو تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية. كما أن برامج الدعم المباشر لم تثبت نجاعتها في التخفيف من تكاليف العلاج، خصوصًا في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الأدوية والخدمات الطبية، حيث تشير الأرقام إلى أن متوسط تكلفة العلاج في القطاع الخاص تفوق نظيرتها في القطاع العام بخمس مرات، ما يعكس ضعف جاذبية القطاع الصحي العمومي.
انتقاد السياسة الحكومية في تدبير الميزانية لا يتعلق فقط بمدى قدرتها على خفض العجز أو تقليص المديونية، بل يتجاوز ذلك إلى مساءلة مدى التزامها بضمان تمويل عادل وفعال للقطاعات الاجتماعية الحيوية. إذ أن استمرار تغليب منطق التوازنات المحاسباتية على حساب جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، سيؤدي لا محالة إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية وتعميق أزمة الثقة بين الدولة والمواطن.


الكاتب : n عماد عادل

  

بتاريخ : 21/03/2025