عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة -14- القائد عسيى بن عمر ممثلا للسلطة المخزنية (القيادة الصغرى)

تعود «الاتحاد الاشتراكي» من جديد لتحيي ذاكرة تاريخية لمنطقة عرفت عبر مراحل تاريخية جد مهمة أحداثا مازالت منقوشة من خلال الآثار الجغرافية أو ما تم تدوينه كإرث تاريخي لعصر اختلف فيه الباحثون، وحوله بعض المؤلفين إلى سيناريوهات بعيدة كل البعد عن الحقائق التاريخية، بل جعلوا منها أحداثا قابلة للفرجة، ولو كان ذلك على حساب تزييف مرحلة تاريخية مهمة .
نعود لنعرض أهم احداث الفترة ما بين (1879-1914) التي وقعت بمنطقة عبدة، والتي عرفت حكم القائد (عيسى بن عمر العبدي)، اعتمادا على كتاب «عيسى بن عمر.. قائد عبدة» لمؤلفه الأستاذ المصطفى فنيتير. وجاء في مقدمة هذا الكتاب التي أعدها الأستاذ ابراهيم بوطالب «أن عيسى بن عمر البحتري العبدي»، رجل سلطة، نشأ بين أحضان السلطة وعاش من ممارستها ومات وهو في حرمتها..

كان عيسى بن عمر ينتمي إلى أسرة ارستقراطية من قلبية البحاترة، مارست تأثيرها المادي والمعنوي على القبيلة لمدة تزيد على نصف قرن حيث توارث أفرادها منصب القيادة، وأصبحوا متميزين داخل القبيلة ومرموقين لدى المخزن المركزي، وكان عيسى بن عمر نظرا لتجربته وحنكته مرشحا لخلافة أخيه على قيادة قبيلة البحاترة، فما هي الظروف التي أهلته لتلوي منصب القيادة؟

– عيسى بن عمر خليفة لأخيه القائد أحمد بن عمر (1864-1879)

ظلت المراحل الأولى من حياة عيسى بن عمر غير معروفة لدى العديد من المتتبعين، فمن المحتمل أن يكون من مواليد سنة 1842ميلادية، وأنه عاش في كنف أسريته، وتولى أخوه القائد محمد بن عمر الإشراف على تربيته ورعايته، وحرص على تلقينه مبادئ القراءة والكتابة وأصول الدين والشريعة، ولعله اكتفى بالمبادئ الأولية حيث يظهر ذلك واضحا من خلال خطه، وتعاليقه على الرسائل، لكن رصيده الحقيقي كان مستمدا من تجربته واحتكاكه اليومي بالمشاكل التي عاشها بجانب أخيه.
فقد استخلفه على قيادة البحاترة وهو شاب لا يتجاوز الإحدى وعشرين سنة، وطيشه يشتغل بأمور استدعت من القائد تأنيبه، فيذكر:
خطرت امرأة مغنية بلدنا (الشيخة) فكنت وأنا شاب أذهب بها مع رفقاء لي إلى غار بعيد من العمارة، فتغني لي، وقد حرصنا على أن لا يعرف ذلك أحد، لأن ذلك كان مستغربا في ذلك العهد الذي لا يعرف الناس فيه إلا الجد.. ثم لما أراد القائد أخي أن يسافر مرة أخرى إلى السلطان خرجت مع كل رجالات القبيلة حتى وصلنا محلا نعتاد أن نودعه فيه، فحين ودع الناس ورجعت عنه قليلا، أمال عنق فرسه، فناداني قائلا: ها أنا ذاهب، فاستغل أيضا في الغيران بفعلتك. فبقيت مبهوتا ولو أمكن لي أن اسيح في الأرض لفعلت من كثرة ما (عراني) حين عرف عني ما انتهك به عرضي أمامي، ثم كان ذلك أخر عهدي بمثل ذلك….
وربما ترجع هذه الرواية إلى مرحلة شبابه، حيث كان يخلف أخاه، وبعدها دخل في مرحلة الجد والتمرس على مواجهة المهام الصعبة والشاقة. فقد ساهم بجانب أخيه القائد محمد بن عمر في بعض المهمات التي كان يكلف بها القائد من طرف السلطان، كالتضييق على إحدى الفرق من قبيلة أحمر لما تمردت على قائدها، وبقي الخليفة عيسى بن عمر محاصرا لها مع باقي قواد عبدة، لما توجه أخوه القائد لمعالجة هذه القضية مع الخليفة السلطاني المولى الحسن لمراكش. كما كان بعينه على رأس الفرسان الذين تقدمهم قببلة البحاترة للخدمة السلطانية بالقصبة المنشية بمراكش، صحبة أخيه الذي عينته كبيرا عليهم..
وبرزت حنكته أكثر، لما واجه ما كان يحبكه قائد قبيلة الربيعة أحمد بن العياشي ضد أخيه لما تغيب القائد محمد بن عمر بسبب المرض عن حضور إحدى مناسبات العيد حوالي سنة 1295 هجرية/ 1879 ميلادية، فأقدم القائد أحمد العياشي على شراء قيادته، ولما بلغ الخبر لمحمد بن عمر، أرسل خليفته عيسى بن عمر الذي استعمل كل وسائله واستغل علاقاته بالأجهزة العليا داخل المخزن المركزي، فانقد قيادة أخيه، بل ونكب القائد أحمد العياشي وحاز قيادته بأموال باهضة .
واثناء فترة الخلافة تزوج عيسى بن عمر إحدى بنات عمه القائد أحمد بن عيسى ، وهي أول زوجاته ، وله منها أبناء مشهورون هم: محمد.. وأحمد… والهاشمي. وقبل وفاة القائد محمد بن عمر، كان يوصيه دائما بالاعتماد على بعض خدامه المخلصين الذين تفانوا في خدمته فقال له: تشاور مع الطاهر فهو حبيبنا، واتخذ با رزوق حارسا على الباب، وعين الخادمة فلانة على المطبخ ..
لاشك أن هذه الفترة كانت بمثابة المدرسة الحقيقية التي تعلم خلالها عيسى بن عمر الكثير من الأصول والتقاليد المخزنية، وتمرس على مزاولة المهام الصعبة داخل القبيلة، وهذا ما جعل أخاه محمد بن عمر يرشحه لتولي منصب القيادة، بعد أن دبت إليه الشيخوخة والمرض.


الكاتب : إعداد : محمد تامر

  

بتاريخ : 15/04/2023