عن هول ما جرى أحكي لكم في صلب الواقع المقيد 4- أنا المسافرة إلى وجدانكم

زمن التجلي و الواقع كما هو أم زمن حصار أرغمني على الهروب إلى عالم الخيال والمقارنة بين زمنين رغم بعد المسافة ؟
سأتجرأ و أعبر بما يفيد أنني في عمق ( فلسفة الملابس)… زمن أصرت فيه الجائحة على أن أرتدي ثيابي القديمة .
يا حضرة الوافدة الجديدة بضيافتك أسائلك لماذا أكتب متأخرة؟
لا اتردد في التعقيب عنك بما يفيد أنك أيقظت همتي لكي أضع في المتناول أمانة كلفني التاريخ بنقلها انسجاما و نظرية ” دانتي ” القائلة ( المعرفة مكونة مما سمعه الإنسان ) هي معرفة أحضر فيها أنا كذات … نحن والآخر… و قبل صلاة الغائب .

 

أنا المبحرة في مركب التاريخ أقتلع رواسب ما زالت عالقة في عقر الذاكرة لا أسعى إلى إثارة شهيتكم للقراءة من أجل تقبل دموع القلم والحبر… هذا مجرد جواز سفر إلى قارة تاريخ الرعب… ربما هذه الرحلة تسعفني على رسم مقارنة بين درجات الحصار.
قد بلغ إلى علمكم حصار بصيغ أخرى لم يكن لي شرف المرور من دروبها أو حتى الفهم و الاقتراب و رغم أن المشترك واحد اسمه النضال , كل فئة أو طيف اختار تقليعة تناسبه فلا بأس أن تلصق بي وأفتخر إلى حدود زمن شيخوختي بأنني إصلاحية و للأسف بعض من الرفاق (يبدو أنهم غرباء أو سقطت النبيلة سهوا) يلغون المسلك الذي أدى إلى استراتيجية النضال المؤسس ولم يعترفوا بأنه كان مغروسا بالمسامير والأشواك الحادة وخلف تكلى وضحايا وشهداء…كان هذا ذات زمان …
قادتني صدفة النضال أن أتبنى خيار من أخرجوهم من لجة الطفولة و الشباب ما دام مصدر خميرة النضال النسائي في الحركة الاتحادية و الاتحاد الاشتراكي تلك الثريا الراحلة المصرة طيلة سنوات على طقوس التلويح بين مناديل و قضبان إذن من ديارنا ينساب تسلس النضال معناه نحن الأصل و الفصل و الجوهر والنواة …
هذا زادهم الأدبي غذى شغفي وتمكنت من إسقاطه على تجربتي من باب المقارنة والملاحظةوالجدل وصولا إلى الحكم على نسق حصار وحصار… حروفهم المترجمة إلى ندوب تروي حياتهم الاستثنائية حينما أخرجوهم من عبق الطفولة والشباب.
مكسب اعتقالي و بعد انتهاء عقدة الحصار يسر لي طريق شرف زيارة إخوة النضال رغم تباين آليات تناول القضية وصدق الالتزام. بسبب هذه الحميمية ومرحلة المراهقة الفكرية واللون الأحمر رفضت أن أمارس تجارة المواقف وأن أصر على أن أحتفظ بمكسبي كذاكرة مثقلة بالرعب و تيه الزمن الرديء… ولأنني حضرت وسايرت طقوس السحب إلى مقصلة الإعدام رغم أننا في الحركة الاتحادية والاتحاد الاشتراكي لا نتنكر للتاريخ و جغرافية ما جرى لسبب أننا امتداد الحركة والمقاومة وجيش التحرير والطموح دوما على باب الوطن يذكر أن الاستعمار خلف بدرة استعماره الجديد نستأنف الرحلة من الأحداث الكبرى وافتراء التآمر… وأحداث مولاي بوعزة خلفت شهداء لم يتنكر لهم رواد الحزب رغم عطب ميكانيكي في محرك تجاذبته تقاطعات صرح بها ذات مناسبات الراحل سي عبد الرحيم والمجاهد سي عبد الرحمان مدبجا بتعبير ضمني يفيد المعنى المختزل إكراهات، ومتاهات حفر أخاديدها الاستعمار وليس بالإمكان إبداع أحسن مما كان . كم مرة جلست أتأمل تجسيد أدوار تراجيديا الحجاج حتى تمكنت من مقارنة بين نضال إصلاحي كما يصف أصحاب ألوية الأحمر الماركسي تروتسكي وحتى الماوي… هم أيضا استدعوا لهم عشرات السنوات في الحصار والموت بل حتى الاستشهاد بل حتى فقدان القدرات العقلية… زفة عريس بهودج وكسكس وقرنفل… إلى حديث ذو شجون مع العتمة هل تحقق غروب الشابة؟ ذلك سؤال الإقصاء من البوح حينما تقيأ الوطن ماضيه في جلسات الاستماع… حتى الاعتراف برقة الصخر ضمنيا معناها الاعتراف بحنان ورقة الجلاد… وأروع ما جعلت منه نبراسا أرتب به حروف فجيعتي بل حفظته عن ظهر قلب مع العلم أنني اختلست أوراقه قبل المنع إلى أن وصلت إلى موقف أعبر فيه أن الملكية الفكرية في الإبداع اللغوي يجب أن تسجل لمن أعاد دور الناسخ الناقص (كان و أخواتها) لقد أصبحت أفعالا تامة و مستوفية للشروط رفعت المشنقة ونصبت المشنوق.
أخذت عنهم و هاأنذا أمتطي منبر السرد أنقح أفكاري ألبسها كلمات تنزف دموعا… ما ترددوا ولا استكانوا في التعبير بالدقة حتى فسحوا مجال إشراك المتلقي وأنا واحدة منهم فصار ينتابني إحساس غريب حين أقرأ وأعيد أحس وكأن سياطا طائشة تخترق أركان جسدي , و هذه هي قمة الحكمة عندما تعاملت مع نصوصهم نعم حققت مرتبة الحلول بيني وبين السارد (ة) لدراما العنف بالمختصر المفيد تأكدت أن الروح عندي و عندهم تكلمت .
بعد هذه الإطلالة والتي لا أملك مهمة التفصيل فيها بقدر ما أن المسؤولية ملقاة على ذوي الاختصاص في القراءات والنقد و تحليل الكلام… صدى أصوات السجان و السجانة في حي النساء تردده حتى (الكابرانات) يحدث زلزال وما زالت تدبدباته تخترق سماعي وتهز جسدي متى استحضرت درسا تطبيقيا تم إنجازه بحضوري في عين المكان والأسبوع الأول من بدء حصاري وتكميم فمي بسجن مسقط رأسي خشبة مسرح النضال… تلك البئيسة اليافعة يبدو أنها ولجت باب الشباب ببعض الأيام المنحدرة من قرية ضواحي المدينة والتهمة عابرة تستحق بعض الإجراءات التأديبية في إصلاحية …ذات صباح تستعد المارات من دروب الازدراء للاصطفاف في طابور استعدادا للنداء في حين كانت إحدى السجانات ذات بنية جسدية ذكورية تنسجم وحمل الأثقال، تصرح تجر الشابة إلى أن تمكنت من جسدها الطري فدفته بقوة جرافة على خرسانة تأكدت أن اليوم عيد أضحى و الأضحية هذه الشابة … لم أستطع التحكم في جسدي ربما هويت أرضا حينما سال الدم وديانا من فتحات رأسها و طالت رشاته ملابسي … بصمت بالعشرة أن هذه الشراسة تحمل من الحقد على الإنسانية ما تصرفه عنفا و من سوء حظي أن أكون شاهدة و بالتالي رحلت إلى عالم تبطيق الجريمة باسم التقويم و الإصلاح … بدأت تتواتر أمامي وجبات من التنكيل مما جعلني أطرح فرضية : هل هده الخليقة التي تكلفت بالتربية والتقويم خضعت لعملية جراحية انتزعت منها المشاعر الإنسانية أم أن اختيارهن خضع لمعايير بعينها تجعل منهم قادرات على تنفيذ كل الأساليب الزجرية العقابية التنكيلية يلحق بالضحية أضرارا جسدية أو نفسية ؟ بل سكنت دواخلي وما زالت تقض مضجعي إلى الآن… تجدد و تعمق مأساتي كل ما فتحت دفاتر يوميات حصاري أطرح نفس سؤال يؤرقني …لماذا كان من حظي أن أكون شاهدة عيان في يوم القيامة الدنيوي؟
حاولت عدة مرات أن أتخلص من هذا الكابوس الجاثم على أنفاسي رغم أن عشرية نصف قرن استأنفت منذ سنتين… حاولت أن أبني جدارا يعزلني عن هذا الرعب الساكن أوصالي خصوصا والجراح يزداد عمقها حينما يتم التشفي وقذفي نميمة ليس فقط من الغرباء أو من يعانون من بؤس معرفة سقفها بعض من التعبيرلا وعي سياسي بل هو وعي شقي، ربما أقبلها من مي الحاجة أو القريبة (أم السعد) حينما أسرت لي بأن ابنها كان يجمع جرائد وصحفا تشهر صوري والكتابة عني ونشر تفاصيل محاكمتي ويقوم بإحراقها… لا أرغب في أن أساير ابنة خالتي لكي أشرح لها أن اعتقالي شرف يستحيل أن تنتزعه الفارات من شوارع وأزقة الاحتجاج في مواجهة من يتحكم في امتلاك حريتنا وتكبيل القدرات… لا أرغب في هدر الزمن مع العزيزة فقط أشكرها على حسن ما قدمه لي نجلها من ستر فضيحة لاصقة بسمعتي اسمها النضال… فالمضحك المبكي أن يتم القذف بلطف الكلام الممرر لرسالة التشفي والتأكيد على أن القدرات العقلية لمن أدت ضريبة النضال تركتها ملفوفة في (كاشة) من ثلاث (كواش) سلمت لي عندما ولجت باب الحشر وفي أحقر سجون بالمغرب … نميمة التشفي ونعتي بالحمق حملته معي من سراديب الاعتقال بالرسالة والصوت والصورة نعم حدث هذا في عقر منزلنا ضاربات القداسة وصدق الإنتماء .
السجن عبقرية عنف تفتقت على أن يتكلف جلاد (ة) على تنفيذ الفعل التنكيلي أنا شاهدة تصريفه جسديا نفسيا على بئيسات مارات من دروب الازدراء. في هذه الخيمات الاسمنتية تنقش الأحرف البارزة للعقاب النفسي والجسدي ستسكن الضحية و من تتوفر على مؤهلات استضمار الانحراف يكون السجن الحضانة الأولى لتوزيعه بالجملة والتقسيط .
أستحلفكم إخوة و أخوات الإنسانية أن تسعفوا شغفي من أجل فهم حقيقة كاملة غير مبتورة هل السجن كما عرفته في الماضي وإياكم أعني يا جيل سجون التلفزة والفرن والويفي والهواتف الذكية و البليدة أيضا وفرش فوسادة (ريشبوند) وقبل الرجاء لا أخفيكم سرا كنت أحلم بعطر أن أستمع إلى مذياع يكسر المألوف من حولي أن ألبس جوارب ناعمة في لون ساقيا بقوة الممنوع يستحيل فحلمي يندرج في إطارالراحة والرفاهية والمتع. أناشدكم ساعدوني على أن أروي استفساري هل السجن كما عرفته بل عايشته كان تدبيرا وقائيا أم عقابيا تنكيليا تمارس فيه لازمة (هوبز) الإنسان ذئب لأخيه الإنسان.
هوامش
1 – منادل و قضبان رواية للراحلة المناضلة ثريا السقاط
2 – كان و أخواتها رواية سيرة سجنية للمناضل عبد القادر الشاوي


الكاتب : مليكة طيطان

  

بتاريخ : 13/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *