عنيبة الحمري: الموت مهزلة الحياة!

جمعتنا مودة عميقة، خلال سنوات التحصيل الجامعي في فاس..كان دمث الخلق والأخلاق ،لطيف المعشر مع ميل الى خجل طبيعي فطري. لم أره يوما يرفع صوته على أحد؛ في خضم النقاش الحاد والعادي بين الطلبة؛ أو حتى أثناء قراءة شعره ، بينما القاعة تطلب منه المزيد بصوت أعلى .
أتذكر فرحتنا بديوانه الأول( الحب مهزلة القرون) والطقوس الاحتفالية التي استقبلته بها المنظمة الطلابية الملتحمة الصامدة:الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. كانت ملاذنا الفكري والإنساني. في ظلها عرفنا من صاروا أحبابا وأصدقاء، وربما أصهارا في فاس.
صار عنوان المجموعة، قولا مأثورا متداولا، بإيحاءاته السياسية المعلنة ؛ بل أصبح مضرب المثل في المجتمع الطلابي الزاخر بالصخب والأحلام المستحيلة التي ميزت ذلك الوقت العصيب، من عقد الستينيات شديد الاحتقان وآلام انسداد الأفق السياسي.
وخلال لقاءاتنا البعدية،القليلة في المناسبات الثقافية؛ في الدار البيضاء أو الرباط، وربما في أماكن أخرى، كنت ألقاه بنفس السمت والهدوء الطلابي. لم تتغير ملامحه كثيرا . وأحيانا كنت أخاطبه مازحا : احمد الله أن الرأس اشتعل شيبا ،ولكن الشعر مقاوم، يرفض إخلاء الصلعة الصامدة .
واليوم وقد هزني هذا الخبر. لا ادعي معرفة استثنائية بالفقيد؛ فقد باعد بيننا الزمن وطبيعة عمله التعليمي قبل التقاعد؛ لكنني كنت أحب الرجل بصدق وأعزه كثيرا؛ لتواضعه الإنساني الصافي. لم يكن مكثرا في الشعر ، لكن تجربته متفردة ونوعية في المشهد الشعري الحديث. وحمدا لله أن جائزة وزارة الثقافة أدركته دون أن يسعى إليها أو يشكل حواريين حوله. لم يكن نرجسيا قطعا ولم يتباه بشاعريته أبدا ؛ مثلما ظل صراعه مع المرض اللعين خفيا ، حتى فجعنا رحيله يوم ولد المسيح.
وداعا السي محمد ..السكينة لروحك. لم ندرك قلقك الدفين ووجعك الممض. اغفر لنا إن نسينا أو أخطأنا في حقك..
لم يكن الحب « مهزلة القرون» بالمعنى السياسي الذي قصدته..فقد آثرت عليه « النضال» الطبقي.. والحقيقة أن الموت؛ هو أو هي، « مهزلة الحياة» بقرونها الموغلة في القدم. غفر الله لنا ولك.
نافذة
الذكريات ستصاحبني مثل الظل الخافق، مثل ورق الشجر الأخضر، ستغمرني بالضوء، الذي كنت دائما، تصيبني به في وجداني

 


الكاتب : محمد بوخزار

  

بتاريخ : 27/12/2024