زمن التجلي و الواقع كما هو أم زمن حصار أرغمني على الهروب إلى عالم الخيال والمقارنة بين زمنين رغم بعد المسافة ؟
سأتجرأ و أعبر بما يفيد أنني في عمق (فلسفة الملابس)… زمن أصرت فيه الجائحة على أن أرتدي ثيابي القديمة .
يا حضرة الوافدة الجديدة بضيافتك أسائلك لماذا أكتب متأخرة؟
لا اتردد في التعقيب عنك بما يفيد أنك أيقظتهمتي لكي أضع في المتناول أمانة كلفني التاريخ بنقلها انسجاما و نظرية ” دانتي ” القائلة ( المعرفة مكونة مما سمعه الإنسان ) هي معرفة أحضر فيها أنا كذات … نحن والآخر… و قبل صلاة الغائب .
ربما سأؤجل فصول ملحمة التشفي إلى حين المناسب للسرد… سأكتفي برواية المقطع ما قبل الأخير الحي السائر المفعول إنسانيا في زمن عمت القسوة شح اللطف…مقطع قابل للمقارنة مع كائنات تعي الآن أنها كانت جزء من الردم، أكيد ستقيس حقارتها بحجم ذات الكعب العالي وبراءة ذمة من خرجت من الطوق ودلفت من الباب الرئيس للتاريخ و ما زالت تصر على العطاء.
في سجن مسقط رأسي حاضرة المحيط جف المحيط و نفقت الأسماك، وعم المكان فحيح افعى باب القيامة( سحتة) والمصدر هو السحت، وأربأ بنفسي أن أمنح ما تيسر من إبداع الوصف لمن حطمت جسد و نفسية يافعة لم تتمكن من إزالة قاذورات فاسم مصدره السحت يدخل استغلال التعيسات حتى في أشغال بول وغائط أبناء العبد , كان من المفروض أن تصبنها في البيت وبدل أن تتأبط حقيبة بمواد غذائية المقهورات في أمس الحاجة إليها ولأن الحضيض المناسب في وصفها هو المكشوف من قاموس الهباء والخواء، يصعب التفصيل عن مخلفات الجوع ما دامت المشتقة من مصدر نتائج الفساد سماويا يمنحها كلمة السحت… أتناغم مع بديل إنساني نسيت بموجبه قسوة (سحتة) جسد لحمل أكياس الإسمنت لا غير… الآن أمرح بنغمة الإنسانية أستحضرها وأترك جانبا محاولتهم تلجيم ذاكرتي المشرعة التقطت كوابيس العنابر والسجان (ة) والآن لا يأبه بسماعها الخونة والجبناء لأنهم أصلاغرباء.
كلفني التاريخ بهذه الأمانة و عن هول ما جرى أتحدث ذات زمان.عن حالة أختارها لكم من رفوف المحكيات المبكيات رفقة التعيسات والمنسيات ننتظر العيد.
تلك الظهيرة اشتد ألمي، وفي المساء مضطرة أن أكون في حماية ابنة العم… رفيقة العنبر الخمس نجوم دائما أنسحب منه بحثا عن مكان يساعدني على قتل زمن حصاري، أجد ضالتي في متابعة مستملحات قفزات ونكث وحلقات بنات جامع لفنا. أعثر عليهن وبالتجديد كل يوم في العنبرين الرئيسيين (شرع الباشا و درب عمر) … وجعي هذا اليوم جرني أن أنتقل إلى الهدوء حيث رفيقة العنبر “جورجيت” المواطنة المغربية اليهودية سأروي لكم عطفها بالتفصيل ودون استعارة أو مجاز… ما علق بذاكرتي تلك الليلة التي حملت فيها إلى سريري الأصلي كما هو مثبت لدى الإدارة…شيء ما يؤرق “جورجيت” الطيبة ذات الحكم و ثلاثة عقود في قضية لم يجرؤ على الاستفسار …اغتيال وقامة هيفاء وملامح جمال- والحد الأدنى الذي تسرب خلسة إلي أن الحكاية تمتد إلى قتل مع سبق الإصرار والترصد داخل دائرتها العقدية…رغم أنها تجاوزت نصف قرن بقليل ممرضة كانت واستمرت كذلك في الاعتقال… أشاركها نفس العنبر الفسيح النظيف المصنف في الأصل مصحة نساء السجن أساسا اُثناء النفاس… أحيانا “جورجيت” تطلب مني أن ألازم سريري كي أكسر وحدتها، مكرهة ألبي رغبتها فمستملحات ونكث و غرائب بنات جامع لفنا سيدي يوسف بن علي الحاجة الزعراوية نعيمة عباس نعيمة الحوت محجوبة الموتشو خيرة والشيخة باضا والعابرات على ذمة بعض الأيام أو الأشهر تثير فضولي تستفزني من أجل الانخراط… تكسر زمن حصاري أرتبها دوما في دفتر ذاكرة ما زالت طرية.
إياكم أعني يا جيل أبواب وطن وجدتموه مفتوحا تحصى أنفاسه والعولمة وحقوق الإنسان . أنقل لكم أن ليلة اعتقدها الجميع ساعة احتضاري … جسمي يفور على مرجلة أو فرن وقوده خشب شجر أركان “جورجيت” نزلت من سريرها بالهوينى اقتربت مني فأنني قض مضجعها أذهب عنها الغفوة المعتادة قبل النوم… أشاحت الغطاء على وجهي خلعت ملابسي الفوقية… لم أنتبه إلى عينيها و قد اغرورقت دموعا , تصيح بصوت ملائكي طالبة النجدة في نفس الآن مددت يديا الاثنين من الأصابع إلى الترقوة و الكتفين… ركضت إلى السياج الحديدي المغلق بمفتاح القيامة نزولا عند نصائح الطبيب لا يغلق الباب الحديدي بسبب “جورجيت” فقط الاكتفاء بإغلاق السياج ما دام الأمر يتعلق بأزمة ربو تعاني منها منذ زمان وقبل الاعتقال… صرخت بصوتها المنساب بإيقاع حميمي ولكنة عشيرتها اليهودية المغربية… وقفت أمام السياج حارستا المداومة فالوقت لم يحن بعد لفتحه دون إذن من رئيس المعقل والمدير… تشهق العزيزة وتشير إلى تقرحات عميقة حدثت فجأة تفيض بالإفراز واكبها انتفاخ عبر أركان الجسد قسمت عضديا الاثنين إلى عدة نتوءات…أما الأصابع فلم يعد بينها مسافات، والأظافر على أهبة الرحيل… وقفت “جورجيت” حيث سريري، تحسست وجهي واللمس خلتها يد أمي، التفتت إلى السياج تخاطب السجانتين وهي ترتجف، همست بما يفيد وانطلاقا من خبرتها: أخاف أن يتعلق الأمر بأعراض وخيمة ربما تدمير أعضاء داخلية كبد أو طحال… انسحبت السجانتان في انتظار انبلاج الصبح واستئناف العمل والادارة ستكون على استعداد… جلست “جورجيت” القرفصاء أمامي تحصي حشرجتي وأنين آلامي تمسح دموعي، ترش ما تتوفر عليه من مطهر أحمر بني غامق تمسح بلطف ما ينساب من التقرحات. ولأول مرة أرى ابتسامة “جورجيت”، لم يسبق أن لاحظ أحد ابتسامتها أو ارتوى بالكلام …تؤدي مهمتها الإنسانية بتلك الصرامة الإيجابية كأن حالها يوحي بضرورة بناء مسافة لكي لا تذهب بشخصية قدرها ساقها إلى العدم، و بالتالي لا تشكل لها أي عائق عند الاندماج مع أفراد عشيرتها… ناولتني كأسا من ماء معدني بسكر… شعرت بما يشبه الراحة أذهبت إلى حد ما وجعي… انزوت في مكانها المعتاد عند الصلاة… تناولت كتابها المقدس التوراة فتحته رفعته إلى وجهها بحركة معتادة بدأت تتلو و بين الفينة والأخرى ترفع أكفها و تنظر حيث أنا… بدا لي أنها ذكرت اسمي أو خيل إلي… أرجعت سفرها إلى غلافه الأخضر المزركش بأحرف عبرية و وضعته في الدولاب… خاطبتني ارتاحي أستاذة هكذا تناديني غدا سأطلب من مي عائشة أن تدعو تبتهل الله في صلاتها من أجل شفائك .
انبلج الصبح تنقلني سيارة السجن إلى مستشفى رياض الموخا، ولأن التوقيت يصادف الاستعداد للعيد اليوم الموالي . العزيزة أمي على روحها السلام آنذاك تمتلك من الأناقة وجسدا يطاوعها تنافس بكل فخر حفيداتها اليافعات… تصر ألا تحتفي أو بالأحرى ألا تطلع عليها شمس العيد إلا بعد تخصيص الوقت الأساسي وليس الإضافي لابنتها في معتقل بمدينة أصلا لحمنا بالوراثة لا ينتعش في هذه الحمراء والمتناول تجارب عدة ربما تأخذها الوالدة من باب التاريخ المحكي لها والعلاقة مع نفس الواحة صارت مدينة هي موطن سجن التاريخ الأكثر استبدادا اسمه (حبس مصباح ) والذي اختفى فتحول إلى رقم سري في تاريخ للسيبا و الاستبداد… وتلك حكاية والدها وجدها تترجمها ما يحمله التاريخ من استبداد ممزوج بالسيبا و طغيان الأفراد… ابنتها غريبة في غابة المنسي بسجنه , هذه الوضعية في حد ذاتها سؤال كبير. ومن خلال الجدل ستعرفون هل الحكاية تتعلق بالوقت الهارب وقطيعة حادة أشاحت القناع باسم النضال أم أن تركيبة النفس ومخلفات حكرة الباشا الكلاوي تترجمها ( مناقر النحاس وقلوب الدجاج) تجعل الرعديد وحتى من يدعي الجرأة في ساعة الحسم لا يلتفت إلى الضفة الأخرى بقدر ما يستأنس بدفء جلباب الجبن ؟ …دائما تسألني الوالدة عن سر تأجيل الإجابة على سؤال كبير طرحته آنذاك . فبعد اقتراح من طرف أحد أصدقاء والدي على روحه السلام اقتراح يرمي إلى زيارة أحد المصنف في دائرة الشجعان، تخبره عن تدهور صحة ابنتها فهل من حل؟ ربما يفعل المشترك باسم النضال بل نقل الخبر إلى ما تبقى أو يظهر من الشجعان الإخوان… قصدت الحي والأزقة ودرب ضباشي وحاله كما تعلمون في رمضان والأمر آذان المغرب على أهبة الإعلان وأضيفوا إلى الاكتظاظ غذا العيد والممر استراتيجي يخيط كافة أحياء حواري أزقة مراكش القديمة… طرقت باب الشريف مولاي بسرعة أطلت سيدة تستفسر من الطارق؟ خيار أمي الأول قدمت فيه ورقة تعريف ركزت على أنها والدة المنسية فهل من مجيب مع من وقع ميثاق المشترك باسم النضال قادني نص الكارثة إليكم فوجئت به هذا الصباح والفحص الطبي في حكم النادر الغير متاح فهل من مجيب أو حل يا أهل النضال؟ أطل وجه صبوح ومحيا توحي بأنها للرجال طردني شر طردة حينما سمع اسم رابعة الخارجة من طوق التدجين متبرئا منها وعلى أنه لا علاقة ولا مجال بل قالها بالحرف هو غير مستعد أن يتحصن بمفردات الزلزال هو منه براء… كانت هذه البداية حينما استأنفت والدتي في صياغة أرشيف غامض ملتبس للألم تخبرني به في كل لحظة وحين…
والآن أعزائي هاأنذا أفرش خرائط ملهاة النضال علها تسعف الأجيال عند النضال ولو سبق وأعلنت عنه الصحف والندوات , ربما تسوق أيضا للعزلة والأقنعة وترميم الشعارات وبتنزيلات مغرية قد تجيب على السؤال الرئيسي لوالدتي… ابنتي شابتي تلملم قروحها تطوي معنويات… سقطت فجأة وفي انتظار أن تقف عالية مرة أخرى و تلك نواميس النضال، فالأساسي هو الفكرة هو الروح و بكل تأكيد لا تموت… الشابة صارت محسوبة على صنف المستيقظات ولو على قلتهن يحركن الوطن عند كل غفوة أو سهو أو إشارة إلى أنه يقع ضمن كوكب مختل.
والآن وسلفا من يولد سؤالا سقراطيا أخيرا؟… ابنتي أدت ضريبة في عمر الياسمين والزهور إلى حد ما تحققت نتائج نضال مقرونة بتقارب و لو تحت طائلة تنفيذ الخطأ الثالث القائل: برفض ما يتعاقد عليه وراء الأبواب… ولأنها طالما رددت تجادلني: إنه أمي حسن الاختيار… أنا والدتها أطرح السؤال الفرعي المولد من الأصلي من رضعت مكاسب انتزعتها ابنتي قسرا وأدت ضريبتها أدناها قروحا وانتفاخا لو لا مؤنستها في العنبر الإنسانة اليهودية الديانة “جورجيت” لتم الافراج عن شابتي مرفقة بهدية من صنف عكازين أو كرسي متحرك.