يعرف استعمال العربات المجرورة بواسطة الدواب « بغال – حمير …» انتشارا واسعا داخل سيدي بنور، نتيجة للبطالة والفقر والهشاشة التي تعيشها أغلب الأسر، خاصة تلك التي تتواجد في هامش المدينة أو بدور الصفيح التي تحضر في هذه الرقعة الجغرافية، بالإضافة إلى الطابع الفلاحي الطاغي عليها، الأمر الذي يجعلها محاطة بالعديد من الدواوير القروية التي يستعمل سكانها العربات المجرورة في تنقلاتهم من والى المدينة لقضاء أغراضهم أو لأجل التسوق يوم الثلاثاء.
تكتسي العربات المجرورة بواسطة الدواب أهمية كبيرة في حياة فئة معينة من الساكنة، التي تجعل منها وسيلة أو أداة لحمل الأثقال، كما أنها تشكّل للبعض مصدر رزق بصور متعددة، وفي الوقت الذي ينتظر فيه عدد من المتتبعين والمهتمين بالشأن المجالي تراجعا في عددها وعدد مستعمليها بسبب التطور التكنولوجي والعلمي الحديث، حيث ظهرت وسائل نقل متعددة تخدم الإنسانية في كل المجالات وبالسرعة المطلوبة، وفي الوقت الذي يجب إعفاء تلك الدواب من الجرّ وحمل الأثقال والتعرض للضرب بواسطة عصي غليظة ووخزها بواسطة إبر غليظة ( مخيط )، فإنها وبكل أسف في تزايد مستمر عكس المتوقع مما تسبب ويتسبب في العديد من المشاكل .
عربات متعددة الاستعمالات
يتكاثر بمنطقة دكالة عامة، وبمدينة سيدي بنور بالخصوص، استعمال العربات المجرورة بواسطة الدواب، حيث يستعملها البعض كوسيلة لكسب قوته اليومي، في حين أصبحت لدى البعض الآخر وسيلة استثمار، حيث يتم كراؤها للغير بأثمنة تتراوح مابين 30 و 100 درهم لليوم الواحد، في حين هناك فئة تستعين بها في عرض سلعتها للبيع كالفواكه والخضر، وفئة أخرى في تقديم خدمات التنقل وحمل بعض المواد كالإسمنت والرمل وغيرهما من المواد، لذلك فالعربات تختلف الواحدة عن الأخرى في الحجم والهيكل، منها من لها عجلتين ومنها من لها أربعة كما يختلف عدد الدواب التي تجرها.
هذا النوع من العربات المجرورة بالدواب يبقى كلاسيكيا، وانضاف إليه نوع ثانِ، سعى أصحابها إلى إدخال لمسات «الحداثة والتطور» عليها، فصارت مزودة بجهاز راديو كاسيط أوو vcd مفروشة بالحصير، ومنها من صممت بداخلها مقاعد غطتها قطعة كبيرة من البلاستيك، فصارت تشبه المقصورات، وذلك بهدف تحسين الخدمات التي تقدمها لزبنائها في التنقل.
نقل، قد ينطوي على مخاطر كثيرة، إذ ونظرا لرخص ثمنها، فقد تجد عربة من هذا النوع تقل أزيد من 20 فردا دون استحضار لحجم التبعات الوخيمة التي قد تنجم عن هذا الفعل، فالراكب الواحد يؤدي 1،50 درهم فقط، في حين يكون مضطرا عند استعمال سيارة اجرة من الحجم الصغير إلى دفع 5 دراهم على الأقل، ونظرا للظروف الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الأسر فالإقبال على العربات المجرورة يظل في تزايد .
مصدر رزق
التقت الجريدة ببعض الأشخاص يمتطون العربات المجرورة واستفسرتهم في الموضوع فكان تبريرهم في استعمال العربات المجرورة، رخص ثمنها وتواجدها بكثرة بالإضافة إلى حمل كل ما يريدون على متنها، لذلك فهم يفضلونها عن غيرها من الوسائل. في المقابل أكد مصطفى، وهو صاحب العربة، على أنها الوسيلة الوحيدة التي يكسب بها قوت يومه، مشيرا في جواب لنا عن الدخل اليومي الذي يكسبه، بأن يوم السوق الأسبوعي هو أفضل أيام الأسبوع، حيث يكون دخله يتراوح ما بين 200 و 250 درهم، أما الأيام العادية فلا يتجاوز دخله 60 إلى 100 درهم على أقصى حدّ، يصرف منها قسطا مهما على علف الدواب فلا يبقى منها سوى « ركة « قليلة حسب تصريحه.
بدوره، أبرز مصطفى، وهو صاحب عربة مجرورة بدابّة أيضا، والذي يبلغ من العمر 52 سنة، أنه يعيل أسرة متكونة من ستة أفراد ويقطن بأحد الدواوير المجاورة، مشددا على أنه ليست له وسيلة أخرى للكسب والعيش سوى عربته التي يجرها بغل ظهرت عظام صدره لاصقة على جلده، وهو ما يفسر حالة الجوع التي طالته .
خطر متنقّل
شكلت العربات المجرورة بالمدينة تحديا حقيقيا لأصحاب سيارات الأجرة من الصنف الصغير، بسبب الإقبال عليها بشكل كبير، لكن هذا التوجه نحو استعمال هذا النوع من «وسائل النقل» لم يكن يمر بسلاسة دوما دون تسجيل حوادث تختلف حدتها، إذ أصيبت في حادث سابق موظفة بكسر على مستوى يدها اليمنى بعدما انقطع حزام العربة فهوت بالركاب أرضا. كما ولجت فتاة المستشفى بعدما اصطدمت العربة التي كانت على متنها بإحدى السيارات المسجّلة بالخارج. ويتذكر المتتبعون للوضع كذلك إصابة رجل على مستوى ركبته بعدما عضّه بغل. ويبقى الحادث المأساوي الأكثر ألما، فقدان امرأة لحياتها بعدما داستها عربة بالقرب من مقر المحكمة.
حالات متعددة ومؤلمة، تزداد فظاعة وقساوة، في ظل استعمال هذه العربات، اضطراريا، في غياب الشروط القانونية والوقائية الضرورية، ومنها غياب أي تأمين أو ترخيص من طرف الجهات المسؤولة. ويقدّر عدد العربات المجرورة يوم السوق الأسبوعي فقط، وفقا لمصادر الجريدة، بحوالي 3400 عربة، في حين يقدر في الأيام العادية بحوالي 1300 عربة ، وحسب نفس المصادر، فإن هذه العربات أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على سلامة المواطنين وهي التي تعج بها المدينة منذ الصباح الباكر وحتى أوقات متأخرة من الليل، وهو ما يحدث كذلك الضجيج ويقلق راحة المواطنين، فضلا عن انتشار الأوساخ .
منع وحملات
أصدر المجلس البلدي مؤخرا قرارا، أوضحت مصادر الجريدة، أن من شأنه أن يرفع ولو نسبيا طابع البداوة عن مدينة سيدي بنور ويجعلها ترتقي إلى مجال التمدن ، ويتعلق الأمر بقرار يُمنَع بموجبه تجوال العربات المجرورة بالمدار الحضري، والذي جاء بعدما تسببت عربة مجرورة في إزهاق روح سيدة مسنة الشهر الفائت، حيث تجندت السلطات المحلية، وعناصر الأمن الوطني، وعناصر القوات المساعدة، لمحاربة الظاهرة التي أوجعت النفوس وأضرّت بالوضع البيئي لمدينة تعد القلب النابض لمنطقة دكالة .
وقامت خلال الفترة الأخيرة السلطات المحلية، ومصلحة السير والجولان بالمنطقة الأمنية الإقليمية، و عناصر القوات المساعدة، بحملات تمشيط تم على إثرها إيداع العديد من العربات المجرورة بالمحجز البلدي، كعقاب على خرقها لقوانين السير أو لارتكابها مخالفة ما. وحسب مصدر مسؤول فإن أغلبية سائقي هذه العربات هم من فئة الأطفال، الذين انقطعوا عن الدراسة ليمتهنوا هذه المهنة، حيث يتم استغلالهم في تناف مع قانون عدم تشغيل الأطفال، كما يتم استغلال الأطفال الصغار المنقطعين عن الدراسة، الذين امتهنوا سياقة هاته العربات وجعلوا منها حرفة لهم.
حملات لقيت رفضا من طرف البعض، بالنظر لعوامل ودوافع اجتماعية متعددة، لكن بالمقابل استحسنتها فئة عريضة التي رأت فيها قطعا مع مظاهر للفوضى والتسيب، لكن عددا من أصحاب هذا الرأي نبهوا إلى ضرورة استمراريتها وعدم التعامل معها بمنطق «لعبة الغميضة»، لكي لا تدخل العربة إلى المحجز البلدي من باب ويتم إخراجها من باب آخر، بـ «فضل» التدخلات والوساطة، فتذهب بذلك المجهودات المبذولة من مختلف المصالح والمتدخلين عبثا.
تأطير وتقنين
يرى عدد من مواطني سيدي بنور أن التنظيم لا يأتي بالضرورة مع قطع الأرزاق، وإنما من خلال خلق بدائل واقتراح حلول، تستحضر البعد الاجتماعي بكل تأكيد لكنها تمتثل لروح القانون أساسا، وفي هذا الإطار يرى عدد من المواطنين الذين التقتهم الجريدة أنه يتعين على المجلس البلدي تنظيم أصحاب العربات المجرورة ومدّهم بالرخص الضرورية، والعمل على خلق مدار خاص بهم، حفاظا على لقمة عيشهم التي يكسبونها بعرق الجبين، فهو المسؤول الأول على سلامة الطرقات بالمدينة وحمايتها من «التلاشي»، كما أنه مسؤول على نظافة البيئة، وذلك بجمع الفضلات والإفرازات الكريهة التي تطرحها الدواب المستعملة في جرّ العربات، ومن ضمن مسؤوليته كذلك الحفاظ على جمالية المدينة وسلامة الساكنة من الحوادث والأمراض وانتشار الأوبئة.
تشريعات وعقوبات
تطرق المشرع المغربي إلى العديد من النصوص في القانون الجنائي خاصة في الفصلين 608 و 609 والمتعلقة بالمخالفات حيث نص الفصل 608 في النقطة 1 و 10 مايلي :
الفصل 608 : ظهير 6 / 5 / 82 ، يعاقب بالاعتقال من يوم إلى خمسة عشرة يوما وبغرامة من عشرين إلى مائتي درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط : 1 – من ارتكب أعمال عنف أو ايداء خفيف 10- من ضايق الطريق العام بأن وضع أو ترك فيه دون ضرورة مواد أو أشياء من أي نوع كانت ، تعطل أو تحد من حرية المرور أو سلامته
أما الفصل 609 فقد نص في النقطة 14 و 15 و 17 و 27 و 32 و 37 منه على مايلي :
الفصل 609 : ظهير 6 / 5 / 82 . يعاقب بغرامة من عشرة إلى مائة وعشرين درهما من ارتكب إحدى المخالفات التالية : 14 –سائقوا العربات والناقلات والسيارات من أي نوع كانت أو دواب الجر أو الحمل أو سيارتهم بحيث يكونون متمكنين دائما من توجيهها وقيادتها بالتزام جانب واحد من الشارع أو الممر أو الطريق العام بالانحياز والتنحي أمام السيارات الأخرى وترك نصف الطريق على الأقل لتسهيل مرورها عند اقترابها . 15 – من أجر خيولا أو غيرها من دواب الجر أو الحمل أو الركوب أو تركها تجري داخل مكان آهل بالسكان ، وكذلك من خالف النظم المتعلقة بالحمولة أو السرعة أو قيادة السيارة . 17 – من قاد حصانا أو أية دابة أخرى من دواب الركوب أو الجر أو الناقلات بسرعة زائدة وخطيرة على الجمهور . 27 – من عيب أو أتلف بأية وسيلة كانت طريقا عاما أو اغتصب جزءا منه . 32 – من ألقى أو وضع في الطريق العام قاذورات أو فضلات أو أزبال أو ماء الغسيل أو أي مادة من شأنها أن تؤدي بسقوطها أو أن تنشر روائح ضارة أو كريهة . 37 – من ارتكب علانية قسا وة على حيوان مستأنس مملوك له أو معهود إليه برعايته وكذلك من أساء معاملته بالزيادة في حمولته .
على سبيل الختم
إذا كان القانون يعاقب على العديد من المخالفات التي قد ترتكب من طرف أصحاب العربات المجرورة، وإذا كانت سلامة المواطنين مشتركة بين الجميع من سلطات محلية ومجلس بلدي وشرطة ومجتمع مدني، فإن طابع المنطقة الفلاحي يستوجب على من تحملوا مسؤولية تدبير أمور سكان المدينة تنظيم أصحاب هذه العربات والتدخل لأجل توعيتهم بواقعهم، مع ضرورة التعاون لما فيه مصلحة الجميع والمدينة بالخصوص، خدمة لسلامة البيئة وصحة المواطنين والحفاظ على جمالية المدينة وإيقاف نزيف الحوادث المؤلمة التي تقع بين الفينة والأخرى بسبب هذه العربات.
إن ترك الأمور لحالها والكتابة على الأوراق وإصدار القرارات دون تفعيلها أو فقط لذر الرماد على الأعين يعد بمثابة سكب الماء في الرمل، و بالتالي سيكون الحال هو « عودة حليمة لعادتها القديمة «؟