مع تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة، يعاني القطاع ، الذي يأوي أكثر من مليوني فلسطيني، من أزمة إنسانية غير مسبوقة، تتسم بنقص حاد في الغذاء وانتشار الجوع على نطاق واسع. فبعد أكثر من 21 شهرا من الحرب على القطاع، تفاقم الوضع الإنساني ليصل إلى مستويات كارثية.
الحصار والقصف يفاقمان الأزمة الإنسانية ويدفعان غزة إلى حافة الكارثة
الحصار الذي فرضته إسرائيل، والذي اشتد منذ مارس الماضي، قيد بشكل كبير وصول الغذاء والإمدادات الطبية والاحتياجات الأساسية، مما دفع السكان إلى حافة المجاعة. وسجلت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى معدلات مقلقة من سوء التغذية، حيث وثقت وزارة الصحة في غزة، التي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة، وفاة 86 شخصا بسبب الجوع أو سوء التغذية منذ بداية الحرب، من بينهم 76 طفلا. ومن اللافت أن 18 من هذه الوفيات وقعت خلال 24 ساعة فقط بين السبت والأحد، مما يبرز شدة الأزمة.
وأمس، أعلن الدفاع المدني في غزة مقتل 93 فلسطينيا على الأقل عندما أطلقت قوات الاحتلال لإسرائيلية النار باتجاه أشخاص ينتظرون الحصول على مساعدات، غالبيتهم في شمال القطاع، حيث تزداد ظروف الجوع سوءا مع تقييد دخول المساعدات.
وأفاد المتحدث باسم الجهاز لوكالة فرانس برس بمقتل 80 شخصا أثناء محاولتهم الحصول على مساعدات تنقلها شاحنات في شمال غرب مدينة غزة، مؤكدا أنهم قضوا جراء “إطلاق الاحتلال النار”.
وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن قافلة تابعة له تتألف من 25 شاحنة وتحمل مساعدات غذائية إلى شمال غزة، “واجهت حشودا ضخمة من المدنيين الجائعين تعرضوا لإطلاق نار”، وذلك بعيد عبورها المعابر مع إسرائيل واجتياز نقاط التفتيش.
وشدد على أن “أي عنف يطال المدنيين الذين ينتظرون المساعدة الإنسانية غير مقبول على الإطلاق”، ودعا “لحماية كل المدنيين والعاملين” في المساعدات.
كما أفاد جهاز الدفاع المدني في غزة بوفاة ثلاثة أطفال رضع الأسبوع الماضي بسبب الجوع الشديد وسوء التغذية. وأشارت مصادر طبية، بما في ذلك منظمة أطباء بلا حدود، إلى ارتفاع حاد في حالات سوء التغذية الحاد، حيث سجلت عيادات في غزة مستويات غير مسبوقة من المعاناة. وفي مستشفى الشفاء، أوضح الدكتور محمد أبو سلمية الوضع المزري، مشيرا إلى أن الأطفال دون سن السنة يعانون من نقص حاد في الحليب، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في أوزانهم وضعف مناعتهم، ما يجعلهم عرضة للأمراض. كما تلقت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) رسائل يائسة من موظفيها في غزة، يتوسلون المساعدة بسبب ندرة الغذاء التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بمعدل 40 ضعفا. وعلى الرغم من وجود مخزونات مساعدات خارج غزة تكفي لإطعام السكان لأكثر من ثلاثة أشهر، إلا أن القيود الإسرائيلية حالت دون تسليمها.
قيود إسرائيلية تعيق توزيع المساعدات
أعاق الحصار الإسرائيلي، الذي اشتد بعد انهيار محادثات تمديد وقف إطلاق النار في مارس 2025، نظام المساعدات الإنسانية بشكل كبير. وتعرضت “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي تدعمها إسرائيل والولايات المتحدة، لانتقادات بسبب عدم فعاليتها وخطورتها. وأدان بيان مشترك صادر عن 25 دولة غربية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، نظام توزيع المساعدات ووصفه بأنه “خطير” و”يحرم سكان غزة من الكرامة الإنسانية”.
ومنذ أواخر ماي الماضي، عندما خففت إسرائيل الحصار قليلا، لم يسمح إلا بعدد محدود من شاحنات المساعدات بالدخول، وهو أمر غير كافٍ لتلبية احتياجات السكان. وأفادت الأمم المتحدة بمقتل 875 شخصا، من بينهم 674 بالقرب من مراكز توزيع المساعدات، منذ ماي أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات. .
من جهة أخرى، أدانت منظمة الصحة العالمية الهجمات المتكررة على مقرها ومستودعها الرئيسي في دير البلح، وسط غزة، يوم الاثنين. وأفاد المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أن القوات الإسرائيلية اقتحمت المنشأة، وأجبرت النساء والأطفال على الإخلاء، واحتجزت الرجال من الطاقم وعائلاتهم للاستجواب، وتسببت في أضرار كبيرة بالمستودع. وقد أعاقت هذه الأعمال قدرة المنظمة على دعم النظام الصحي المنهار في غزة، والذي يعاني بالفعل من نقص الأدوية والوقود والمعدات.
احتجاج دولي ومطالبة بوقف إطلاق النار
دوليا، أصدرت 25 دولة غربية بيانا مشتركا يطالب بـ”وقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار” لإنهاء “النزاع المروع”. وشدد البيان، الذي وقعته دول من بينها أستراليا وكندا واليابان والمفوضة الأوروبية للمساواة، على ضرورة الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حماس ووقف الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأدانت الدول رفض إسرائيل تقديم المساعدات الإنسانية الأساسية ووصفته بأنه “غير مقبول”، وانتقدت نظام توزيع المساعدات لتغذيته عدم الاستقرار.
كما أدان وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، في كلمته أمام مجلس العموم، نظام توزيع المساعدات الإسرائيلي ووصفه بأنه “غير إنساني وخطير”، محذرا من أن تجاهل إسرائيل للدعوات الدولية لإنهاء الحرب يضر بسمعتها العالمية. وتعهدت المملكة المتحدة بتقديم مساعدات إنسانية إضافية بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني (حوالي 46 مليون يورو) لغزة في عام 2025. وبالمثل، طالب وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إسرائيل بالسماح للصحافة المستقلة بدخول غزة لتوثيق الأزمة. كما دعا بارو إلى إجلاء الصحفيين الفلسطينيين الذين تتعرض حياتهم للخطر، مشيرا إلى حالة صحفي مستقل يبلغ من العمر 30 عاما توفي شقيقه الأكبر “بسبب الجوع”.
كما شدد الفاتيكان لهجته، خاصة بعد ضربة إسرائيلية أودت بحياة ثلاثة أشخاص في كنيسة العائلة المقدسة، الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزة. وأدان البابا ليو الرابع عشر “الهمجية” في الحرب، داعيا إلى وقف “اللجوء العشوائي للقوة”. وقال الكاردينال بييترو بارولين، أمين سر الفاتيكان، أن الهجوم ربما كان متعمدا، وحث إسرائيل على نشر نتائج التحقيق. كما وصف بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، الذي زار غزة الجمعة الماضية، الوضع الإنساني بأنه “غير مقبول أخلاقيا”، متعهدا بأن الكنيسة لن تتخلى عن المجتمع المسيحي في غزة..
تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية
في غضون ذلك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن “صدمته” إزاء المعاناة الإنسانية، محذرا من أن “آخر شرايين الحياة” في غزة على وشك الانهيار. وأدان استمرار العنف، بما في ذلك قتل المدنيين الذين يسعون للحصول على الطعام، وانتقد أوامر الإخلاء التي تقيد تسليم المساعدات. وأصدرت الأونروا ومنظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود نداءات عاجلة للسماح بدخول المساعدات دون قيود وإبرام وقف لإطلاق النار. وأشارت الأونروا إلى أن الحصار خلق أزمة “من صنع الإنسان”، وحثت إسرائيل على رفع القيود والسماح بدخول المساعدات بشكل آمن وعلى نطاق واسع.
من جهتها، قالت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أمس إنها أبلغت نظيرها الإسرائيلي بأن على الجيش الإسرائيلي “التوقف عن قتل” مدنيين عند نقاط توزيع مساعدات في غزة.
وكتبت كالاس على إكس أن “قتل مدنيين يطلبون مساعدات في غزة أمر لا يمكن الدفاع عنه. تحدثت مجددا مع (وزير الخارجية الإسرائيلي) جدعون ساعر لتأكيد تفاهمنا بشأن تدفق المساعدات وأوضحت أن على الجيش الإسرائيلي التوقف عن قتل الناس في نقاط التوزيع”.