أنهت الرياضة الوطنية مشاركتها في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنتها مدينة وهران الجزائرية في الآونة الأخيرة، بحصد 33 ميدالية، منها 3 ذهبيات فقط في مختلف الرياضات.
تعد هذه الحصيلة رقميا هي الأكبر في تاريخ المشاركات المغربية متوسطيا، لكنها من حيث القيمة تبقى متواضعة جدا، لأن النشيد الوطني لم يعزف سوى ثلاث مرات، فيما بلغ عدد الميداليات الفضية 13 مقابل 17 برونزية.
وحققت رياضة القفاز قفزة مهمة، حيث صعد الملاكمون المغاربة سبع مرات إلى البوديوم، في حين منحت ألعاب القوى 12 ميدالية للمملكة، إضافة إلى تتويج المنتخب الوطني لأقل من 18 سنة بميدالية برونزية في كرة القدم، وميداليات أخرى في التايكواندو والجيدو والتنس والرماية والكرة الحديدية.
وشارك المغرب في هذه الألعاب بوفد قوامه 130 رياضيا ورياضية (86 ذكورا و44 إناثا)، تنافسوا في 15 صنف رياضي.
ألعاب القوى تخلف الموعد من جديد
واصلت أم الألعاب تراجعها على المستوى الدولي، بعدما كانت إلى عهد قريب قاطرة باقي الرياضات الوطنية، حيث كان العداؤون المغاربة منافسين أقوياء على الرتب المتقدمة، وكانت غلتهم وافرة في مختلف الميداليات.
لقد سجلت ألعاب القوى المغربية في السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا، إذ باستثناء ذهبية البطل سفيان البقالي في أولمبياد طوكيو، كان حضور العدائين المغاربة في الاستحقاقات التي دخلوها عابرا. ففي الألعاب الأولمبية الصيفية، التي جرت العام الماضي بالعاصمة اليابانية، كان الخروج من الأدوار الأولى مرافقا مخلصا للعدائين المغاربة، مع استثناءات طفيفة جدا.
ورغم أن الجامعة اعتبرت – آنذاك – الحصيلة إيجابية، بحكم أن أغلب العدائين الذين شاركوا في المحفل الأولمبي كانوا صغار السن، إلا أننا لم نشهد لهم أي تألق في الاستحقاقات التي خاضوها في ما بعد، وفي مقدمتها بطولة إفريقيا، التي جرت في الشهر الماضي بدولة جزر موريس، والتي عادت منها أم الألعاب بخفي حنين، بعدما اكتفت بميدالية فضية واحدة وبرونزيتين، وهو رصيد متواضع جدا، لا يليق بسمعة بلد كان إلى عهد قريب رائدا في هذا التخصص الرياضي.
رغم هذا الحضور السلبي، كانت الأنظار شاخصة إلى دورة وهران المتوسطية، لأن تصريحات أغلب العدائين، الذين أخفقوا في البطولة الإفريقية، ذهبت في اتجاه البصم على حضور مشرف في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، لكن نتائجهم لم تكن في المستوى المأمول، حيث يمكن اعتبار دورة وهران 2022 هي الأسوأ لألعاب القوى على مدار مشاركاتها المتوسطية منذ دورة «سبليت» الكرواتية سنة 1979، إذ اكتفى العداؤون المغاربة في الدورة الجزائرية بميداليتين ذهبيتين وست فضيات وخمس نحاسيات.
ومقارنة مع دورة طراغونا 2018، سجلت ألعاب القوى المغربية تراجعا كبيرا على المستوى المتوسطي، حيث فازت في الدورة الإسبانية بثماني ميداليات ذهبية، ما بوأها المركز الأول من بين 26 دولة شاركت في هذه الألعاب.
ويؤكد أغلب متتبعي مسار أم الألعاب على المستوى الوطني على أن هذا التراجع ليس وليد اليوم، وإنما هو نتيجة منطقية لسياسة الجامعة منذ أزيد من عقد ونصف، دفعت هذه الرياضة ثمنها بسبب أخطاء قاتلة، أرغمت كثيرا من العدائين على التجنس بجنيسات أخرى، كما سقط البعض الآخر منهم ضحية المنشطات، بفعل بحثهم عن أقصر الطرق نحو الشهرة، فكانت النتيجة بكل هاته القتامة.
الملاكمة تحفظ
ماء الوجه
إذا كانت أولمبياد طوكيو سلبية للغاية بالنسبة لرياضة الملاكمة المغربية، وقد لخصتها عضة الملاكم المغربي يونس باعلا لخصمه النيوزلندي ديفيد نيكيا، التي تناقلتها كبريات المحطات العالمية، وكذا تساقط أغلب الأسماء المغربية من الأدوار الأولى، فضلا عن دخولها غمار التنافس بوزن زائد، ما نجم عنه حل الإدارة التقنية الوطنية، فإن دورة وهران 2022، كانت إيجابية للقفاز المغربي، حيث انتزع سبع ميداليات ( (ذهبية، فضيتان وأربع برونزيات).
وكان من الممكن أن تكون الحصيلة أحسن، لو تحلى التحكيم بصفة النزاهة المطلوبة، لأنه حرم الملاكمة شيماء غدي من الانتصار في مواجهة الجزائرية هدجيلة خليف في نهائي وزن أقل من 60 كلغ، بتنقيط الحكام 2 – 1، كما أن حكم الحلبة الجزائري أعطى إنذارين للمغربية، ما سهل انتصار الملاكمة الجزائرية. وتكرر هذا السيناريو مع الملاكم حمزة البربري في نصف نهائي وزن أقل من 69 كلغ، عندما منح الحكام الفوز لخصمه الجزائري 2 – 1، رغم تفوقه على الحلبة، ما أثار احتجاج الطاقم التقني الوطني، الذي استياء لحرمان الملاكم المغربي من فرصة التنافس على الميدالية الذهبية.
تراجع كبير لباقي الأنواع الرياضية
شهدت دورة طراغونا الاسبانية 2018 أحسن حضور للرياضة الوطنية متوسطيا، بعدما تقدمت على دورة 1987 بمدينة اللاذقية السورية.
وسجلت الدورة الاسبانية حضورا جيدا لرياضة الكراطي، والمسايفة، التي أهدت المغرب ذهبية بواسطة حسام الكرد، الذي بات أول مغربي يفوز بميدالية في هذا النوع الرياضي، كما نالت رياضة التنس حظها من المعدن النفيس بواسطة لمين وهاب.
وباستعراض حصيلة الرياضات التي صعدت إلى منصة التتويج في دورة وهران، نجد أن أغلب الرياضات التي تألقت بإسبانيا كان حضورها خافتا بالجزائر، ما يؤكد غياب رؤية واضحة بالنسبة للجامعات التي تعتمد في سياستها على أسلوب التدبير اليومي، من دون أي رهانات مستقبلية واضحة.
وإذا استبعدنا ذهبيتي ألعاب القوى في دورة وهران، سنجد أن حصيلة 14 صنفا رياضيا كانت ميدالية ذهبية واحدة، توج بها الملاكم محمد حموت، علما بأن الدول الرائدة متوسطيا في الغالب لا تشارك برياضيي الصفوة.
وعلى مدار تاريخ المشاركات المغربية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، نجد أن 20 جامعة رياضية أهدت المغرب فقط أربع ميداليات ذهبية، علما بأننا نتوفر على أزيد من 50 جامعة رياضية، تتوفر كل واحدة منها على ميزانية مالية قارة، وكذا الإمكانيات اللوجيستيكية المطلوبة، لكنها تفتقر في عمومها إلى مدبرين قادرين على خلق الثورة الرياضية المطلوبة، ويعتمدون فقط على التدبير العادي للأمور، مراهنين على فلتات يمكن أن تخطف الأنظار، لكنها سرعان ما تختفي في ظل غياب الخلف، وضعف التكوين.
والغريب أن بعض الجامعات الرياضية يتواجد على رأسها أشخاص عمروا لأزيد من عقدين، ومازالوا يطمعون في التواجد لسنوات أخرى، من خلال قطع الطريق في وجه الكفاءات الواعدة، القادرة على تغيير سكة القطار، كما أن البعض منهم متهم بسوء التدبير المالي، وتطويع القوانين بالشكل الذي يخدم مصالحه، وهذا تأكد في عملية الافتحاص التي قامت بها وزارة الشباب والرياضة في عهد الوزير رشيد الطالبي العلمي، لكن الملفات ظلت حبيسة رفوف الوزارة، في وقت كان يجب أن تتحرك الدعوى العمومية، من أجل تنقية المحيط الرياضي من كل شخص تبت في حقه أي تهاون أو تقصير.
ويرى أغلب المتتبعين أن آفة وأزمة الرياضة الوطنية تتجلى في تحكم الإداري في الشق التقني، ما ينتج عنه قرارات عشوائية وغريبة، تستمر لسنوات، لأن الأبطال والتقنيين يتغيرون، لكن الإداري يظل صامدا في مكانه.
وتتعالى الأصوات مطالبة بإحداث تغيير على قمة المشهد الرياضي الوطني، من خلال فتح المجال أمام فئة جديدة من مدبري الشأن الرياضي، وأن يتم ضخ دماء جديدة في شرايين القطاع الرياضي، التي باتت أحوج إلى عملية قسطرة عاجلة.
البرلمان مطالب بالدخول على الخط
رغم أن الرياضة المغربية ظفرت بعدد غير مسبوق من الميداليات في تاريخ مشاركاتها المتوسطية، إلا أن الحصيلة الذهبية لم تتعد ثلاث ميداليات (اثنتان في ألعاب القوى وواحدة في الملاكمة).
وتوجت ألعاب القوى بـ 12 ميدالية، فيما فازت الملاكمة بسبعة، في وقت حافظ فيه منتخب كرة القدم على ميداليته النحاسية، بينما صعدت رياضات التايكواندو والجيدو والتنس والكرة الحديدية منصة التتويج، مقابل غياب تام لستة أنواع رياضية شاركت في هذا المحفل المتوسطي، وهي الدراجات والمسايفة ورفع الأثقال والرماية والفروسية والمصارعة، رغم أن اللجنة الأولمبية الوطنية رصدت حوافز مالية مهمة للميداليات، بغاية رفع معنويات الأبطال المشاركين ودفعهم إلى المنافسة بقوة على المراكز الثلاثة الأولى، فضلا عن مواكبتها للجامعات خلال عملية التحضير لهذا الموعد الرياضي.
وتستفيد الجامعات الوطنية من مبالغ مالية مهمة، يذهب الجزء الأكبر منها إلى التسيير والسفريات، الأمر الذي يسائل المكاتب المديرية المدبرة لأمور هذه الهيئات الرياضية الوطنية، ويفرض على البرلمان المغربي الدخول بقوة على خط الرياضة، بدل الاكتفاء بكرة القدم، التي تستحوذ على جزء كبير من النقاش العمومي، مع تغييب تام لباقي الأنواع الرياضية الأخرى.
إن مسؤولية البرلمان تفرض عليه استدعاء المسؤولين عن الجامعات الرياضية دون استثناء، وسبر أغوار هذه المؤسسات الرياضية، التي يسيطر عليها منطق الأنا، ما يفرض فتح نقاش عام تشارك فيه كل الفعاليات المهتمة بالشأن الرياضي، في أفق الوصول إلى رؤية واضحة تؤسس لمشروع رياضي وطني، ولو أن الرسالة الملكية اختصرت كل شيئ، لكن تنزيلها على أرض الواقع يحتاج إلى أناس يدخلون في خانة من رحم ربي.
توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي بشأن تطوير اقتصاد الرياضة
في ما يلي ثلاث نقاط رئيسية من توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من أجل النهوض باقتصاد الرياضة، المقدمة في اطار رأي المجلس الذي يحمل عنوان «اقتصاد الرياضة: خزان للنمو وفرص الشغل ينبغي تثمينه»
1- تغيبر تصور المغاربة للرياضة :
– إرساء آليات التواصل بشأن الرياضة وأهميتها
– التنقيب عن المواهب منذ سن مبكرة
– تصميم استراتيجية تهم التكوين والدعم الخاص بالمهن الرياضية
– تنمية اهتمام المرأة بالرياضة وفتح الفرص أمامها للمشاركة الفعالة
– وضع إطار مرجعي، تشارك فيه جميع الاطراف المعنية، من أجل حماية الرياضيين، وخاصة النساء، من التحرش في الرياضة
2. وضع إطار تنظيمي ملائم:
– تحسين الإطار القانوني والتنظيمي.
– جعل الجماعات المحلية الفاعلين الرئيسيين في النهوض بالرياضة ؛
– المواكبة من خلال تطوير البنى التحتية.
– الالتزام بالتوفر على المعلومات المتعلقة بالآثار الاقتصادية قبل تنظيم أي حدث رياضي
– تطوير نظام معلومات على المستوى المحلي والوطني بالتشاور مع جميع الفاعلين المعنيين ؛
– تشجيع السياحة الرياضية.
– تطوير البحث في مجال الرياضة.
3. هيكلة النشاط الرياضي وإضفاء الطابع الاحترافي على الرياضة في المغرب :
– دعم تيسير انتقال الأندية من صفة الجمعيات الرياضية إلى شركات خاصة
– العمل على إحداث نظام أساسي خاص بالرياضيين المحترفين والرياضيين من المستوى العالي، يضمن الاستقرار المالي والاجتماعي لهم…
– تحسين قدرة الأندية والعصب والاتحادات على ايجاد المزيد من الإيرادات ؛
– إطلاق برنامج دعم وتمويل يستهدف رواد الأعمال الشباب ؛
– محاربة الممارسات العشوائية في القطاع الرياضي.