غادر الحياة وحيدا في منزله، والأمن يكتشف الأمر بعد أربعة أيام من موته
في صمت عاش آخر أيامه بعيدا عن الأضواء ،عاش وحيدا بمنزله بالدار البيضاء، قبل أن يعثر عليه جثة هامدة أول أمس الأحد، بعدما اتصل جيرانه برجال الأمن ،حينما تفاجأوا برائحة تنبعث من داخل المنزل، وهو ما جعل النيابة العامة تعطي الضوء الأخضر للأمن كي يقتحموا الدار، ليجدوا المطرب والملحن الحبيب الإدريسي ملقى على الأرض جثة هامدة.
مصادر جريدة الاتحاد الاشتراكي كشفت، أن الفنان والمبدع الحبيب الإدريسي، توفي منذ أربعة أيام قبل العثور عليه جثة هامدة.
الحبيب الادريسي من الأوائل الذين ولجوا عالم الأغاني المصورة، وتعامل مع مخرجين كمحمد الركاب، حميد بنشريف، حسن بورجيلة وغيرهم.
رأى الحبيب النور سنة 1948 بمنطقة جبل «أمركو»، التي توجد بمنطقة كانت تسمى قديما فاس البالي بالقرب من سد الوحدة. فقد والده كما نقول سيرته الحياتية، وهو صغير لم يتجاوز بعد الثالثة من عمره، كان والده يشتغل فقيها يدرس القرآن والعلوم الدينية في المساجد والزوايا، تربى في كنف أمه التي أصلها من «القليعة» بنواحي غفساي، تلقى تعليمه الأولي بالمسيد، توفيت والدته ولم يكن يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.
المطرب والملحن الحبيب الإدريسي عاش صعوبات في حياته من أجل إثبات ذاته، عاش يتيما وسط أكثر من عائلة احتضنته. في البداية انتقل للعيش بمنزل آل التازي، وفي نفس الوقت كان يشتغل عنده في التجارة، وظلت والدته قريبة منه، عاش مدللا وسط هذه الأسرة، وتعلق بالموسيقى والغناء، وبدأ يستمع لنجوم الطرب أمثال فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وحفظ الكثير من أغانيهم، لم يعد يول اهتماما كافيا للأنشطة التجارة التي كلفوه بها، وبدأ يخترع الأعذار لحضوره نشاط فني معين، وكان يترك المحل التجاري تحت إمرة مساعده أو صديقه، حتى أن في أحد الأيام تعرض المحل الذي كلف صديقه بمراقبته للسرقة من طرف مجهولين.
بعد انتقال الحبيب الادريسي إلى مدينة الدارالبيضاء في الخمسينيات، كان نشاطه الأول الذي مارسه هو التجارة، ثم زاول العديد من الرياضات مثل كرة القدم والسباحة، اشتغل لفترة قصيرة مراقبا بحافلات نقل تابعة للحاج احميدة التازي، وأصبح مساعدا في تجارته، ويستأمنه على شؤونه، حاولت تلك العائلة أن تغطي على إحساسه باليتم، بحيث عاش مع أبنائها. وفي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات انتقل للعيش مع عائلة أخرى تسمى عائلة البلغيتي، بمرس السلطان بحي الأحباس، وكان يشتغل في التجارة عندها، بدرب عمر وطريق مديونة المختصة في تجارة الأثواب، وبموازاة ذلك كان يهتم بالموسيقى، وحينما أراد أن يسجل أغنيته الأولى بمدينة فاس اضطر إلى اختلاق عذر للعائلة التي يشتغل عندها، فادعى أنه مسافر ليشفع في أرض له بنواحي مدينة فاس.
الفنان الإدريسي كان نجما غنائيا ضمن نجوم الغناء المغربي في أواخر الستينيات، كان يتمتع بمواهب فنية وصوت رخيم، يحفظ لحن الأغنية وإيقاعها جيدا، ويغني أغاني عبد الحليم حافظ، والمعطي بنقاسم… وبعد تعرفه على الملحن عبد الرحيم السقاط، نصحه بالتفرغ للفن إن أراد النجاح في مساره الفني، ولذلك تخلى عن التجارة لصالح الفن، وهو القرار الذي لم يتقبله في البداية أفراد العائلة التي يشتغل عندها.
بدأ مساره الفني أواخر الخمسينيات وفي منتصف الستينيات سيتعامل مع الملحن السقاط، هذا الأخير كان من بين الذين شجعوه إلى جانب عبد الوهاب الدكالي على المضي قدما في التلحين. و كانت أول أغنية له «غير سير أوكان»، وهي من كلمات حمادي التونسي وألحان المبدع السقاط، سجلت رفقة جوق فاس، الذي يترأسه أحمد الشجعي، والذي كانت تربطه به علاقة قوية. أما الأغنية الثانية «شنو اللي كان» والتي نظم كلماتها الشاعر الغنائي جواد العمارتي ولحنها السقاط، والتي جرى تسجيلها رفقة الجوق الجهوي لإذاعة الدارالبيضاء، أما الأغنية الثالثة «مابقيتي عندي فالبال» من ألحان السقاط وكلمات الفنان فتح الله لمغاري، والتي اشتهر بها الإدريسي.
يحكي الإدريسي ،أنه في بداية السبعينيات في إحدى المناسبات كان حاضرا بقصر الصخيرات رفقة مجموعة من الفنانين، وقد رآه الملك الراحل الحسن الثاني، فبادره بسؤال «فين غابر ما بقيتش كا نسمعك ياكما كنت مسافر؟» فأجابه الإدريسي بأنه موجود دائما، وإن أراد جلالته سماعه ما عليه سوى أن يوصي أحمد البيضاوي أو إبراهيم العلمي، وهو ما قام به الحسن الثاني الذي أمرهما بالإعتناء بالمطرب الشاب والذي كان الملك يلقبه ب(الشريف) .
أتيحت للفنان الحبيب فرصة سنة 1975، عند انطلاق المسيرة الخضراء. فتقدم بهدف المساهمة في الحدث، فمنحوه ملحمة زجلية تحت عنوان «الثورة الدائمة» وهي من كلمات محمد بن حسول مكونة من أزيد من عشرين بيتا، فكانت أول انطلاقة له، أما الثانية مع أغنية «بطاقة تعريف» كلمات الطاهر سباطة، فتحت هذه الأغنية أبواب التلحين على مصراعيها أمام الإدريسي، وتوالت الألحان التي قدمها بصوته أو بأصوات مطربين ومطربات على رأسهم حميد شكري وحياة الإدريسي والمطربة المصرية شاهيناز فاضل، وسعاد محمد وعزيزة ملاك، وفوزية صفاء وعفيفة جحلف، ومن بين أشهر الأغاني التي لحنها وأدى بعضها بصوته نذكر: «أحلى خبر» شعر نزار قباني، في سنة 2000 حاز على الجائزة الأولى من خلال أغنية «سالو النجمة»، وهي من كلمات جواد العادلي وغناء المطرب نور الدين الشنا، وذلك في المهرجان الأغنية العربية.
الفنان الحبيب الادريسي له أزيد من 400 أغنية، أغلبها بخزينة الإذاعة الجهوية بالدارالبيضاء، إلا أنه اكتشف أن أزيد من 14 من أغانيه اختفت ولم يعد لها أثر.
برحيل المطرب والملحن الحبيب الإدريسي، تسقط ورقة أخرى من شجرة الإبداع الجميل، وقد رثاه العديد من الفنانين منهم الأصدقاء بعدما تناهى إلى علمهم هذا الخبر الفاجعة، وفي هذا الإطار، كنب الموسيقار عبدالواحد التطواني، على صفحته الرسمية في الفيسبوك: ” رحم الله الأخ والصديق العزيز الفنان الرائد الحبيب الإدريسي أحد أهرام الأغنية المغربية منذ سنة 1965 ،كان كريم الخلق وصاحب عزة نفس قل نظيرها.
الرجل كان قامة في الغناء والألحان يحظى بمحبة الجميع والجميع يشهد له بالكرم وحسن السيرة.
توفي الراحل قبل ثلاثة أو أربعة أيام بمنزله بمدينة الدارالبيضاء دون أن يعلم به أحد،حيث ووري جثمانا عند صلاة الظهر بمقبرة الرحمة بمدينة الدارالبيضاء، إنا لله وإنا إليه راجعون.
وداعا أخي.
الشاعر الوافي فؤاد، كتب على صفحه الرسمية على الفيسبوك :” تلقيت ببالغ الحزن و الأسى خبر رحيل الفنان الحبيب الإدريسي إلى جوار ربه ،هذا المبدع الكبير الذي كرس حياته لفنه،و الحبيب جمعتنني و أياه العديد من الأغاني و صداقة حميمية لأكثر من عقدين و نصف من الزمن٠٠
لله ما أعطى و لله ما أخذ.”.
الملحن سعيد الإمام ،كتب في صفحته الرسمية على الفايسبوك: “علمنا من مصادر صحفية موثوقة وفاة الفنان المطرب والملحن الكبير الحبيب الإدريسي بمنزله تغمده الله بواسع رحمته .
وبهذه المناسبة الأليمة نتقدم لكل محبيه بأصدق مشاعر العزاء والمواساة.راجين من العلي القدير أن يشمله بواسع مدخله ويكرم مثواه .
إنا لله وإنا إليه راجعون”
الإعلامي عتيق بنشبكر والفنانة رفيعة غيلان ،والفنانة حياة الإدريسي التي تعاملت معه فنيا وآخرون، نعوا الفقيد ،وأثنوا على مناقبه، لما كان يتمتع به رحمه الله من دماثة الأخلاق وحسنها ، حيث أشادوا بمسيرته الفنية وكذلك بأخلاقه الحميدة، وبرحيله كما جاء في عدد من التدوينات، يفقد المغرب أحد الأسماء الفنية المغربية التي أثرت الساحة الفنية والخزانة الوطنية بكم هائل من الأغاني الجميلة.