على هامش المؤتمر الوطني الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات :فعاليات نسائية وسياسية وحقوقية تتدارس «وضعية المرأة والأجيال الجديدة لحقوق الإنسان»

على هامش المؤتمر الوطني الثامن للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات، تم تنظيم ندوة وطنية حول “المرأة المغربية والأجيال الجديدة لحقوق الإنسان”، أدارت أشغالها، وفي أول مهمة تنظيمية ككاتبة وطنية للمنظمة، حنان رحاب، التي قدمت موضوع هذه الندوة والمتدخلات فيها، الدكتورة والناشطة الحقوقية فدوى الرجواني في موضوع “التغيرات المناخية وأثرها على أوضاع النساء”، والمحامية الاتحادية عائشة كلاع في موضوع “المرأة وجرائم الاتجار في البشر”، والمحامية سعاد التيالي التي تدخلت في موضوع “تزويج القاصرات ومدونة الأسرة، بالإضافة إلى المحامية الاتحادية أمينة الطالبي التي قدمت مداخلة حول “الحريات الفردية ومراجعة القانون الجنائي”، والسعدية بنسهلي، عضو المكتب السياسي، التي قدمت مداخلة حول “التمكين السياسي للمرأة المغربية”.
في مستهل الندوة قدمت الدكتورة فدوى الرجواني مداخلة حول “أثر التغيرات المناخية على وضع المرأة”، أوضحت فيها أنه عندما يتم الحديث عن تغير المناخ، نادرًا ما نتحدث عن مدى خطورة ذلك على النساء أكثر من الرجال، في الواقع، فإن تأثير الدومينو لعدم المساواة بين الجنسين يضع النساء في طريق أكثر عرضة للتأثير المروع لتغير المناخ.
وأضافت الرجواني على أن تغير المناخ يعزز عدم المساواة بين الجنسين، ويقلل من قدرة المرأة على الاستقلال المالي، وله تأثير رهيب على الحقوق الاجتماعية والسياسية للمرأة بشكل عام، وتؤدي أدوار الجنسين في الأعراف المجتمعية للدول النامية في الغالب إلى وضع الرجال في المسؤولية ودعم النساء، وقد أدى ذلك إلى تفاقم عبء المرأة التي تعتمد أسرها على الزراعة والعمل.
وأبرزت الرجواني أنه في الجزء الجنوبي من الأرض، لا يزال يُتوقع من النساء القيام بالأعمال المنزلية؛ مثل الطهي أو السفر من أجل مصادر المياه أو الزراعة، ويساهم تغير المناخ في الصعوبات التي تواجهها المرأة في أداء هذه المهام، ومما زاد الطين بلة، أن عدم المساواة يعني أن النساء أكثر عرضة للمعاناة من العنف نتيجة الفيضانات والجفاف.
وفي ذات السياق، أوضحت الرجواني أن زيادة وتيرة واتساع الصحراء في جنوب الكرة الأرضية يعني أن سكانها بحاجة إلى مزيد من السفر لمصادر المياه، في أوغندا، وجدت الأبحاث أن الجفاف الشديد قد تسبب في زيادة تعاطي المخدرات، مما أدى بعد ذلك إلى المزيد من حالات العنف المنزلي.
وأوضحت الناشطة الحقوقية أنه ووفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن معدلات العنف المنزلي والاعتداء الجنسي، وختان الإناث ارتفعت خلال فترات الجفاف الطويلة والفيضانات والأعاصير في كل من أوغندا وباكستان وبنجلاديش، كما وجد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الاتجار بالجنس ارتفع بعد الأعاصير، وازداد عنف الشريك الحميم أثناء الجفاف في شرق إفريقيا والعواصف الاستوائية في أمريكا اللاتينية والظواهر الجوية المتطرفة المماثلة في منطقة الدول العربية.
وأكدت الرجواني أن البحوث والدراسات رصدت أن الظواهر المناخية تؤدي إلى تفاقم الفقر، والذي يدفع العائلات إلى تزويج بناتهن القصر مقابل مهور يعتقدون أنها تحسن من فرص الفتاة في المستقبل، وهو ما يسميه علماء الاجتماع بظاهرة زواج القاصرات.
ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى إطالة مواسم نشاط الحشرات، والتي ينقل بواسطتها العديد من الأمراض كالملاريا وحمي الضنك، وتم ربط العديد من الأمراض المنقولة بواسطة النواقل بالإجهاض والولادة المبكرة وفقر الدم، كما أن بعض الفيروسات يمكن أن تتسبب في حدوث عيوب خلقية خطيرة عند النساء الحوامل.
و يساهم تعليم الفتيات في استقرار المجتمعات وتقوية الاقتصاد، وتشير الأبحاث إلى أن تعليم الفتيات يمكن أن يعزز استراتيجيات المناخ، وعلى الرغم من جميع فوائد تعليم الإناث، إلا أن الإحصائيات تشير إلى أنه بحلول عام 2025، سيكون تغير المناخ عاملا مساهما في سبب عدم استكمال 12.5 مليون فتاة تعليمهن.
وسجلت نفس المتحدثة، أن ما يقرب من ثلثي النساء أكثر عرضة للوفاة بسبب التغيرات المناخية، حيث أظهرت النتائج أن الوضع الاجتماعي المتدنى للمرأة يساهم في زيادة المخاطر التي تواجهها خلال فترات أزمات الطقس.
ومن جهتها قدمت المحامية والحقوقية عائشة كلاع مداخلة حول موضوع ” جرائم الاتجار بالبشر”، أوضحت فيها على أن هناك خلطا كبيرا في جرائم الاتجار بالبشر ليس في المغرب فقط بل هذا الأمر موجود في عدد من الدول، مبرزة في نفس الصدد على أن الصحيح هو الاتجار بالبشر وليس الاتجار في البشر كما هو شائع.
وأكدت كلاع أن جرائم الاتجار بالبشر تصنف من أخطر الجرائم في العالم حيث ترتب حسب مستوى الخطورة الثالثة في ترتيب الجرائم، فهي تأتي بعد جرائم الاتجار في الأسلحة على اعتبار أن هناك عصابات منظمة تحترف جرائم الاتجار بالبشر، تستغل ظروفهم المادية وهشاشتهم من أجل الربح المادي.
وأشارت نفس المتحدثة إلى أنه مع تطور هذه الجرائم المتعلقة بالاتجار بالبشر، واكب التشريع الوطني هذا التطور تماشيا مع المواثيق الدولية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكل الاتفاقيات الدولية، وذلك من أجل محاربة هذه العصابات التي تستغل الأوضاع الاجتماعية الهشة والاقتصادية والمادية الصعبة لعدد من الشرائح الاجتماعية.
وأوضحت كلاع، أنه من أجل مكافحة الاتجار بالبشر هناك بروتوكول خاص، باعتبار أن التحولات السياسية والتطورات التكنولوجية المتسارعة، ساهمت في تسهيل تنقل البشر والسلع، مما يجعل هؤلاء معرضين لجرائم الاتجار بالبشر، مسجلة في هذا الإطار على أن التشريع المغربي وسع من هذه الجرائم التي تدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر، فحسب المقتضيات هو تجنيد أو استدراج شخص أو التهديد بالقوة للقيام بالدعارة أو الوساطة والاختطاف وتخصيص وكر للدعارة، واستغلال السلطة، والدافع الأساسي الاستغلال الجنسي، والسخرة، والرق، وبيع الأعضاء البشرية بطرق غير قانونية، لذلك عمل القانون المغربي على تكييف هذه الأفعال الإجرامية.
وأكدت المحامية عائشة كلاع، أن المغرب مطالب بالسير قدما في اتجاه تكييف جرائم الاتجار بالبشر، باعتبار المغرب بلد استقبال وليس بلد عبور، كما أن الاستغلال الجنسي لايزال يشكل أحد الطابوهات داخل المجتمع المغربي والمجتمعات الأخرى، مشيرة في نفس الآن إلى أن هذه القضايا مكلفة وباهضة جدا.
ومن جانبها تدخلت الأستاذة سعاد التيال في موضوع “زواج القاصرات ومدونة الأسرة”، حيث قاربت هذا الموضوع من الناحية القانونية والاجتماعية والحقوقية، معتبرة أن هذه الظاهرة بمثابة اعتداء نفسي واجتماعي على الفتيات.
وأضافت التيال في ذات السياق أن الظاهرة لاتزال تطرح إشكالات عديدة دينية، ومجتمعية وحقوقية، وبها انعكاسات خطيرة على المستوى الاجتماعي والنفسي والجسدي وكذا العنف الاقتصادي سواء على الأسر أو الفتيات القاصرات، مؤكدة أن تزويج القاصرات يتعارض والمواثيق الدولية والعهد الدولي لحقوق الإنسان والاتفاقات الدولية لحقوق الطفل، حيث أن مثل هذه الممارسة المجتمعية يجب القضاء عليها باعتبارها تضرب في الصميم حقوق الطفل، حقه في التعليم والراحة ووقت الفراغ والاستجمام والرفاه.
وشددت الناشطة الحقوقية التيال على أن المشرع المغربي، اعتبر أن ظاهرة تزويج القاصرات ضرب للمصلحة الفضلى للطفلات وإساءة لحقوقهن، باعتبار أن مدونة الأسرة تفرض في ركن الزواج، الإيجاب بالقبول في عقد الزواج، وهنا تبرز عيوب الإرادة لدى الفتاة المعنية بهذا الزواج، فهي تقبل إما مكرهة أوتحت إكراه الأب.
وأوضح التيال على أن الفتاة القاصر لاتستطيع اتخاذ قرار الزواج، لأنها تحتاج إلى النضج الفكري، ورعاية الإرادة هنا هو الحرية في الاختيار.
ومن جهة أخرى، أشارت التيال إلى أن ظاهرة تزويج القاصرات تغتصب حق الفتاة المعنية في الصحة، باعتبار أن الحمل والولادة المبكرة بإمكانها أن تشكل تهديدات على صحتها، كما أثارت التيال جانبا آخر يتعلق بالهدر المدرسي للفتاة القاصر التي تم تزويجها.
كما قدمت المحامية وعضو المجلس الوطني للحزب أمينة الطالبي مداخلة حول “الحريات الفردية ومراجعة القانون الجنائي”، اعتبرت فيها أن هذا الموضوع الذي استأثر بالنقاش العمومي بشكل كبير إبان إحالة القانون الجنائي على البرلمان، فيه جانب قانوني صرف وجانب سياسي، باعتبار أن الحقوق الفردية تهم الرجال والنساء في المجتمع، وهي حقوق مكتسبة وواردة في كل المواثيق الدولية والعهد الدولي لحقوق الإنسان الذي صادق عليهم المغرب بدون تحفظات.
وعبرت الطالبي عن أسفها، أن جانب الملاءمة للقوانين المغربية خاصة القانون الجنائي، مع هذه الاتفاقيات الدولية والعهد الدولي لحقوق الإنسان ظل غائبا، إلى غاية دستور 2011، مشددة على أن المشرع المغربي كان مطالبا بالتعامل على وجه السرعة مع هذه المواثيق الدولية من أجل الملاءمة، لكن الحكومة السابقة لم تكن حكومة حاملة لمشروع حقوقي، إلا أن الترافع والنضال حول هذه الحقوق الفردية ظل دائما حاضرا ومستمرا.
واستعرضت الطالبي مسار تعديل القانون الجنائي الذي عرف نقاشا عموميا وحقوقيا، خلال الحكومة السابقة والتعثرات التي شابت هذا المسار، حيث لوحظ على أن التعديلات لم تكن في شموليتها بل همت فقط بعض الفصول والمواد من هذا القانون، واستأثرت قضايا الحقوق الفردية بنقاش سياسي وحقوقي وإعلامي كبير، كالشذوذ الجنسي، والعلاقات الرضائية بين الراشدين والخيانة الزوجية، وقضية الإجهاض ثم زعزعة عقيدة مسلم وقضية الإفطار بشكل علني في شهر رمضان.
وفي الأخير قدمت السعدية بنسهلي، عضو المكتب السياسي للحزب، مداخلة تتعلق ب “التمكين السياسي للمرأة”، أكدت فيها أن المشاركة السياسية هي مجموعة أدوار ومهام منوطة بالحياة السياسية لأي مجتمع تهدف إلى التأثير في عمليات صنع القرار كيف ما كانت طبيعته في ارتباط بقضايا الشأن العام، ومشاركة المواطنات والمواطنين في الإنجاز والتفاعل على مستوى الحياة السياسية.
وأبرزت بنسهلي على أن المشاركة السياسية تصبح لصيقة بالأنظمة التمثيلية الديمقراطية، وتجسد مفهوم المواطنة التي تقوم على الحقوق المتساوية للنساء والرجال وإمكانية التمتع بها من دون أي تمييز كيف ما كانت طبيعته، ويمكن الإقرار بكل اعتزاز أن الاتحاد الاشتراكي منذ 1975 كان رائدا على مستوى تصوراته الفكرية والأيديولوجية والتنظيمية في جعل القضية النسائية مكونا أساسيا في التشكيلة الحزبية من خلال اعتبار القطاع النسائي رافدا أساسيا للحزب على مستوى الأداء والفعل والمبادرة السياسية النضالية.
وشددت بنسهلي على أن ما تشهده الحركة النسائية اليوم من تنامي لقاعدتها وتعددية لمطالبها وتنوع في مكتسباتها يرجع إلى حد بعيد إلى الدور البارز الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي على مستوى اعتبار المشاركة السياسية للنساء بوابة لكسر السقف الزجاجي الذي طالما عرف هيمنة ذكورية لعقود.
وتساءلت بنسهلي بهذه المناسبة، إلى أي حد مثلت المشاركة السياسية للنساء نقطة قوة للتمكين النسائي من كافة الحقوق الأساسية في بلادنا؟ وهل شكل الواقع الاجتماعي والموروث الثقافي عائقا أمام تحسين مؤشر المشاركة السياسية للنساء في تدبير الشأن العام؟ وكيف يمكن تقييم حضور النساء على مستوى القيادة ومراكز القرار؟
وذكرت بنسهلي بمسار المشاركة السياسية للمرأة في المؤسسات المنتخبة، الذي كان مسارا شاقا وبرهانات كبيرة، حيث عرفت هذه المشاركة السياسية للنساء منذ الاستقلال تطورا بطيئا، لكن ضمن المسار الإصلاحي شكلت سنة 2002 منعطفا فاصلا في مسار التمثيلية البرلمانية بتخصيص ثلاثين مقعدا لفائدة النساء بمجلس النواب.
واعتبرت بنسهلي أن دستور 2011 محطة مفصلية في تقوية المشاركة السياسية، وتوفير ضمانات توسيعها من منطلق التنصيص على المساواة بموجب الفصل 19 ، وسعي الدولة نحو تحقيق المناصفة، غير أن تحسن مؤشر التمثيلية النسائية عرف تطورا ملحوظا منذ 2016 إلى 2021 التي عرفت قوانين انتخابية جديدة استجابات في مجملها لانتظارات مطالب الأحزاب الديمقراطية والحركة النسائية،وأكدت بنسهلي أن المشاركة السياسية، تعد مدخلا أساسيا لتمكين النساء من أدوات الفعل السياسي فكرا وممارسة لتيسير الولوج والتحكم في المستويات المختلفة لصنع القرار بما تتيحه هذه المشاركة من التواجد المؤثر للنساء على مستوى التدبير والقيادة في الشأن العام، ومن فرص للمساهمة في تخطيط السياسات العمومية والترابية وإدماج مقاربة النوع من أجل تعزيز المساواة والمناصفة بين الجنسين.


الكاتب : مكتب الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 13/10/2022