هل يمكن استعادة جاذبية سينما الخميس كما عشناها مع علي حسن؟ الصوت الذي حول التلفزة إلى فضاء للوعي السينمائي العميق، ومن الشاشة نافذة لتجارب الفن المغاربية والعربية والروسية والغربية، حيث تتحول المشاهدة إلى ممارسة معرفية وجمالية تتقاطع فيها الصورة والفكرة والوعي الإنساني.
شكل الفنان والإعلامي علي حسن نقطة التقاء بين المثقف والعمل الفني، مهيئا الطريق لفهم السينما كأداة للمعرفة وإعادة تشكيل الذائقة، ومجالا للتأمل في الأبعاد الجمالية والفكرية للفن، مؤسسا لذاكرة ثقافية لامادية تنقل المشاهد إلى صرح من الإدراك العميق للفن ولأدواره التنويرية.
رحل عن عالمنا الإعلامي والسينيفيلي علي حسن، الوجه المحبوب لدى جيلي، حاملا إرثا فنيا وثقافيا راسخا في الوعي الجمعي والذاكرة الثقافية المغربية.
في عام 2018، بادرت إدارة مهرجان مراكش الدولي للفيلم القصير جدا إلى تكريمه، في خطوة رمزية جسدت عودته إلى المشهد السمعي البصري المغربي بعد فترة من الغياب، مؤكدة إرادة الاعتراف بالمجهود الثقافي الحقيقي. مثلت هذه المبادرة قدرة الثقافة على الاستمرار من خلال النبل الإنساني والالتزام بالممارسة الفنية الراقية، وأبرزت مكانة علي حسن كصوت يوجه المشاهد نحو اكتشاف جماليات السينما وعمقها، موضحة أن الفن الإعلامي يمكن أن يتحول إلى أداة لتشكيل تجربة معرفية وحضارية متكاملة.
كان الراحل علي حسن جسرا يربط الجمهور المغربي بالسينما العالمية، حيث حاور نبيل لحلو، السينمائي الذي يعانق المشكلات كما يعانق أفلامه، في حلقة امتزج فيها النقد بالشغف، واستقبل رموز السينما العربية على غرار يوسف شاهين، وتواصل مع أسماء السينما الغربية مثل جان بول بلموندو ومارتن سكورسيزي، وشارك في فيلم «ابن السبيل» (1981) للمخرج محمد عبد الرحمن التازي، محققا حضورا يجمع بين الفهم النقدي والشغف الفني. كما احتفظ بعلاقة وثيقة مع المفكرين والفلاسفة السينمائيين، من بينهم فقيد السينما المغربية والأفريقية نور الدين الصايل، مسهما في بناء ثقافة سينمائية راقية، وموفرا للمشاهد إمكانية الاطلاع على التجربة السينمائية بمستوى معرفي عميق، ليصبح بذلك صرحا معرفيا وثقافيا يمكن من قراءة الصورة وفهم المعنى وتقدير الفن في أبعاده الجمالية والفكرية.
ينتمي علي حسن إلى جيل الأرض الصلبة، جيل الصفاء الحضاري والنقاء الجمالي، الذي جمع بين الالتزام الفكري والحس الجمالي، ليصبح شاهدا على التحولات الثقافية والاجتماعية في المغرب، ونموذجا للحوار المعرفي مع السينما والفن، ومرجعا في تشكيل الذائقة السينمائية لدى الجمهور.
شكلت تجاربه الإعلامية فضاء لتوسيع الوعي وساحة للتأمل في الصورة والفكرة، وعلاقة مباشرة بين الإنسان والفن، مؤسسة لرؤية ثقافية متكاملة تتجاوز السطحية نحو عمق المعنى والتجربة الجمالية.
الاحتفاء بعلي حسن في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة عكس استمرارية الاعتراف بالجهود التي تصنع الثقافة والفن، وجعل من تجربته مرجعا للأجيال الحالية والمستقبلية في فهم السينما كفضاء معرفي وجمالي وثقافي متجدد، قادر على تشكيل الوعي الجماعي وتوسيع الأفق الفني والفكري. بيد ان رحيله يفتح الباب أمام تأمل عميق في دور الإعلام والثقافة في بناء الوعي، وفي إمكانية استمرار الإرث السينمائي الذي حمل شعلة الفن والمعرفة.
رحل ابن ميدلت، محمد حسن الوالي، الذي اختار لاحقا أن يعرف باسم علي حسن، حاملا إرثا ثقافيا وفنيا، وترك بصمة عميقة في ذاكرة الجمهور ووعي الثقافة السينمائية. ومع رحيله يظل السؤال قائما: هل حاز حقا الاعتراف والامتنان الذي يليق بجهوده الإعلامية والفنية، أم أن قيمته ما زالت تنتظر أن تقرأ وتقدر كما تستحق؟ يطرح هذا التساؤل مسألة الوضع الاعتباري للفنان والمثقف، والنسيان الذي يطال الكثيرين، خاصة في العمق المغربي، ويبرز أهمية الحفاظ على الذاكرة اللامادية والتجارب الثقافية، لا سيما البصرية منها، لضمان استمرارية الإرث الفني والمعرفي وحفظه من الضياع، وتأكيد دوره في تشكيل الوعي والجمال في المجتمع.
علي حسن: رجل الأرض الصلبة يودع شاشة الحياة

الكاتب : د. عبد السلام دخان
بتاريخ : 02/09/2025