عِنْدَمَا تَزَاوَرَت الْمَدَائِنُ الشَّبَحِيَّةُ

عِنْدَمَا جَعَلَتِ الأشْجَارُ
في صَدْرِ المسَاءِ عُصْفُورَيْنِ،
تَزَاوَرَتْ عَنِ الرِّيحِ
المدَائِنُ الشَّبَحِيَّةُ:
فَمِنَ النَّاسِ مَنْ غَشِيَهُ خُبْزٌ عَارٍ،
فَارْتَطَمَ أَمْسُهُ بِيَوْمٍ حَسِيرٍ
لا غَيْبَ فِيه،
ومِنْهُمْ مَنْ ارْتَابَ مِنْه الْخَوَاءُ الْـمُوَشَّى
بِتَجَاعِيدِ الأمَاكِن،
فَاسْتَزَلَّتْهُ السَّرَادِيبُ
إِلَى أَحْلامٍ مُوصَدَة،
ومِنْهُمْ مَنْ نَسِيَ سِوَارَ لُغَتِهِ
في صَحْوِ الكَلام،
فَانْعَرَجَ مَدْحُورًا
نَحْوَ دَبِيبِ الرِّمال.

كَمَا لَمْ تُرِدْ،
أَنَاخَتِ المدَائِنُ الشَّبَحِيَّةُ
شَوَارِعَهَا السَّحِيقَة،
وهَا هِيَ ذِي الآنَ
تَنْتَظِر نُعَاسَ القُبَّرَات:
هُنَا رَجُلٌ في مُنْتَصَفِ خَرِيفِهِ
يقْتَعِدُ أرْذَلَ المقَاهِي
لِكَيْلا يَنْبُتَ في الظَّلامِ
فُتُورُ الأمْنِيَات،
وهُنَاكَ امْرَأةٌ أَبَجَدِيَّةٌ
تَصْنَعُ مِنْ طَحِينِ الأقَاوِيل
قَامُوسًا لأقْصَى المنَامَات،
فَلا تَمِيدَ بِالغَرْقَى
بَعْدَئِذٍ التَّوابِيت،
وبَيْنَهُمَا
تَعِيشُ يَوْمِيَّاتٌ كَسِيرَة،
كُلَّ أرْبِعَاء
تَنْبَجِسُ جَلَبَتُهَا
في غَفْلَةٍ مِنَ الغِيَاب،
ثُمَّ تَعُودُ لِلتَّبَرُّمِ
بِلا جُمُعَةٍ ولا أَحَد.

لِلرَّجُل قَالَتِ المدَائِنُ
وَقَدْ تَخَمَّرَتِ في مِعْطَفِهِ
لُغَةُ الارْتِيَاب:
«هَلْ للأُمْنِياتِ رائِحَةُ الزَّنْجَبِيل؟»
«رُبَّمَا لَهَا رُوحُ القِطَطِ» قَال،
«لَوْنُهَا يَمِيلُ لِلاشْتِيَاقِ الكَرَزِيِّ مَرَّةً،
وللأزْرَقِ الرُّخَامِيِّ مَرَّةً يَمِيل».
قَمَعَت المرْأَةُ شَهْقَةَ مُفْرَدَاتِها،
ورَشَقَت المدَائِنَ
بآخِرِ نَهْرٍ في جُغْرَافِيَتِهَا
ودَمْدَمَتْ:
«قَدْ يَهْطِلُ بَيَاضُ المَنَامَات
بِجِوارِ الـمَنَادِيل،
لَكِنْ مُرُوجَ الذِّكْرَى لا تَخْبُو،
أَ تَعْطَشُ المسَافَاتُ
وشَوَارِعُكِ تَتَدَفَّقُ في صُدُوعِ النِّسْيَان؟»

عَلَى أُهْبَةِ الـمَحْوِ
صَفَّفَتِ المدَائِنُ الشَّبَحِيَّةُ
الغُبَارَ الصَّدِئَ عَلَى ظِلِّ الرَّجُل،
ولِلْمَرْأَةِ صَنَعَتْ
بَعْضَ الغَسَقِ في شَمْعَتَيْنِ،
ثُمَّ لَبِثَتْ
في الأُخْدُودِ المُتَاخِمِ للضَّوْء
ثَلاثَةَ أحْزَانٍ
وزادَتْ فَوْقَهَا دَمْعَتَيْنِ،
وبِخِفَّةِ الجَدَائِل
الْتَمَعَتْ في مُنْحَدَرَات الرِّيح.


الكاتب : خالد أمزال

  

بتاريخ : 29/12/2023