عن التحديات التي تواجه الثقافة في المدن الصغرى بالمغرب .. رئيسة جمعية النجم الأحمر ثريا بدوي: دور المثقف في المدن الصغرى يقتضي قدرًا عاليًا من الوعي والاتزان

مع صعود القاصة والمبدعة ثريا بدوي إلى رئاسة جمعية النجم الأحمر، كواحدة من أهم الجمعيات الثقافية بالمغرب، والتي تتخذ من مدينة مشرع بلقصيري، مركزا لأنشطتها الثقافية، وعلى مرمى أيام من تنظيم هذه الجمعية العريقة للندوة الوطنية الرابعة للرواية، يصعد على السطح سؤال ممارسة الفعل الثقافي داخل المدن الصغرى، وكيفية تصريفه في ظل الإكراهات المادية والواقعية لمعظم الجمعيات الثقافية بالمغرب.
في حوارنا هذا، نحاول طرح الأسئلة عاليا حتى يكون وضوح الأجوبة جزءا من الحلول الممكنة لبناء مجتمع قادر على جعل الثقافة رافعة في تأسيس الحداثة والتنمية.

p بداية كيف تنظرين لواقع صعودك كرئيسة لجمعية عريقة كجمعية النجم الاحمر للتربية والثقافة والرياضة والتنمية الاجتماعية بمشرع بلقصيري  ؟

n في ما يخص سؤالك فأنا أرى هذا الصعود قبل كل شيء تعبيرا عن ثقة جماعية ومسؤولية كبيرة، أكثر منه تتويجًا لمسار شخصي ومسؤولية تاريخية وأخلاقية تفرض عليّ وعيًا عميقًا بحجم الأمانة الملقاة على عاتقي، واحترامًا لمسار من سبقوني. فترؤس جمعية عريقة يعني حمل إرث غني من العمل والالتزام، والسعي إلى صونه وتطويره بما يستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة. هي أيضا فرصة لمواصلة البناء بروح جديدة، قائمة على العمل الجماعي والانفتاح، وتعزيز حضور الجمعية وتأثيرها، مع الحفاظ على قيمها الأساسية. أدرك حجم التحديات، لكنني أؤمن بأن الرهان الحقيقي يكمن في تحويل هذه المسؤولية إلى دينامية إيجابية وحوكمة رشيدة، ورؤية واضحة تخدم أهداف الجمعية ورسالتها النبيلة واستمراريتها.

p قدمت الجمعية نفسها كواجهة ثقافية عرفت بالمدينة. ما هي أهم هذه المحطات بالنسبة لك؟

n شكلت الجمعية، على امتداد مسارها، واجهة ثقافية بارزة أسهمت في التعريف بالمدينة وإشعاعها. ومن بين أهم المحطات التي أستحضرها ويستحضرها المثقفون والمبدعون هي ملتقى مشرع بلقصيري للقصة القصيرة، والذي يحمل جائزة وطنية موجهة داخل المغرب وخارجها وتحمل اسم العزيز السي احمد بوزفور. وقد سبق لك العزيزة ليلى أن حضرت معنا في دورات عديدة. هذه التظاهرة الجميلة جمعت مثقفين ومبدعين من داخل المدينة وخارجها، وأسهمت في خلق فضاء للحوار وتبادل التجارب .أيضا الى جانب ملتقى القصة، برزت كواجهة ثقافية للمدينة عبر محطات مفصلية تركت أثرا واضحا في الذاكرة الثقافية المحلية، من أهمها تنظيم تظاهرات ومهرجانات نوعية جعلت من المدينة نقطة التقاء للفنانين والمفكرين، وأسهمت في تعزيز حضورها على الساحة الثقافية، هناك الندوة الوطنية للرواية وملتقى ناجي العلي للكاريكاتير وملتقى سبو للشعر. كما لا يمكن إغفال الدور الذي لعبته الشراكات التي نسجتها مع مؤسسات ثقافية محلية ووطنية للحفاظ على قوتها، والتي مكنت من ترسيخ حضور المدينة في المشهد الثقافي. هذه المحطات مجتمعة شكّلت هوية الجمعية، وجعلت منها رافعة حقيقية للإشعاع الثقافي للمدينة. كما شكلت الندوات الفكرية والأمسيات الأدبية المنتظمة فضاءً للحوار والنقاش، وأسهمت في ترسيخ ثقافة الانفتاح والإبداع. ولا يمكن إغفال انخراط الجمعية في شراكات دعمت إشعاع الجمعية ورسّخت صورتها كفاعل ثقافي أساسي في المدينة واهم.

p لنتوقف قليلا عند هذه الشراكات وأهميتها؟

n الشراكات كانت مع المجلس الجماعي للمدينة عن طريق تمويل العديد من الأنشطة والمركز الثقافي والجمعية الإسلامية. وحتى لا نغفل دعم وزارة الثقافة الذي للاسف توقف لسنوات رغم توفر ملف الجمعية على جميع الوثائق والأنشطة المطلوبة. ومن هذا المنبر نلتمس من الوزارة الوصية ان تراجع هذه المسألة من أجل دعم حقيقي للجمعيات الثقافية الجادة، وإلا فإن أغلب الأنشطة ستعلق الى أجل غير مسمى. أحيطك علما أن ملتقى القصة القصيرة الأخير موله أعضاء من الجمعية وأذكر الاستاذ بنعيسى الشايب الرئيس السابق للجمعية، والاستاذ عثمان العياشي وأوجه لهما كل الشكر والتقدير. نحن الآن مقبلون على تنظيم الندوة الوطنية الرابعة للرواية، ومازلنا نبحث عن المورد المالي في ظل تأخر حصولنا على وصل الإيداع لاستخلاص ما لدى الجمعية في البنك وهو قليل، المهم أن نغطي به مانستطيع.

p كمثقفة وأستاذة جامعية كيف تنظرين لعلاقة المثقف بالسلطة داخل المدن الصغرى؟

n أنظر إلى علاقة المثقف بالسلطة داخل المدن الصغرى بوصفها علاقة معقدة وحساسة، تحكمها خصوصيات اجتماعية وثقافية متشابكة. ففي هذا السياق، لا يكون الموقف الثقافي أو الفكري معزولًا، بل غالبًا ما يُقرأ ضمن شبكة من العلاقات الشخصية والرمزية، ما يجعل التعبير عن الرأي مسؤولية مضاعفة. أؤمن بأن دور المثقف في المدن الصغرى يقتضي قدرًا عاليًا من الوعي والاتزان: الدفاع عن القيم والمبادئ، مع الحفاظ على مسافة نقدية بناءة تجاه السلطة، بعيدا عن الصدام العقيم أو التماهي غير المشروط. فالموقف، في تقديري، يجب أن يكون أخلاقيًا ومعرفيًا بالأساس، يسعى إلى الإسهام في التنمية الثقافية وترسيخ ثقافة الحوار، لأن بناء مدينة قوية يبدأ من بناء وعي جماعي يحترم الاختلاف ويقدر النقد المسؤول. كما أن الموقف الفكري لا يُستقبل دائمًا بوصفه رأيا معرفيا مستقلا، بل كثيرا ما يحمّل بدلالات شخصية أو سياسية. من هنا، تبرز مسؤولية المثقف في الحفاظ على استقلالية صوته، وممارسة نقد هادئ وعقلاني، يراهن على الحوار بدل المواجهة، وعلى الإقناع بدل الاصطفاف. فالموقف الحقيقي، في نظري، هو ذاك الذي ينطلق من المعرفة والالتزام الأخلاقي، ويسعى إلى توسيع هامش الوعي داخل المدينة، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز ثقافة الاختلاف.

p أعلنت الجمعية مؤخرا عن برنامجها السنوي….ما هو جديده بالنسبة للجمهور؟

n يحمل البرنامج السنوي الجديد للجمعية عددًا من الأنشطة المعروفة ، وهي التي أعلننا عنها على حائط الجمعية في الفايسبوك. ونحرص أيضا على الاستجابة لتطلعات الجمهور وتنوّع اهتماماته. من أبرز هذه المستجدات ستعمل الجمعية على توسيع مجالات الأنشطة لتشمل تداخلًا أكبر بين الثقافة والفنون والبحث الأكاديمي، مع برمجة لقاءات نوعية تستضيف أسماء فكرية وإبداعية من داخل المدينة وخارجها. كما نركز دائما على الانفتاح على فئات جديدة من الجمهور، خاصة الشباب والطلبة، عبر ورشات تكوينية وتفاعلية، واعتماد صيغ أكثر قربًا من الناس، سواء من حيث المواضيع أو فضاءات الاشتغال. الجديد كذلك هو تعزيز الشراكات مع مؤسسات ثقافية وتربوية، بما يضمن استمرارية الأنشطة ويمنحها بعدًا أوسع وأكثر تأثيرًا في المشهد الثقافي المحلي والوطنية إن شاء الله.


الكاتب : حاورتها : ليلى بارع

  

بتاريخ : 18/12/2025