عود‭ ‬على‭ ‬بدء‮:‬‭‬رحلة‭ ‬المغربي‭ ‬المندهش‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬الحديثة‮…‬ 3

مرت‭ ‬علي‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات،‭ ‬منذ‭ ‬آخر‭ ‬زيارة‭ ‬لي‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬الحديثة‮.. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬حزبية،‭ ‬
في‭ ‬إطار‭ ‬وفد‭ ‬يضم‭ ‬أحزاب‭ ‬الكتلة‭ ‬الديموقراطية‮.‬
تغيرت‭ ‬الأسباب،‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬العم‭ ‬ماو،‭ ‬بقبعة‭ ‬الجهوية‭ ‬المتقدمة‮.‬

 

مرت‭ ‬علي‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات،‭ ‬منذ‭ ‬آخر‭ ‬زيارة‭ ‬لي‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬الحديثة‮..‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬حزبية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬وفد‭ ‬يضم‭ ‬أحزاب‭ ‬الكتلة‭ ‬الديموقراطية‮.‬
تغيرت‭ ‬الأسباب،‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬بلاد‭ ‬العم‭ ‬ماو،‭ ‬بقبعة‭ ‬الجهوية‭ ‬المتقدمة‮.‬
كم‭ ‬سنة‭ ‬ضوئية،‭ ‬تكون‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬قطعتها‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬تفصلني‭ ‬عن‭ ‬الصور‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتلك‭ ‬الزيارة‭ ‬البعيدة‭ ‬وسأكتشفها‭ ‬اليوم‭ ‬يا‭ ‬إلهي؟
لم‭ ‬يطل‭ ‬الانتظار‭ ‬‮..‬
وصلنا‭ ‬مطار‭ ‬مدينة‭ ‬يوهان‭ ‬ـ أو‭ ‬يوخان‭ ‬بالنطق‭ ‬الصيني‭- ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬14‭ ‬أكتوبر،‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬الثامنة‮.‬‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬غادرنا‭ ‬المغرب‭ ‬صباح‭ ‬السبت‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬العاشرة،‭ ‬باتجاه‭ ‬مطار‭» ‬شارل‭ ‬دوغول» ‬بباريس‮.‬‭ ‬تأخرت‭ ‬الطائرة‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬أربعين‭ ‬دقيقة،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬قلص‭ ‬مدة‭ ‬مكوثنا‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬مما‭ ‬جعلنا‭ ‬نتوجه‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬إلى‭ ‬الطائرة‭ ‬الذاهبة‭ ‬إلى‭ ‬الصين‮…‬‭. ‬ الطراز‭ ‬الفرنسي‭ ‬المخصص‭ ‬للمسافرين‭ ‬في‭ ‬طائرات ‭»‬إير‭ ‬فرانس» ‬من‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء‭ ‬يشعرك‭ ‬بأن‭ ‬الركاب‭ ‬المغاربة،‭ ‬ولو‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ليسوا‭ ‬الانشغال‭ ‬الأول‭ ‬للشركة‭ ‬المكلفة‭ ‬بطيرانهم‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬أسطولها‮..‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬تفصيل‭ ‬صغير‭ ‬حقا‭ ‬أمام‭ ‬الرحلة‭ ‬الطويلة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنتظرنا‮.‬‭‬
عندما‭ ‬ركبنا‭ ‬الطائرة‭ ‬التي‭ ‬تقلع‭ ‬من‭ ‬مطار‭» ‬شارل‭ ‬دوغول» ‬اتضح‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬حكمنا‭ ‬على‭ ‬رحلة‭ ‬البيضاء‭ – ‬باريس‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬حكم‭ ‬قيمة‮..‬
الفصيلة‭ ‬الجديدة‭ ‬من‭ ‬طيور‭ ‬الحديد‭ ‬فيها‭ ‬مواصفات‭ ‬عالية‭ ‬للراحة‭ ‬‮ «واللهو‮..».‬
كنت‭ ‬ورفيقي‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬وحب‭ ‬الصينيين‭ ‬والصين،‭ ‬وليم‭ ‬مصطفى،‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي،‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬بلجيكا‭ ‬إلى‭ ‬سطات‭ ‬ومن‭ ‬جامعة‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬وتدريس‭ ‬الفيزياء‭ ‬إلى‭ ‬شوون‭ ‬رئاسة‭ ‬الجهة‭ ‬ومكتب‭ ‬الرئيس‭ ‬كمستشار،‭ ‬كنا‭ ‬نحاول‭ ‬تخليد‭ ‬اللحظة،‭ ‬بما‭ ‬يليق‭ ‬برحلة‭ ‬معول‭ ‬عليها‭ ‬كثيرا‭ ‬في‭ ‬تعميق‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬أحد‭ ‬كتاب‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬‮-‬آلان‭ ‬بايريفت‭ ‬‮-‬‭ ‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬سيستيقظ‭ ‬ستُزلزل‭ ‬الأرض،‮… ‬‭‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬أطروحته،‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬بكل‭ ‬تبسيط‭:‬‭ ‬«نظرا‭ ‬للكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬والتزايد‭ ‬المتواتر‭ ‬فإن‭ ‬الصين‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬ستفرض‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬بمجد،‭ ‬كما‭ ‬ستتحكم‭ ‬كفاية‭ ‬بالتكنولوجيا‮».‬
هل‭ ‬قلتم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬يا‭ ‬سادة‮ ‬‭!‬؟‬
طيب،‭ ‬بمجرد‭ ‬نزولنا‭ ‬وجدنا‭ ‬في‭ ‬استقبالنا‭ ‬طاقما‭ ‬من‭ ‬المطار،‭ ‬وقد‭ ‬كتب،‭ ‬كما‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الرحلات‭ ‬الرسمية،‭ ‬اسمينا‭ ‬على‭ ‬يافطة‭ ‬أشهرها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الخارجين‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭.‬
قادنا‭ ‬الطاقم،‭ ‬عبر‭ ‬ردهات‭ ‬المطار،‭ ‬والعبد‭ ‬الفقير‭ ‬لرحمة‭ ‬ربه‭ ‬ولطفه،‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقارن‭ ‬بين‭ ‬ذكريات‭ ‬الرحلة‭ ‬القديمة‭ ‬والرحلة‭ ‬الحديثة،‭ ‬ليخلص‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬درجة‭ ‬الانفتاح‭ ‬ارتفعت‭ ‬للغاية،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬الحرس‭ ‬الجمركي‭ ‬بتلك‭ ‬الصرامة‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬القادمين‭ ‬كلهم‭ ‬رهن‭ ‬إشارة‭ ‬النظرة‭ ‬الأمنية‮.‬
كلا،‭ ‬لقد‭ ‬سهلوا‭ ‬عبورنا‭ ‬مثل‭ ‬عبور‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬ركاب‭ ‬الطائرة‭.‬
التكنولوجيا‭‬؟
انتظروا‮..‬
في‭ ‬الردهة‭ ‬الطويلة‭ ‬قبل‭ ‬شرطة‭ ‬المطار‭ ‬اصطفت‭ ‬آلات،‭ ‬تشبه‭ ‬الشبابيك‭ ‬التي‭ ‬تضعها‭ ‬الأبناك‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬المطارات،‭ ‬سبقنا‭ ‬إليها‭ ‬ركاب،‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬هيآتهم‭ ‬وقاماتهم‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬سحناتهم‭ ‬أنهم‭ ‬ليسوا‭ ‬صينيين،‭ ‬كان‭ ‬الواحد‭ ‬منهم‭ ‬يضع‭ ‬جواز‭ ‬سفره‭ ‬على‭ ‬كاشف‭ ‬ضوئي‭ ‬للآلة‭ ‬وهي‭ ‬تحدثه‭ ‬بلغته‭ ‬وتطلب‭ ‬منه‭ ‬بعض‭ ‬الحركات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قديما‭ ‬يطلبها‭ ‬البوليس‮.‬
كذلك‭ ‬فعلنا،‭ ‬وضعت‭ ‬جواز‭ ‬السفر،‭ ‬فحدثتنا‭ ‬بعربية‭ ‬فصيحة‭ ‬للغاية‮. ‬‭‬عرفت‭ ‬من‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭ ‬أني‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬لغتها‭ ‬المكتوبة‭ ‬هي‭ ‬العربية‮..‬
طلبت‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أضع‭ ‬أصابع‭ ‬يدي‭ ‬اليسرى‭ ‬على‭ ‬الكاشف‭ ‬الضوئي‭ ‬ثم‭ ‬أصابع‭ ‬يدي‭ ‬اليمنى‭ ‬الأربعة‭ ‬ثم‭ ‬‮:‬‭ ‬انتبهوا‮:‬‭ ‬ضع‭ ‬الإبهامين،‭ ‬آي‭ ‬نعم‭ ‬السي‭ ‬عيوش،‭ ‬بلغة‭ ‬تحترم‭ ‬النحو‭ ‬والصرف‭ ‬والإعراب،
لم‭ ‬تقل‭ ‬الإبهام
‭ ‬ولا‭ ‬الإبهامات
‭ ‬ولا‭ ‬البهائم
قالت‭ :‬إبهامان
تم‭ ‬انتهى‭ ‬الأمر،‭ ‬وتركناها‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬حيص‭ ‬بيص‭ ‬نضرب‭ ‬أسداسا‭ ‬في‭ ‬أخماس،‭ ‬نبسمل‭ ‬ونحوقل‭ ‬ونحمدل‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬مطاراتنا‭ ‬وإلا‭ ‬كنا‭ ‬ضعنا‭ ‬في‭ ‬معارك‭ ‬حول‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬ستستغلها‭ ‬أفضل‮…‬‭…‬
بتلك‭ ‬الدوخة‭ ‬
بذلك‭ ‬الانبهار‭ ‬تقدم‭ ‬العبد‭ ‬الضعيف‭ ‬ورفيقه‭ ‬نحو‭ ‬الشرطة‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬المطار‭:‬ جمارك‭ ‬الأمن.
تكرار‭ ‬عملية‭ ‬الآلة،‭ ‬بمرونة‭ ‬أكبر، وفي‭ ‬وقت‭ ‬يسير‭ ‬للغاية‮..‬
عندما‭ ‬غادرنا‭ ‬الحاجز‭ ‬الأمني،‭ ‬كان‭ ‬أمامنا‭ ‬مصعد‭ ‬دلتنا‭ ‬عليه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬مرافقينا،‭ ‬ركبناه‭ ‬باتجاه‭ ‬الطابق‭ ‬السفلي،‭ ‬باتجاه‭ ‬حقائبنا‭ ‬التي‭ ‬ودعناها‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نخشى‭ ‬ضياعها‭ ‬بين‭ ‬فرنسا‭ ‬والصين‭…‬‮
كانت‭ ‬يوهان،‭ ‬صبيحة‭ ‬ذلك‭ ‬الأحد،‭ ‬هادئة،‭ ‬والطريق‭ ‬السيار‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬إلى‭ ‬المدينة،‭ ‬سلسل،‭ ‬قالت‭ ‬مرافقتانا،‭ ‬‮«يو‮»،‭ ‬و«شان‭ ‬زي‮» ‬اللتان‭ ‬سبق‭ ‬لهما‭ ‬أن‭ ‬زارتا‭ ‬المغرب‭ ‬منذ‭ ‬أسابيع،‭ ‬ضمن‭ ‬وفد‭ ‬جهة‭» ‬‮‬خوباي» ‬‭ ‬رفقة‭ ‬السيدة‭ ‬نائبة‭ ‬حاكم‭ ‬أو‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الجهة‭ ‬التنفيذي،‭ ‬السيد‭ ‬شانغ‭ ‬لي،‭ ‬إن‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬تفصلنا‭ ‬عن‭ ‬الفندق،‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬04‭ ‬دقيقة،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬أكبر‭ ‬احتقان‭ ‬ممكن‭ ‬في‭ ‬الجوَلان‮..‬
كذلك‭ ‬كان‭…‬‮
في‭ ‬الفندق،‭ ‬قاعة‭ ‬فسيحة،‭ ‬عليها‭ ‬جدارية‭ ‬فاتنة،‭ ‬الفنية‭ ‬أذابت‭ ‬اليشاب ‭‬‮(‬الجاد) في‭ ‬مشاهد‭ ‬مائية‭ ‬تكاد‭ ‬تدعو‭ ‬الناظر‭ ‬إلى‭ ‬جولة‭ ‬على‭ ‬الجدار.قاعة‭ ‬فارغة،‭ ‬يسكنها‭ ‬طيف‭ ‬ما،‭ ‬من‭ ‬بحيرات‭ ‬الجهة،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يسميها‭ ‬أهلها‭ ‬جهة‭ ‬الألف‭ ‬بحيرة‮..‬
ماء‭ ‬يكاد‭ ‬يهدر‭ ‬على‭ ‬جدار‭ ‬أبيض‭ ‬ونحن‭ ‬مفتونون.تذكرت‭ ‬كوانغ‭ ‬سي‭ ‬الأسطورية‭ ‬في‭ ‬زيارتي‭ ‬منذ‭ ‬ثمان‭ ‬سنوات،‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬بحيرة‭ ‬تسكنها‭ ‬أطياف‭ ‬العاشقين‮..‬
ألهذا‭ ‬شعرت‭ ‬كما‭ ‬ولو‭ ‬أنني‭ ‬زرت‭ ‬يوهان‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬أم‭ ‬تراني‭ ‬زرتها‭ ‬حقا؟
أم‭ ‬هو‭ ‬خيال‭ ‬مشبع‭ ‬سبق‭ ‬جسدي‭ ‬إلى‭ ‬هنا،‭ ‬نبتت‭ ‬على‭ ‬أطرافه‭ ‬جملة‭ ‬شعرية‭ ‬أو‭ ‬نص‭ ‬مقدس؟


بتاريخ : 25/10/2018