غطرسة لوبيات المقالع بإقليم بركان : في ظل تعطيل الأجهزة الرقابية: أفول الأثر التشريعي للقانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع

تميزت المملكة المغربية في المنتظم الدولي باهتمامها الكبير بمسألة البيئة ومنحها مكانة متميزة في سياساتها العمومية؛ وهو الأمر الذي تمت ترجمته في صدور ترسانة قانونية تنفرذ بالحكامة الجيدة والتصدي القانوني لكل المظاهر السلبية التي من شأنها المساس بالتوازنات البيئية التي تعتبر مناط التميز المغربي.
ومن ضمن هذه الترسانة القانونية التي تتناول مسألة البيئة بالتنظيم، أصدر المشرع المغربي القانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع، مؤكدا في ديباجة هذا القانون على أنه انبنى بالأساس على التصدي لمجموعة من الاختلالات البنيوية التي طغت على قطاع المقالع تهم الاستغلال وتنامي ظاهرة المقالع العشوائية ونهب الرمال…..وعدم نجاعة المراقبة وما نتج عن ذلك من انعكاسات سلبية على الساكنة والبيئة الطبيعية والبنيات التحتية والعائدات المالية.
ولأجله، كان لازما إعادة النظر في المنظومة القانونية المؤطرة لقطاع المقالع بغيه الارتقاء به وتأهيله لمواكبة وملاءمة التوجهات الجديدة لبلادنا الهادفة إلى الحفاظ على التوازنات البيئية وحمايتها، عبر معالجة الاختلالات السالف ذكرها؛ وهو الأمر الذي تطلب تبني مقاربة شمولية ومندمجة تسعى تطوير أساليب استغلال المقالع وعقلنة تدبيرها وتشديد آليات مراقبتها، وكذا ترشيد الموارد الطبيعية وضمان استدامتها، وذلك كله بغية الاستعداد للرهانات البيئية المرتبطة بالفضاءات الطبيعية وأوساط عيش المواطنات والمواطنين.
وفضلا عما سبق ذكره، فقد كان الأثر التوقعي للقانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع واضحا في النطق التشريعي للمشرع الذي نص بشكل واضح في المادة 24 من ذات القانون على ما يلي : « إذا تبين أن استغلال أحد المقالع يشكل بالنسبة للعمال وسكينة الجوار والصحة والأمن والسلامة العامة والفلاحة والصيد البحري والموارد والحيوانات والنباتات البرية والمائية والغابة والوحيش ومختلف الأحياء والنباتات والمنابع المائية والبيئية والمواقع والآثار التاريخية، مخاطرا أو مضارا لم تكن معروفة عند الحصول على وصل التصريح، فإن الإدارة تأمر المستغل باتخاذ تدابير تكميلية أو إدخال التغييرات اللازمة لتفادي المخاطر أو المضار المذكورة.
وإذا تقاعس المستغل تصدر الإدارة أمرا بوقف أشغال الاستغلال وتتخذ كافة التدابير لتفادي المخاطر والمضار وذلك على نفقة المستغل ومسؤوليته.» وهو نفس المقتضى الذي أكدته المادة 25 من نفس القانون بشأن حماية للبيئة أو الصحة أو السلامة.
واستنادا لهذه المقتضيات القانونية، يتضح أن المشرع منح الأولوية لسكينة الجوار والصحة والسلامة العامة ولمكونات البيئة السليمة على حساب الاستمرار في استغلال المقالع، خصوصا في حالة تقاعس المستغلين وبالأحرى سوء نيتهم.
وتأمينا، بل ورغبة منه في تنزيل هذه الأهداف على أرض الواقع، أحدث المشرع أجهزة رقابية كما منح للسلطات المعنية آليات ردعية، تمكنها من تحقيق الأثر التوقعي لمشرع قانون رقم 27.13 المتعلق بالمقالع.
وزيادة على اللجنة الوطنية لتتبع استغلال المقالع برئاسة السلطة الحكومية المكلفة بالتجهيز، أحدث المشرع بموجب القانون المذكور لجنة عمالاتية أو إقليمية برئاسة عامل العمالة أو الإقليم يعهد إليها بموجب المادة 44 مراقبة وتتبع استغلال المقالع؛ كما أحدثت المادة 45 شرطة المقالع التي يناط بها معاينة المخالفات وتحرير محاضر بشأنها.
وزيادة عما سبق ذكره، فقد أضفى المشرع عقوبات جنائية في بابه العاشر على كل خرق لمقتضيات هذا القانون، ونص على عقوبات مالية تطبق على كل مستغل مخالف.
لكن، ورغم هذا التحول الإيجابي النوعي في المنظومة القانونية المتعلقة بالمقالع الهادفة إلى حماية البيئة وسكينة الإنسان وسلامته وصحته وصحة الوحيش والنبات، فإن غايات المشرع التي يترجمها هذا التحول، أفرغت من محتواها في إقليم بركان، حيث ظل الإنسان ببيئته في جميع مكوناتها مهددة وتعاني من المخاطر والمضار التي أراد المشرع حمايته منها، وذلك بفعل تعطيل النظام الرقابي والآليات الإدارية والجنائية السالف ذكرها، وهو الأمر الذي يمكن تسجيله من خلال الاختلالات الواقعية التي يعاني منها المواطن ويشهد بها الواقع؛ مما يثار معه التساؤل حول نجاعة وفعالية اللجنة الإقليمية؟
ويمكن سرد بعض الاختلالات التالية:
الاختلال الأول:
المقالع المهجورة

تعتبر ظاهر المقالع المهجورة ظاهرة خطيرة بإقليم بركان، فحسب النقاش العمومي المحلي، تشكل هذه المقالع خطرا كبيرا على البيئة والإنسان، اعتبارا لعدم إعادة تهيئتها وإدماجها في محيطها البيئي (المادة 39).
وتحسبا لمختلف هذه المخاطر، نصت مقتضيات المادة 14 من القانون رقم 27.13 على أنه لا يجوز للإدارة منح وصل التصريح بالاستغلال إلا إذا قدم المستغل كفالة بنكية تستعمل لإعادة تهيئة موقع المقلع المستغل في حالة عدم إعادة تهيئته من طرف المستغل.
ورغم، شكايات المواطنات والمواطنين، وملاحظات أعضاء اللجنة الإقليمية ببركان، فإن المقلع المنتهى استغلاله لم يتم إعادة تهيئته وإدماجه في محيطه البيئي، وحسب بعض الشهادات فإن طمره بالأتربة المتبقية من الأشغال المختلفة تتم بوتيرة جد بطيئة؛ الأمر الذي يطرح معه التساؤل حول الأسباب التي دفعت السلطة المختصة إلى عدم تفعيل آلية الكفالة البنكية المنصوص عليها في المادة 14 السالفة الذكر؟ ومن جهة أخرى الأسباب التي جعلت اللجنة الإقليمية برئاسة عامل الإقليم إلى عدم استعمال الآليات الإدارية التي يمنحها القانون من أجل حماية البيئة وتنزيل أثر المادة 24؟
هل هذا تعطيل للقانون واعتباره نصا ميتا في إقليم بركان؟
الاختلال الثاني: غياب تفعيل دراسة التأثير
على البيئة

ألزمت المادة 13 من قانون المقالع مستغلي المقالع برفع تقارير سنوية عن الوضعية البيئية لمقالعهم، كما أعطت نفس المادة للإدارة صلاحية إلزام المستغل بتحيين دراسة التأثير على البيئة، بعد دراستها لهذه التقارير السنوية.
ويعتبر عدم احترام مخرجات دراسة التأثير على البيئة من أهم مظاهر أزمة سيادة قانون المقالع بإقليم بركان، حيث لا يتم إخراجها لحيز الوجود إلا بعد احتجاج الساكنة المتضررة، وهو الأمر الذي يستشف من خلال جواب السيد عامل الإقليم على رسالة السيد القنصل العام ببروكسيل المؤرخة في 21 فبراير 2018 والمضمن بها شكاية أحد المواطنين المغاربة المقيمين بدولة بلجيكا والمتمحورة حول الأضرار والمخاطر التي يسببها أحد المقالع بدوار ورطاس.
إن التأثير على البيئة من خلال مضار ومخاطر، نفترض أنها لم تظهر إلا أثناء الاستغلال، علما أن هذا الافتراض غير صحيح اعتبارا لكون هذه المضار والمخاطر ناتجة عن إخلال المستغل بالتزاماته القانونية، يقتضي من السلطة المعنية رصدها قبل تشكي الساكنة على النحو الذي كان من الواجب عليها أن تفرض على المستغل اتخاذ تدابير تكميلية طبقا لما تنص عليه مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 24 السالفة الذكر.
أليس هذا مظهر من مظاهر تعطيل عمل اللجنة الإقليمية لتتبع استغلال المقالع؟ أليس هذا مظهر من مظاهر تعطيل الصلاحيات المخولة قانونا لحماية البيئة.
الاختلال الثاني:
عدم احترام الكميات المستخرجة

تنص مقتضات المادة 30 من قانون المقالع على المستغل ملزم بمسك سجل يتضمن على الخصوص نوعية وكمية المواد المستخرجة من المقلع، كما تنص مقتضيات المادة 52 من نفس القانون على معاقبة كل من صرح بكمية مستخرجة غير حقيقية وكل من استخرج موادا من مناطق أو أعماق غير مسموح بها بغرامة مالية قدرها 500 درهم؛ كما نص على عقوبات في المادة 60 على مخالفة عدم احترام المسافات المنصوص عليها في المادة 20 من ذات القانون.
هذا، واستنادا إلى النقاش العمومي، ومخرجات الزيارات الرقابية التي يقوم بها أعضاء اللجنة الإقليمية، فإن جل المقالع المستغلة بالإقليم لا يحترم مستغلوها الكميات المحددة بل يتم تجاوزها بشكل فاحش؛ وهو الأمر الذي يؤثر على البيئة والفرشة المائية ويرتب اختلالا بالتوازن البيئي، خلافا للأثر التشريعي المتوخى.
وأكثر من هذا، فإن استخراج كميات أكبر من الكميات المحددة والتصرف فيها، يكيف من منظور جنائي على أساس أنه سرقة للأحجار من محاجرها يتعرض مستغلي المقالع للعقوبة المنصوص عليها في الفصل 517 من القانوني الجنائي والتي يحددها في عقوبة حبسية من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية من مائتي إلى خمسمائة درهم.
كل هذه المقتضيات القانونية تم تعطيلها، فرغم استخراج كميات متجاوزة لما هو محدد، فإن الجهة الإدارية المعنية لم ترتب أثر قانون المقالع كما لم تحرك المتابعات المنصوص عليها في القانون الجنائي.
تلكم هي أزمة القانون بإقليم بركان.
الاختلال الرابع:
عدم تسييج المقالع

ألزمت المادة 17 من القانون 27.13 المتعلق بالمقالع مستغلي المقالع على ضرورة إقامة أسيجة لمنع دخول كل منطقة خطيرة وضبط الدخول إلى المقلع ومنشآته، كما ألزمه بصيانته.
ورغم أهمية تسييج المقالع لما فيه من أمن وسلامة على المواطنين والمواطنات، خاصة أطفال القرى ومواشي الفلاحين، فإن أغلب المقالع بإقليم بركان لا تلتزم بهذا الالتزام القانوني؛ الأمر الذي يطرح معه التساؤل حول فعالية الزيارات التي يقوم بها أعضاء اللجنة الإقليمية لتتبع استغلال المقالع، هل هي زيارات شكلية، أم أنها عوائق تعوق تسجيل ملاحظاتها؟
الإخلال الخامس: عدم احترام صحة وسكينة المواطنات والمواطنين

يعتبر رش المستخرجات أثناء استخراجها وتفتيتها ضرورة رشها تفاديا للغبار المتناثر والذي يصل إلى الساكنة القريبة من المقلع؛ غير أن هذا الالتزام لا يحترم من طرف مستغلي المقالع، خاصة تلك المتواجدة بالقرب من دواوير ورطاس وأغبال واولوت وزكزل……؛ وهو الإخلال الذي تعاني منه الساكنة وما يترتب عنه من أمراض وآفات صحية.
فأين هي اللجنة الإقليمية من معاناة الساكنة، ألا تسمع نبض أنينهم وبح أصواتهم؟
الإخلال السادس: استعمال المتفجرات بشكل عشوائي

تشتكي الساكنة من الإزعاج المفرط والمخاطر والمضار الناتجة عن هذه الظاهرة، حيث تعرضت مجموعة من المساكن للتشقق، خاصة القروية منها.
ورغم تشكي الساكنة، ظلت شكاياتها دون أثر ودون جدوى؛ الأمر الذي يفرض أكثر من تساؤل حول نجاعة وفعالية تدخلات اللجنة الإقليمية لتتبع استغلال المقالع بإقليم بركان؟
الإخلال السابع:
عدم التقيد بقواعد الحكامة الجيدة

نظرا لخطورة المقالع ومضارها على الساكنة، فإنه يكون من الملائم أن تنجز وتستغل في مناطق تبعد عن ساكنة المجال القروي بخمس كيلومترات وعن ساكنة المجال الحضري بخمسة عشر كيلومتر.
لكن، في إقليم بركان هناك بعض المقالع التي لا تبعد عن ساكنة القرى سوى بثمان مائة متر، وعن بعض دواوير وأحياء مدينتي بركان وأحفير بكيلومتر واحد ونصف مثل دوار ورطاس وزكزل وأغبال…
إنها أزمة قانون المقالع في إقليم بركان، الناتجة عن جشع بعض لوبياته؛ مما يسائل المدبر العمومي المحلي جدوى ونجاعة وفعالية سبل تدخلاته؟؟؟؟؟

عضو المكتب السياسي بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية


الكاتب : عبد المنعم محسيني

  

بتاريخ : 26/09/2022