غضب الفلاحين والمستثمرين.. أزمة تقنين القنب تفضح عجز الوكالة الوصية وتهديداتها

دخل ملف تنزيل تقنين القنب الهندي في المغرب منعطفا خطيرا بعد الاجتماع المتوتر الذي احتضنته مدينة تاونات الأسبوع الماضي بين مدير الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي، الكروج، وعدد من المستثمرين والتعاونيات. الاجتماع، الذي كان من المفترض أن يشكل محطة لتقييم حصيلة التجربة والبحث عن حلول عملية للأزمة، تحول إلى ساحة شد وجذب، انتهت بتهديد الإدارة بسحب التراخيص من بعض الأطراف. هذا الموقف اعتبره الحاضرون انعكاسا لفشل الوكالة في تدبير ورش وطني استراتيجي كان يعول عليه لتحويل القنب الهندي من مصدر معاناة اجتماعية واقتصادية إلى رافعة للتنمية المحلية والمساهمة في الاقتصاد الوطني. فبدل أن تضطلع بدور تنظيمي و تأطيري متكامل، حوّلت الوكالة وظيفتها إلى مجرد جهاز يمنح الرخص على الورق، من دون أي مواكبة ميدانية تذكر.
التعاونيات والمستثمرون الذين ضخوا مدخراتهم في هذا المشروع، وجدوا أنفسهم أمام واقع معقد: كساد في السوق، مخزون متضاعف يقدَّر بمئات الأطنان، إفلاس يهدد المقاولات الناشئة، وفلاحون صغار فقدوا الأمل في استرجاع حقوقهم. في خضم هذا الوضع، لم تقم الوكالة بأي جهد يذكر في مجال التسويق أو دعم التخزين، ولم تتحرك لإيجاد قنوات لترويج المنتوج على المستوى الوطني أو الدولي، بل تركت الأطراف تغرق في دوامة الخسائر والتوتر. الأدهى من ذلك، أن الوكالة لم تتدخل لضبط العلاقة مع المختبرات التي تفرض أسعارا خيالية على التحليلات المخبرية اللازمة لضمان جودة المنتوج، مما أثقل كاهل المستثمرين وأضعف قدرة التعاونيات على الاستمرار. كما لم تواكب الوحدات الصناعية في ما يتعلق بالتأمين، وهو عنصر حيوي لضمان استدامة أي استثمار، تاركة الفاعلين في مواجهة المخاطر لوحدهم.
«استثمرنا كل ما نملك من مدخرات، أخذنا قروضا، راهنّا على نجاح المشروع، واليوم نواجه الإفلاس»، هكذا يلخص أحد المستثمرين وضعه في تصريح لنا. الرجل الذي فضل عدم ذكر اسمه يؤكد أن الوكالة اكتفت بمنح التراخيص على الورق دون أي مواكبة ميدانية أو دعم في مواجهة تعقيدات السوق. من جانب آخر، يقول رئيس إحدى التعاونيات الفلاحية: «نحن في وضعية صعبة، فقدنا حقوقنا لعدة مواسم، المستثمرون لم يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم، والوكالة لم توفر لنا أي ضمانة. بل الأكثر من ذلك، صرنا نسمع تهديدات بسحب الرخص أو إحراق المخزون».
وبدل أن تكون الوكالة طرفا مساعدا على تجاوز الأزمة، اتجهت نحو زرع الفتنة بين الفلاحين والمستثمرين، عبر تحريض التعاونيات على مقاضاة شركائها، والتلويح بإحراق المخزون المتراكم، في وقت كان المنتظر منها البحث عن حلول عملية لتصريفه أو دعمه. هذه المقاربة القائمة على التهديد والعقاب لا يمكن إلا أن تزيد من تأزيم الوضع، وتقوّض الثقة في تجربة تقنين لم تخرج بعد من عنق الزجاجة.
المشكل أعمق من مجرد سوء تدبير، إنه غياب لرؤية استراتيجية متكاملة. الدولة راهنت على مشروع مجتمعي يفترض أن يخلق الثروة والتنمية، لكن الوكالة تعاملت معه كملف إداري، وزعت فيه الرخص وتركت الفاعلين يواجهون مصيرهم. ففي أي تجربة دولية ناجحة، دور الوكالة أو الهيئة التنظيمية يتجاوز الجانب التقني إلى ضمان التوازن بين الفلاح والمستثمر، توفير قنوات تسويق، مواكبة تمويلية، وضبط السوق. ما يحدث عندنا هو العكس تمامًا.
يحكي بعض فلاحين قصصا متشابهة: مواسم ضاعت، ديون تراكمت، ومستقبل غامض. يقول أحدهم «صدقنا أن التقنين سيكون باب رزق كريم، لكننا لم نر سوى الوعود. لا تسويق، لا دعم، والآن يطلبون منا أن نقاضي المستثمرين الذين هم بدورهم ضحايا». الفلاحون اليوم يجدون أنفسهم في قلب معادلة معقدة: فقدوا الثقة في المستثمرين، ولم يعودوا يثقون في الوكالة، فيما المخزون المتكدس مهدد بالإتلاف بدل أن يتحول إلى مصدر دخل.
مدير الوكالة أبان، وفق شهادات العديد من الفاعلين، عن فشل ذريع في تدبير هذا الورش الوطني المجتمعي بالمنطقة. فالمقاربة التي اعتمدت لم توفر البيئة القانونية والاقتصادية اللازمة لنجاح المشروع، ولم تحم الفلاحين ولا المستثمرين من الانهيار، ولم تضع أسس رؤية استراتيجية قادرة على تحويل التحديات إلى فرص.
الأزمة الحالية لم تعد مجرد مشكل محلي، بل صارت مؤشرا على ضرورة إعادة النظر في السياسة المعتمدة لتقنين القنب بالمغرب برمتها. فنجاح هذا الورش الاستراتيجي لا يقاس بعدد الرخص الموزعة، بل بقدرة الدولة على ضمان استقرار السوق، حماية الفلاحين والمستثمرين، تأمين الوحدات الصناعية، وضبط العلاقة مع المختبرات والتعاونيات بما يخدم التنمية لا النزاعات.
لقد كان الرهان أن يشكل التقنين فرصة لطي صفحة سنوات من التهميش والاقتصاد غير المهيكل، غير أن فشل الوكالة في تدبير هذا الورش يهدد بتحويله إلى عبء إضافي على منطقة أنهكتها عقود من الفقر والهشاشة.
الأزمة الحالية قد تكون جرس إنذار لإعادة النظر جذريًا في السياسات المعتمدة، وإلا فإن مشروع التقنين مهدد بفقدان ثقة كل الأطراف، وهو ما سيحوّله من ورش استراتيجي إلى قصة إخفاق جماعي. الحل اليوم يمر عبر تدخل عاجل، شجاع ومسؤول، لإعادة ترتيب البيت الداخلي، وفتح قنوات حوار جدية مع كل الأطراف، ووضع خطة عملية لإنقاذ الموسم وضمان مستقبل هذا القطاع الواعد.


الكاتب : محمد اليزناسني

  

بتاريخ : 22/09/2025